الشخصيات الإبداعية الوطنية دائماً ما تُستدعى ذكراها وذكرياتها في وقت الأزمات والشدائد، وعلي إسماعيل صاحب الرصيد الأوفر من الأغاني الوطنية المُقاتلة وأحد هذه الشخصيات.
إنه الموسيقي الكبير وقائد أوركسترا ثورة 23 يوليو ورفيق درب عبد الحليم حافظ وموزع أغانية الملحمية المهمة، فضلاً عن أنه مُلحن النشيد الوطني الفلسطيني «فدائي» وهي الأغنية ذاتها التي كتبتها زوجته نبيلة قنديل وغناها العندليب الأسمر لتظل أيقونة الغناء الوطني في مشوار الكفاح والعطاء لأصحاب الرسالة الوطنية حليم وإسماعيل وبقية الرفاق المُخلصين المُنتمين للتيار العروبي في الوطن الكبير. لقد بدأ الموسيقار الراحل علي إسماعيل مشواره الفني القصير من معهد الموسيقى العربية الذي درس فيه وتعلم منه أسس القواعد الموسيقية والتلحين وتخصص في التوزيع والتأليف الموسيقي فصار الأشهر بين أشقائه الفنانين، أنور إسماعيل وجمال إسماعيل وفائق إسماعيل فقد احترفوا جميعاً فن التمثيل إلا هو، حيث ارتبط بالموسيقى والألحان وشق طريقه بين العمالقة الكبار فانضم إلى فرقة محمد الوهاب الموسيقية ولفتت موهبته الفذة نظر موسيقار الأجيال فعهد إليه ببعض المهام الموسيقية الكبرى ما أثقل موهبته ودفع به إلى الصفوف الأولى ليُصبح من أهم المُلحنين والموسيقيين الكبار.
ولأنه تأثر بثقافة والده إسماعيل خليفة الذي كان يعمل قائداً لفرقة الموسيقى الملكية إبان فترة الحُكم الملكي فقد اعتنى بشكل خاص بدراسة الآلات النحاسية ومعرفة أسرارها وإمكانياتها الموسيقية واستخداماتها المهمة في صناعة الألحان الوطنية الحماسية، وربما ساعده ذلك في التصوير الموسيقي للأفلام باعتباره أبرز المُتخصصين في هذا المجال النوعي الفريد.
ولارتباط علي إسماعيل الشديد بالموسيقى التصويرية بلغت حصيلة الأفلام التي وضع موسيقاها نحو 350 فيلماً من أشهرها فيلم «الأرض» وفيلم «العصفور» وفيلم «الاختيار» و«بين القصرين» و«الأيدي الناعمة» و«السفيرة عزيزة» و«مراتي مدير عام» وغيرها الكثير، بالإضافة إلى إسهاماته اللحنية البارزة لفرقة الفنون الشعبية مع فريدة فهمي وعلي ومحمود رضا.
كذلك أسس الموسيقار الراحل الكبير الذي وافته المنية في الخمسينات من عمره فرقة الثلاثي المرح الموسيقية وفرقة ثلاثي النغم وهما فرقتان كان لهما تأثير بالغ في شكل ومضمون الأغنية المصرية الخفيفة والهادفة فمن خلالهما تم اكتشاف بعض الأصوات الغنائية ذات الطابع الشعبي الخاص.
اهتم علي إسماعيل أيضاً بالأغنية الوطنية اهتماماً ملحوظًاً فأبدع فيها وأكسبها روح القتال والمقاومة، كأغنية «فدائي» كما أسلفنا والتي اختارها لتكون الأليق بالنشيد الوطني الفلسطيني بوصفها الأقدر على تحفيز المقاومين والفدائيين على الجهاد والحرب والانتصار. كما لحن إسماعيل نشيد «دع سمائي» ليكون باكورة الإبداع الغنائي الوطني في فترة العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ومنذ ذلك الحين ارتبط اسم علي إسماعيل بالملاحم والأغاني الوطنية والثورية، ولوجود عبد الحليم حافظ على الساحة الفنية وبروزه كنجم في تلك الفترة تشارك الاثنان في تقديم أهم الروائع الغنائية فكانت أغنياتهما المؤثرة «المسؤولية» و«مطالب شعب» و«صورة» و«بالأحضان» و«بستان الاشتراكية» نماذج قوية ودالة على عمق الإحساس الوطني لدى كل منهما.
وفي حرب أكتوبر 73 قدم المُلحن والموزع الكبير عدة أغنيات كانت بمثابة مشاريع وطنية عملاقة وحدت الجماهير العربية وقويت بفضلها الجبهة المصرية الداخلية، حيث غنت من ألحانه المطربة فايدة كامل نشيد «رايات النصر» كما أدت مجموعة الكورال الغنائي بعض الأناشيد الحماسية الأخرى التي قام بتلحينها وتوزيعها.
ولا يُمكن نسيان الأغنية الأشهر «أم البطل» للمطربة شريفة فاضل والتي كتبتها زوجته الشاعرة الغنائية نبيلة قنديل وقام هو بتلحينها وتوزيعها فأحدث ضجة كُبرى واسعة الصدى لتطابق كلمات الأغنية ولحنها مع الظروف الواقعية لاستشهاد ابن شريفة فاضل التي أدت أداءً غنائياً صادقاً للغاية واستحقت بفضل هذه الأغنية لقب أم البطل الذي منحه الجمهور المصري والعربي لها بكل قناعة إيماناً منه بعظمة ما قدمته في سبيل الوطن، حيث لا يوجد أغلى من الابن فداءً وتضحية.
حصل الموسيقار علي إسماعيل الذي ولد في الثامن والعشرين من كانون الأول/ديسمبر عام 1922 وتوفي في السادس عشر من حزيران/يونيو عام 1974 على العديد من الأوسمة وشهادات التقدير من مصر والعالم العربي كان أبرزها جائزة الملك حُسين ملك المملكة الأردنية الهاشمية تقديراً لفنه المتميز وإبداعه الموسيقي الراقي وبهذا اخُتتمت مسيرته الفنية الإبداعية المهمة التي تجاوز عطائه خلالها سنوات عمره القصير.