على هامش ما يحدث

أطفال غزّة

دون جدوى
أبحث عن الإله الأعمى الذي لا يميّز جنس اللحم
على مائدة عشائه
عن الأسلافِ المنحدرين من قاتل أخيه
عن القوّادينَ المُحايِدين على أرصفةِ اليمين واليسار
في المدن المتعَبة
وعن مجرمي هذه الحرب السّفهاء
كي أخصّهم بالشكر
على تسليحي بمناعة مقاومة قتلي بالتأثّر
من رؤية أطفالٍ يتكدَّسون كلَّ يوم قتلى
بوجوهٍ مشوَّهةٍ بالدماء ملوَّثةٍ بتراب الأنقاض
بأجسادٍ مسحوقةٍ وناقصةِ الأطراف
بأطرافٍ تبحث عن أجسادٍ كانتْ توهّمت
أن الأسماء المنقوشة عليها تُعَرِّف عنها
أطفالٍ يتكدّسون
على مائدة عشائي
أمام شاشة تلفازٍ لا تكفّ عن التعداد
مَثْنى وثلاثَ ورباعَ وعشراتٍ مئاتٍ
ألفاً خمسةَ آلاف عشرةَ آلاف
بمجازر تطمُر مجازر بزهر النسيان
أطفالٍ يصعدون أفواجاَ
من كلِّ فجّ عميقٍ حفرتْه القذائف
يهطلون من السماء قطعاً
قِطَعاً قِطَعاً قِطَعاً قِطَعاً قِطَعاً قِطَعاً
تزوِّدُني بمناعة قتلي من تأثير
مشاركتهم لي
كأسَ نبيذي
بصحّتهم من خطأ السلامة
بسلامتهم التي لم تعدْ مطروحةً في مزايدات القتل
بشُكرِهم على هذا اللّقاحِ الفعَّال
وتلويثهم لساني بوقاحة السؤال
يا أطفال
إن كنتم
كذلك مثلي تسلّحتم
بقواقع التأثّر من رؤيتكم لي
أتناول عشائي على إيقاع قصف الطائرات
تنثر
أجسادكم
بأسمائكم
على مائدتي

5 نوفمبر 2023

٭ ٭ ٭

قَدَرُ غزَّة

بعد انفجارٍ كوني كبير
أسمع ضجيجه في أوردتي
لا يعرف الإنسان بقدراته المحدودة
المقدَّرَ له دونما حدود
متى وأين
يهزُّ رفيفُ أجنحة الفراشة الريح
ليقلب الطاولةَ على من آمن بمقدِّرات القدير…

بعد انفجار كبير
رَفَع أربعمائة شهيد في مستشفى معمَّد
إلى سماءٍ لا مشهودةٍ
حيث تجُول كائناتٌ غير مرئيّةِ
وتصولُ خارجةً من فوّهات بنادق
مرئيّةً بحدقات لا تُحدِّق فيها
بقدْر ما تُفكِّر بالذي يَخرج منها
لقتلِ من يَكْفرْ
بدينِ الآباء المبَجَّلين
الأوغادِ باختراعهم أسطورة الميعاد…

بعد انفجارٍ كبير
يَحْدثُ كلَّ ثانية هنا وهنا هناك
ولا يهزّ الأرضَ المُقلقَلةَ على قرن ثور الحرب
يَحْدثُ ألا يحدثَ
ما يُعيد التفكير بالمُسَلّمات
عن الحرب وأهوالها المعلومة بسخرية الشعر
ما يعيد تفكير القاتل إلى أن القتلَ له أثمانُه القاتلةُ له
ما يعيد التفكير للقتيل أنه يُنتِج القاتلَ بتبنّي أساطيرِه عنه
في كُتُبه المقدَّسة
ما يعيد التفكير للقاتل والقتيل أنّهما يُغذّيان
حبلَ سُرَّة الوحش الذي يربطُهما
بدماء ما اخترعا من أقدارِ ما سوف يحدُث لهما
في غياهبِ مستقبَليهما المختلفينِ…

بعد انفجار كبير
في قلب مدينةٍ دارت الأرضُ وسلّمتْها
لدوران أقدار وحشيهما العمياء
يَحْدثُ
أن تعيدَ المدينة المنكوبةُ مراراً تلو المِرار
اجترارَ أساطيرها في فم بقرةٍ واقفةٍ
تلوكُ أوراقَ كُتبِ الملتاثين بمقدّسات «الإسرائيليات»
تبناً متناثراً
فوقَ جثثِ أطفالها المنثورة
في عماء الدمار
على رنين ضحكات
سوط مربّي الوحوش
لكنّما…

بعد انفجارٍ كونيٍّ كبير
يَحْدُث مثلما يَحْدث
أن يعيدَ تنازعُ البقاءِ للمدينة المنكوبة التفكيرَ
في تغيير عاداتِ خُضوعها للقتل
أن تعيدَ مقاومةُ الفَناءِ للمدينة المحاصَرة التفكيرَ
في «محاصرة الحصار»
بأنبل ما فيها من أصولٍ لا تبلى على مرّ زمان القتل
أن تُعيدَ معاودةُ الحياةِ للمدينة التوّاقةِ للحياة التفكيرَ
فيما «يستحق الحياة على هذه الأرض»
ويحدُث مثلما يحدث
أن تنهضَ المدينة المحروقةُ من رمادِها
مجرّةً جديدةً
لا تَحدُّ حدودَ جناحِها الأقدار.
بعد انفجارٍ كونيٍّ كبير

1 ديسمبر 2023

٭ ٭ ٭

مَجَرَّة غزَّة

تلكَ الأطلالُ
في ظاهرِ يدِ مُتَناسيها المتعمِّدِ بأغلال الخوف
في هدنةٍ بين حربين
ليستْ بيوتاً معصوفةً برعد الإله الذي
عقصتْ قَدَمَه نملةٌ خافتْ الوعدَ
أن يدهَسَها جنودُه العميان
فيَعْلق لَحْمُها بجنازير دبّاباتِهم
إلى أَبَد الآبدين
تلك ليستْ مشافٍ جريحةً تنزف نداءً
لا يسمعُه غيرُ جُرحها المفتوح
على مقابرِ مرضاها الجماعية
ليستْ مخابزَ لم تَعُدْ
تُرْبتُها المقلوبة بالفوسفور صالحةً
لزرعِ سنبلةٍ
ليستْ شوارعَ تسير جثثاً بين أنقاضها
ليستْ أمواجاً خرساءَ سَحبتْ أقمارُها الصناعية
دماءَ الصوت من شرايينها
تلكَ ليستْ دموعَ المراسل ناقلاً
خبرَ موت العالم
بحفيدته القتيلة بين يديه
تلكَ وتِلكُمُ الأطلالُ وتلكنَّ
ليستْ لغةً عاجزةً عن الكلام
أمام أمهاتٍ وأطفالٍ مقطّعين
بين أيدي مجازاتها المغلَقة المعابر
تلك ليستْ غزّةُ الأطفال الرافعين علامة النصر
فوق الأنقاض
مَنْ تومِضُ لعينيك
اَيها الكشّافُ العابرُ بَوَّابةَ النجوم
بين عالمين مشبوكين بأضداد قرارك التائه
تلك إن نظرتَ في اتجاه مِذْوَد كهف الميلاد
إلى قلب دربِ التبَّانة
حيث تتناثر حبوبُ سنابلَ سبعٍ في جميع احتمالاتها
مجرّةٌ وُلِدَتْ آن موتها للتوّ
مضيئةً بنثار تويجات الحياة
مجرّةٌ تومضُ لمن ضيّعوا دربَ الحليب
بسهم عينِها النافذ عبر القلوب
إلى سرير فردوسهم المفقود
مجرّةٌ ضاحكةٌ باحتمالات حسبانها
جنةً سماويةً لمن استنشقوا ريحَها
في شهادة نثار أجسادهم بدبّابات الغُزاة
جنةً أرضيةً لمن لم يخلطوا بذهب الخوف
اليسارَ باليمين وهم يرتدون
قبَّعةَ أرنستو تشي غيفارا
جنّةً سماوية أرضية لمن رأوا الإله مجسداً في دواخلهم
على نور أقمارها
مَجرَّةٌ راقصةٌ على أصولِ فتيانها الحُمْرِ في قيامة العنقاء
بأرض كنعان
مَجرَّةٌ مُشْرِعةٌ أبوابَها مَعابرَ
من غيرِ شَرْعٍ يقيّد تيهَ كوفيَّتها في الريح
للحالمين السائرين ببندقية عزّ الدين القسّام وقنديل أمّ هاشمٍ
بفتيلِ غسّانِ كنفاني
إلى أبديةِ محمودِ درويش البيضاء
مَجرَّةٌ تلك
هي غَزَّةُ الشقيقةُ المدمَّرة
منقسمةً إلى ذاتِها
حُرَّةً في تشابكِ دوْرَيْها
بالموت والحياة

29 نوفمبر 2023

شاعر سوري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول فصل الخطاب:

    في البدء كانت غزة العزة مقبرة الغزاة على مر العصور والدهور وغدا ستشرق زهور الانتصار على يد أحرار فلسطين الميامين المباركين الشهداء والصديقين الذين سيقتعلون شوك المحتل اللعين ويرمون به بعيدا بعيدا في بحر الظلمات 😫🇵🇸✌️😫✌️😫✌️

اشترك في قائمتنا البريدية