عزيزي المثقف!

حجم الخط
0

عزيزي المثقف!

وفاء مليحعزيزي المثقف!هل أباركك العام الجديد. أم أنك مثلي تضع يدك علي قلبك تنتظر ما سيأتي به عام ينضاف إلي قائمة الأعوام السابقة؟…. أعوام متشابهة لا لون لها ولا رائحة ولا طعم. فكرت إذن أن أثور علي حزني وأكتب إليك.كثيرا ما أجدني أندفع إليك عاشقة. كارهة. ناقمة. أكتب إليك لأني أحمل الكلمة ما لم تحمله علاقتي بك. أرضعها لبان الصدق. حين أحدثك عن حبي. كرهي. اشتهائي.. وجدي. ازدرائي.. سخطي. تصر علي تجاهلي وتحدثني أنت عن عشاء البارحة.في كل حالات عشقي وثورتي يشتد أوار نقمتي…. فأنت عزيزي إذ تمارس حبك معي تخلع ثوب ثقافتك. ترميه أرضا. وفي كل مرة يأخذ جسدك لونا. فأي الألوان أنت؟… وتهمس لي بعد حين بحنو آسر:ـ ما فائدة الحب إذا أنا لم أثر معك علي صدئي. عفني؟… عزيزي…لم تمهلني يوما كي أضع ترمومترا لأقيس درجة حبنا. فعدت إلي الوراء قليلا. أبحث فيها عني. عنك وإذا بي أجدني تائهة بين أصناف الألوان التي تكونك. أصمت. توجسا. خوفا. فتجيبني:ـ لا شيء يحميني من الموت سوي أنت والكتابة. ثقافتك عزيزي لا أجدها في طريقي. لا أجدها في بيتي. لا أجدها في فضاء عملي. فقط تقبلني علي الورق. وأنت دائما تقول:ـ لا يهم إن أنا خالفت القوانين. لا يهم إن أنا أحببتك بدويا. لا يهم إن كنت بدون لون. لا يهم إن كنت مجنونا ولا أعرف أي طريق أسلك. أطريق الثورة؟ أم طريق القطعان؟… المهم يا عزيزتي أني أكون بالكتابة.عزيزي..سألتك يوما. هل أنت مثقف عضوي أم سياسي أم براغماتي أم مثقف وكفي؟… أم أن الثقافة وهم تحوك نسيجه حولنا؟ارتبكت وكان ارتباكك ظاهرا.. دخلت في حالة صمت. أجبت عنك. فأنت أيها المثقف العربي تبدو قزما أمام السياسي الذي أحاطك بإيديولوجيات ثابتة بعد فشلك في أداء وظيفتك الثقافية. فأصبح مفهوم المثقف مفهوما عائما، لأن السياسي خنق المثقف. إذا أنا وافقتك وتحدثنا عن وجود مفهوم لمثقف يرتبط بالمجتمع المدني، فماهو دوره إذا كان المجتمع العربي لم تكتمل بعد ملامح مؤسساته المدنية؟..ألا تجد معي أن مفهوم المثقف العربي مفهوم ملتبس حين ترك للسياسي ورجل السلطة سلطة القول والفعل؟..هكذا غذت علاقة المثقف بالسلطة علاقة محاباة وتقرب للدواوين الوزارية. علاقة يلهث عن طريقها وراء مناصب الدولة لا ليكرس الفعل الثقافي وإنما بحثا عن جاه السلطة المادية. لم يعد للمثقف دور المراقب. الناقد. بل التابع الذي يمجد كل ما تقوم به مؤسسات الدولة.هذا الوفاق بين المثقف والسياسي أجهض المشروع المجتمعي. وأجهض مشروع ثقافة حقيقية للمجتمع حين تخلي المثقف عن طموحه الذي يفوق بالتأكيد طموح السياسي. فانسحقت عزيزي المثقف وبان انسحاقك في علاقتك بالجماهير. وجدت نفسك في عزلة تامة. ابتعدت عن القاعدة الواسعة لتدور في فلك نخبويتك. أستشهد هنا بالجاحظ الذي يقول في الجمهور العوام: قاربوا هذه السفلة وباعدوها. وكونوا معها وفارقوها. واعلموا أن الغلبة لمن كانت معه وأن المتهور من كانت عليه . الجاحظ حسب قوله يؤكد علي ضرورة سياسة تدبير العوام إدراكا منه لأهمية دور المثقف في شحذ الرأي العام والسيطرة علي الثقافة الشعبية. وفي نفس الوقت يعترف بصعوبة سياسة العوام. ليس في الأرض عمل أكد لأهله من سياسة العوام .فأنت أمام عزلة فشلك في سياسة القرب من الجماهير، لجأت إلي سياسة الاستقواء بالسياسي داخل نظام سياسي مستبد يقنن الحريات ويخنق العمل الثقافي. يوجهه لما يخدم مصالحه وإيديولوجياته. يقنن لقمة عيش المواطن ويحاصر حرياته. فقدت مصداقيتك أمام العوام، فلم تعد ذلك المثقف. المثال. القدوة. المدرسة. الذي تجد فيه هذه الجماهير درعها الواقية ضد استبداد الأنظمة الحاكمة. وجدت نفسها أمام مثقف ذي ثقافة مشوهة. يولي ظهره لها. متذبذبا في مواقفه. عاجزا عن تحقيق مصالحة بينه وبين نفسه من جهة وبين القاعدة من جهة أخري. عاجزا عن فك التناقض في موقفه الذي يجمع فيه بين مكاسب سلطة العالم الثالثي وشرف المعارضة. سهل علي الأنظمة السياسية عزل القاعدة عن متابعة التطورات السياسية والاجتماعية التي تحدث داخل بلدها وخارجه، ولا تشركها في صناعة قرارات تهم قضاياها. لهذا فمفهوم الرأي العام العربي مفهوم خال من المعني. إذ ليس هناك رأي عام عربي.توغل الاستهلاك البصري في المعيش اليومي للمواطن وضاعفت الصورة البصرية في عزل المثقف وإنتاجه عن دائرة اهتمام الناس. فلم يعد الكتاب يثير الفضول وأصبحت الكلمة تعيش حالة يتم مركونة بين دفتي الكتب. إعمال الفكر أضحي تعكير مزاج. وغدت الصورة الجاهزة فتاة إغراء يقبل عليها المثقف والأمي بنفس النهم.عزيزي…وجدتك أمام دين حضارتك غريبا. مضطربا. تتحدث عنه وأنت تجهله جهلا عميقا. بينما تتحدث عن الفكر الأوروبي بشكل أوسع وأعمق. وأنت واع تمام الوعي أن هذا الدين هو الذي حقق تحولا جذريا في تاريخ الحضارة الإنسانية. جهلك بالدين تسبب في قطيعة عميقة مع العوام الشيء الذي كرس عزلتك وأضعف حضورك لدي القاعدة، خصوصا وأنك تحمل نظرة مشوشة وملتبسة محاولا إسقاط ما عرفه الفكر الأوروبي مع الكنيسة والديانة المسيحية دون أن تحاول فهمه فهما عميقا كما أنزل لا كما يؤوله ناسه. أنت حر في أن تكون صاحب دين أم لا. المهم أن اكتشاف الذات يبدأ من إعادة النظر فيما يشكل هذه الذات، بعيدا عن أي تأثير لإيديولوجيات مستوردة غريبة عن هذه الذات وأرضها. فهل وأنت تتبني إيديولوجيات غريبة عنك تعيش انسجاما مع ذاتك؟.. أنا أجيب عنك. لا أظن. تأكد ياعزيزي إذا أنت تعمقت في دين حضارتك بعيدا عن أي تأثير خارجي، وعن التأويلات التي أحيطت به، ربما ستجده قريبا منك أنت المثقف صاحب قيم التسامح والنبل والجمال.عزيزي….حين وقفت مع نفسي أسأل لأحدد علي أي أرض تقف قدماك وما محلك من الإعراب في زمن الرقميات والإلكترونيات، في زمن ابتعد فيه الإنسان عن إنسانيته، وغزته الآلة بشكل بشع وشرس، وجدت أنك لكي تجلو عنك الضباب الذي سببته مستجدات هذا الزمن، عليك أن تكون براغماتيا في وظيفتك. تنصرف إلي الإبداع الصرف. تبتعد عن عالم السياسي المناور. تتابعه بالنقد والسؤال والمراجعة الدائمة لأفعاله. تساهم بأفكارك في تقويم التشوه في المعيش اليومي. تحقق معادلة التقارب ـ التباعد بينك وبين العوام. تبني قيما فردية تضع اعتبارا للآخر حين تتجاوز ذاتك. تخلع ثوب البوهيمي الذي لا يعيش إلا لنفسه فقط. وتلبس ثوب الملتزم مع الذات. مع الآخر. مع قضايا المجتمع والحياة. مع مؤسسات المجتمع. التزام فيه نقد. فيه هدم من أجل البناء وإعادة الخلق.عزيزي…أحتاجك إذن فاعلا في الحياة وليس في حانات المدينة تعاقر الخمر. أحتاجك مخلصا لي وليس زير نساء. صاحب مبدأ ذا نزعة نقدية واحتجاجية. بعيدا عن عالم السياسي والروح الانتهازية للمثقف المخصي. الموظف لدي السلطة. أحتاجك متفردا في أفكارك. في عملك. في سلوكك. في خصوبة فكرك الثاقب. في حرارة أعماقك المبدعة. أحتاجك بقربي لا متربعا علي أريكتك. أشتم أنفاسك. رائحتك. أحتاجك نموذجا لشبابنا تتدفق روحه المبدعة علي أرضهم. يتبني خطاب القرب والاحتواء. يفتح حوارات تناقش مشروعه الفكري. أحتاجك غنيا في الفكر حد الامتلاء. بسيطا ومبدعا في الحياة حد التدفق. مسكونا بألق السؤال حد الانعتاق.أحتاجك عظيما. متواضعا. مختلفا. متحررا فكرا وسلوكا. حاملا للثقافة لا للتفاهة حين يغدو سلوكك في واد وكتبك في واد آخر.أحتاج أن أراك تصلي صلواتك أمام الملأ. أحتاجك في قلب حياتي. مبدعا. فاعلا. معتدا بنفسه لا يقبل المزايدات. يضع الأخلاق في أولي اعتباراته، رداء يتدثر به ليسمو بإنسانيته.معذرة عزيزي المثقف..إذا أنا أعلنت ثورتي. فأنا أريد أن أسمع صوتك ليس فقط علي الورق. أريد أن أسمعه مرعدا. مزبدا. أريد أن أعيش معك حالاتك. ثائرا. فاعلا.. ناقما. ناقدا. صامتا. ثرثارا. حزينا. فرحا. مجنونا. عاقلا. ليس فقط في الحب بل أيضا في الحياة. فهل أعثر في يوم عليك في شارع من شوارع الوطن العربي كما أرغبك وأشتهيك؟…كاتبة من المغرب0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية