يردد الكثيرون أن حرب الإبادة على غزة أسقطت الحضارة الغربية بكل مثالياتها وكشفت عن الوجه الرأسمالي والإمبريالي البشع المختفي خلف أقنعة الحقوق والحريات، إلا أنني شخصياً، وسيكون هذا مقالاً شخصياً؛ ذلك أننا بأنانيتنا البشرية نقيس الأحداث بحسب انعكاساتها علينا وتأثيرها في أرواحنا وكأن كلاً منا مركز للحياة، أشعر أن حرب الإبادة هذه أسقطت الإنسانية بأكملها، أفرغتها من تاريخ معاناة طويل يفترض أنه تتوج بمرحلة حقوقية إنسانية تحمي البشرية من بعضها البعض، تنظمها وتترفع بها عن الوحشية الداروينية التي صنعتها أساساً. بعد غزة، ولربما تأخر منظوري هذا كثيراً، لم أعد أؤمن أن الخير هو الأصل والشر هو الاستثناء، لم أعد أصدق بالفطرة التي تدفعنا لحماية بعضنا وبالتالي حماية نوعنا. نحن في غابة كبيرة كل يدفع فيها عن نفسه، ولا أمان لأحد فيها من الآخرين ولا حتى من نفسه، ولربما اليوم أستشعر هذا الجانب المتوحش في نفسي، الكامن كما الفايروس النائم، أنتبه لهذه الشعلة تتقد داخلي وتدفعني يوماً بعد يوم للراديكالية بكل أنواعها واتجاهاتها. أساند أنظمة ومجموعات ما تخيلت مساندتها، أتنازل عن قيم صارمة في اصطفافي السياسي والأيديولوجي ما تخيلت التساهل حولها، والأسوأ والأكثر رعباً شعوري بأن للعنف حاجة، وأنني لن أتوانى عنه، وقد أقدم عليه بيدي الاثنتين إذا اقترب هذا السعار مني وممن أحب، لأنه وببساطة لن يصد عني مجتمع دولي ولا محكمة دولية ولا قانون إنساني، سأختار العنف لأنه لا خيار لي غير ذلك.
أنظر في صورة لي التقطتها ابنتي قبل ما يقرب من الخمس عشرة سنة، بشعري المعقود فوق رأسي ويديّ المتعلقتين برقبة زوجي، فلا أكاد أتذكرني، لا أكاد أتذكر هذه السيدة نقية السعادة التي لم يمر عليها بعدُ هذا الفقد الذي كاد يسحب روحها من جنبيها، هذه التجربة التي مرت بها صغيرتها فأشعلت حرقة لا تنطفئ في روحها، هذا التوعك الذي ألمّ بوالدها فكاد يزهق قيمة الحياة من وعيها، هذه الصراعات والهزائم في القضايا الإنسانية التي لم تستطع حقيقة تحقيق الكثير فيها. لا أكاد أعرف هذه السيدة الشابة بوجهها الذي لوحته شمس إجازة رائقة على البحر بابتسامة تعبر عن راحة البال، وأين هي راحة البال العزيزة تلك، ترنحت هذه الراحة سنة بعد سنة تحت وطأة تجارب وصراعات ومعارك مع أصدقاء قلبهم الزمن أعداء وفرقتهم الأيام بصمت صارخ حتى ما عادوا يتبادلون السلام، مع أحبة كانوا أقرب من الروح للروح فانقلبوا بكراهية لا معنى لها ولا قيمة، مع صورة علي الصغير متدلياً من مروحة غرفته المتواضعة بعد أن قرر الانتحار حتى يخفف عن والده عبء مصروفه إثر فقر فرضه انعدام جنسية العائلة وغياب هويتها، مع انهزامات الآمال والأحلام في تحقيق تغيير في واقع معجون بشرق أوسطيته، مغلف بالخوف وقلة الحيلة وقصر اليد، مع النزوح السوري بعد الحرب التي شنها النظام على أهل البلد وذكرى أول أيام النزوح في طرابلس لعائلات تشردت، ولأطفال أنذرتنا المجموعة الحقوقية التي كلفتنا برحلة تفقدهم أنهم اليوم أحياء وبعد مرور أول شتاء عليهم في عراء نزوحهم لن يكونوا كذلك، مع مشاهد القتل وأخبار الاغتصاب في السودان، مع أوجاع ومصائب ومصابات العراق منذ أن وطئت أرضه الأقدام الأمريكية «المبروكة حيثما حلت»، ومع الكثير الكثير الذي امتلأت به السنوات منذ زمن تلك الصورة إلى اليوم، وصولاً إلى غزة، غزة التي ملأت في سنتها المنصرمة آلام عمر بأكمله، غزة التي واجهتنا بما يحدث في الداخل الفلسطيني لما يزيد على الخمسة وسبعين عاماً ونحن عن كل هذا الوجع «متغيبون»، غزة التي قلبت موازين الألم فأصبح بجانبها كل وجع تافهاً، وكل مصاب سخيفاً، غزة التي ملأت الروح والسمع والبصر بأجساد صغارها وأنين أمهاتها وصرخات رجالها وما ملأت ضميراً سياسياً وما أملت قراراً إنسانياً أخلاقياً هو من البديهية أن جعلنا كلنا نقف مشلولين بضياع السكرة وحضور الفكرة واكتشاف أننا كلنا غير ذوي قيمة إذا حكمت المصلحة، أننا كلنا قابلون «للاستبدال» إذا فرضت المكاسب السياسية، أننا مثل حبات الذرة اللينة، قابلين للطحن تحت تروس الميكنة العالمية الضخمة لتأمين المصالح وصنع المال.
بكل أنانية أقيس السنوات بعدد أوجاعي، لكن السنة المنصرمة ليست كأي سنة، لا مقياس يحكمها ولا راد من مواجعها، ولن يكون من عاش أيامها وتابع أخبارها كما كان قبلها مطلقاً، لا يمكن أن يعيش أحداثها إنسان فلا يتغير تغييراً جذرياً فيتحول منظوره للدنيا ليراها على حقيقتها، تافهة وعديمة معنى وغير قابلة للإصلاح ما دام البشر يحيون أيامها. لا يمكن أن تخرج من السنة المنصرمة كما كنت قبلها إذا كنت إنساناً، ذلك أن وحدها الأصنام تقف جامدة، عديمة الشعور، ثابتة على موقفها وموقعها رغم الأعاصير التي قد تحوم حولها والدماء التي قد تسيل على جنبيها. إذا كنت بعد 7 أكتوبر 2024 كما أنت قبل 7 أكتوبر 2023، لم تغير طبعاً أو تأخذ موقفاً أو تذرف دمعة، فأنت، حقيقة، صنم.
رحم الله السنوار وأكرم عصاه الطاهرة التي دخلت وإياه الأمثال الشعبية اليوم بمقولة «رماه بعصا السنوار»، دلالة على بذل أقصى الجهد ولآخر لحظة. اللهم اجعلنا ممن لا يسقطون عصا السنوار سوى على رؤوس الأصنام، آمين.
فتحتي جروح شخصية.
شخصيا. نكد داءم متواصل منذ اكثر من سنة ودنيا اسودت
في وجوهنا وانقلب حالنا ومعيشتنا لمن تبقى منا في الداخل ولمن خرج منذ ان غادرت أنا وزوجتي خانيونس بعد الحرب إلى يومنا هذا. حالنا مثل جميع الأهل والجيران والأحباب والمعارف وكل الناس في قطاعنا الحبيب المنكوب.
والدي الحبيب اطال الله عمره نوارة البلد وحبيبها صاحب السيرة البضاء الناصعة العطرة، الذي وبخني عندما قررت الهجرة إلى هذه البلاد. والذي إذا سافر لأكثر من أسبوعين يصبح كالسمكة خارج الماء ويريد ان يرجع إلى الخان إلى بيته العامر بيت البلد، الى مكتبه وعمله، إلى ارضه وملكه، وكان قوله داءما، الحجر مطرحه قنطار ومن خرج من داره بيقل مقداره مع انه معزز مكرم أينما حل.
الوالد قادم الي غدا في بلد الغربة البعيد، بعد اشهر من الإقناع المتواصل.
هذا لم يكن متخيلا باي حال قبل سنة حيث كان في الماضي يرفض مجرد فكرة الزيارة ونضطر نحن ان ننزل بالأولاد عن طريق الانفاق لروءيته والمرحومة الوالدة.
ثمن الحرية غالي جدا وتضحيات لا تقدر بثمن علينا ان ندفعها من اجل الحرية والكرامة والعزة فهذه شماءلنا ولن نندم وسنعيد الكرة مرة اخرى حتى كنس الاحتلال.
نحن شعب خلق للشقاء واذا أتى علي يوم البال فيه مرتاح نسبيا اتعزبل واتوقع الأسواء في اليوم التالي.
منذ الفّي عام ناد المسيح بالمحبة والسلام ولغاية اليوم يبقى النداء صوت بلا صدى …لماذا كل هذه الدراما والاحتجاج …..لا جديد تحت الشمس ……..هذا واقع الجنس البشري كفى عويل وبكاء ….مليون إنسان ماتوا جوعا في حصار لينينغراد الذي دام ٩٠٠ يوم …أولوف ماتوا حرقا من قنابل النابالم في الفيتنام …هيروشيما وطوكيو في اليابان ودرسدن في المانيا ….الفرق الوحيد انه لم يكن هناك إعلام متطور مثل اليوم ينقلنا لنشاهد ما يحصل…..
الصليبية الهمجية منذ 1095م أثبتت أنها لا علاقة لها بالمسيح عليه السلام أو المسيحية. الهمجية المجنونة دم، ونهب، وفوضي، ووحشية يتواضع أمامها وحوش الغابة!