كنت دائما قريبا كأستاذ جامعي وباحث، من مهنة الصحافة والصحافيين في الجزائر. وهو ما يسمح لي بالكتابة اليوم عن الأزمة المهنية والأخلاقية التي يعيشها رجال الإعلام ونسائه، ليس كأفراد فقط، بل كمؤسسات وفئة مهنية عرفت توسعا كبيرا في السنوات الأخيرة، أفرادا ومؤسسات.
مهنة تعيش أزمة أخلاقية فعلية في علاقاتها مع مجتمعها، كشفها للعلن بشكل واضح الحراك الشعبي الذي تعيشه الجزائر منذ أكثر من سبعة أشهر، لم يعد في مقدور أبناء وبنات هذه المهنة السكوت عليها، أو التعامل معها وكأنها وضع عادي. بعد أن عرّا الحراك عورات هذه المهنة، التي فقدت في الغالب الأعم، وباستثناءات قليلة، أدنى معايير التعامل المهني، في تغطيتها للأحداث المصيرية التي يعيشها البلد كمرحلة فارقة في حياة هذا الشعب، الذي لم يكن يجهل قبل هذا التاريخ ما كان يعيشه الإعلام من سلوكيات غير مهنية، تعبر عن نفسها أكثر في أوقات الأزمات، بما فيها الانتخابات على قلة تنافسيتها المعروفة.
وضع تعامل معه الجزائري بالإهمال التام لهذا الإعلام الموجه، تارة بالبحث عن البدائل خارج الحدود والتنويع في المصادر، وتارة باللجوء إلى الوسائط الاجتماعية كحل مثالي نزل من السماء. تعامل الجزائر مع الإعلام بأكثر من لغة، العربية زيادة على الفرنسية وحتى الإنكليزية جزئيا، خفف الضغط على الفئات المتعلمة، عكس الفئات الشعبية التي تحولت إلى ضحية يومية لهذا الإعلام الذي انتقل إلى مرحلة الدروشة والكذب العلني في السنوات الأخيرة. خلفيات كثيرة يمكن أن نعود اليها لتفسير هذه الحالة المتدنية التي وصلها الإعلام الجزائري، وهو يتحول إلى خطر فعلي على البلد وتجانسه الاجتماعي والثقافي، الذي حاول اكثر من مرة الإخلال به. في مجتمع ارتفع مستوى تعليم أفراده وانفتح أكثر على العالم، ما ساعده على الإفلات من هذه الكمائن المنصوبة له، خاصة بعد أن توسعت الساحة الإعلامية الوطنية إلى المجال السمعي البصري، بالشكل المشوه الذي ظهرت به، بمناسبة محطة الربيع العربي، التي فرضت على الرئيس المخلوع السماح بقنوات تلفزيونية خاصة، زادت، في الغالب، في تشويه الساحة الإعلامية بشكل لافت، ولم تنتج حتى الان تجربة مهنية واحدة ناجحة بمقاييس مقبولة، بعد التحرش السياسي الرسمي بأكثر من مشروع إعلامي أُغلق كان يمكن أن يتطور إلى الأحسن.
نظام سياسي ما زال مقتنعا بأن شرعيته مستمدة من نشرة الثامنة للتلفزيون العمومي، وليس من صناديق الاقتراع
أسباب موضوعية كثيرة وذاتية يمكن أن تفسر هذه الصورة القاتمة التي ظهرت بها التجربة الإعلامية، وهي تتعرى بشكل علني بمناسبة هذه الثورة السلمية التي يقوم بها الشعب الجزائري، فهناك من الأسباب ما هو متعلق بالأفراد في حد ذاتهم كمحتوى ومسار تعليمي وخلفية ثقافية، وحتى أصول اجتماعية وجغرافية، يغلب عليها الطابع الريفي والشعبي. يمكن أن تكون عوامل تفسير للاختلافات الملاحظة بين الإعلامي المفرنس، وزميله المعرب، الذي عادة ما يكون أقرب كقاعدة عامة للقبول بأوضاعه المهنية والسياسية السيئة. وهو يدافع بشراسة عن أغلاله، في حالة مرضية غريبة. مستوى من التحليل يمكن اختصاره في هذه الصورة، الصحافة هي المهنة الوحيدة التي يمكن أن يمتهنها في الجزائر من لم يكمل المرحلة الثانوية من التعليم وحتى المتوسطة، في مجتمع أصبح فيه من العادي أن يكون الطبيب والمهندس وصاحب الشهادة العليا في وضعية بطالة. مهنة الدخول إليها يتم بيسر غريب، كما هو حال الكثير من المهن «العالمة» في الجزائر، التي عرفت تعليما قام بتوزيع شهادات على من يستحق ولا يستحق. داخل منظومة جامعية يغلب عليها منطق الكم، خرجت صحافيين بعشرات الآلاف، في وقت قياسي، ليجدوا أنفسهم في مؤسسات لا تساعدهم فقط على تطوير ما يملكون من معارف على بساطتها، بل تقوم بتشويهها. لنكون أمام بُعد مؤسساتي لا يمكن فهم آليات عمله وأهدافه وطرق تعامله الا بربطه بالإطار السياسي الأعم، الذي كان الرئيس فيه يقول بكل وقاحة، إنه رئيس التحرير الفعلي… لوكالة الأنباء، بعد أن رفض منذ البداية منح إمكانيات فعلية لمشاريع القنوات التلفزيونية الخاصة، وأبقاها عن قصد في وضع قانوني ومؤسساتي هش، لتكون تحت سيطرة نزواته السياسية وغير السياسية.
نظام سياسي ما زال مقتنعا بأن شرعيته مستمدة من نشرة الثامنة للتلفزيون العمومي، وليس من صناديق الاقتراع، حوّل الإعلامي إلى بوق دعائي أقرب للمنطق السائد في كوريا الشمالية، وبعض الدول النادرة التي ما زالت تسير على نهج قمع الحريات. نظام اعتمد على ريع الإشهار العمومي والخاص لاحقا، الذي حوله إلى سلاح فتاك باستطاعته أن يغير المواقف ويهين أخلاقيات المهنة بكل سهولة، سواء تعلق الأمر بالتلفزيون الخاص، أو اليومية التي تدعي الاستقلالية، إلا من رحم ربي، وبصعوبة كبيرة لم يقدر على مقاومتها إلا القليل النادر، رغم بقائه تحت التهديد اليومي والمساومات من كل نوع، بعد أن انتكست تجربة الإعلام المكتوب مع الوقت، كقاعدة عامة عرفتها الجزائر، بعد الانفتاح الديمقراطي في بداية التسعينيات.
مهنة الإعلام التي فشلت حتى الان في تنظيم نفسها نقابيا، رغم العديد من المحاولات، ليس من الصعب تفسيرها، اذا عدنا إلى التجربة الدولية للحركة النقابية، بما فيها الإعلامية، التي تخبرنا أنه، ولكي تنجح في تنظيم نفسك مهنيا لتدافع عن شروط عملك، وقيم مهنتك، بما فيها طريق الانضمام لها، لا بد أن تملك تقييما إيجابيا عن مهنتك، هذه التي ترتبط بها كخيار شخصي ومسار مهني وقناعة تدافع عنه في السراء والضراء. كما هو حال الجزائريين هذه الشهور وهم يعيشون يوميات ثورتهم السلمية التي جعلتهم يكتشفون فيها، أنه لا يمكنهم أن يعولوا على صحافيين للدفاع عنهم وعن مطالبهم الوطنية، هم الذين لا يحصلون على أجورهم الشهرية بانتظام، يشتغلون في اكثر من مؤسسة بأسماء مستعارة لسد رمق عائلاتهم، يعيشون تحت طائلة التهديد بالطرد لأتفه الأسباب، من قبل مدير أو مالك مؤسسة أصبحوا يعرفون بالتجربة أنه عندما يتصبب عرقا وهو يتحدث بالتليفون فالامر يتعلق بمكالمة مع ضابط المخابرات المكلف بالإعلام، في إحدى الثكنات، الذي تحول إلى رئيس التحرير الفعلي في المؤسسة العامة والخاصة التي يشتغلون فيها.
كاتب جزائري
الوضع يا زميلي العزيز لا يختلف عند الأستاذ بلحة. الفارق بين الجزائر ومصر، أنهم في مصر منظمون في نقابتين إحداهما عريقة والأخرى وليدة،ولكن قادة النقابتين يأتمرون بأمر البيادة- تسمونها عندكم البسطار – فيحرفون الكلم عن مواضعه ويكذبون كما يتنفسون،ولكنهم لا يعرقون،لأن جلدهم سميك، وتعودوا على أوامر النقيب أشرف،والعقيد أسامة!
الجزائر ليست مصر يا أخي لا داعي للمبالغة ، يكفي أن تتابع البلاتوهات والنقاشات حول الساسة والسياسة في كلتى البلدين لتلحظ جليا الفرق ومساحة الحرية المتاحة وأن لا أحد يستثنى من النقد في الجزائر ؟ نصف الكأس الفارغ مقتصر على البعض أو القلة في الجزائر والله المستعان..
ليست مبالغة يا أخي. فقد كان عندنا يا أخي الجزائري العزيز في الفترة من 2011-2013 حرية بلا حدود
تناولت رئيس الجمهورية نفسه بما لا يليق، ولكن العساكر الخونة حين سرقوا الثورة، واعتقلوا الرئيس
ثم قتلوه، وقتلوا آلاف من الأبرياء، وحشروا عشرات الآلاف في السجون، وطاردوا مئات الآلاف في الداخل
والخارج، فرضوا كلامهم وحدهم على الناس، وأسكتوا كل صوت حر بالاعتقال أو التصفية ، وأظن أن
العسكري الحاكم عندكم يراوغ حتى يتمكن- وأسأل الله ألا يمكنه- ويعيد القمع مرة أخرى وتكميم الأفواه
ثانية، ألم يكن من قادة القتل في العشرية (البيضاء)؟قلبي معكم والله يرعاكم! ويسقط حكم العسكر القتلة!
لن يستطيع احد الوقوف امام الديمقراطية الحقيقية وامام الانتخابات وامام الصندوق
لا زوافي ولا مثقفي الشكارة ولا بائعي الضمائر للشيطان
ديمقراطية الصندوق من الامام والجيش المخلص من الخلف والشعب البطل حو حامي الانتخابات
تدخل الجيش هو كارثة على الديمقراطية وشفافية الانتخابات….جيشك ادخله الى الثكنة أو أنزله على الحدود..ويترك السياسة للمدنيين….لا أمان في العسكر العربي خاصة…
عفوا يا دكتور لبوز ،أنت تقول بأن لا أحد يقف أمام الديمقراطية الحقيقية و أمام الإنتخابات ، راك غير تلبز يا لبوز . لا توجد ديمقراطية حقيقية
وإن وجدت الإنتخابات. وأنا جزائري لا زوافي و لا كاشرجي ولا شكاجرجي. قل الحق إن كنت من أهله.
الحل في الحرية و الديموقراطية و اللامركزية فسيتبعها حتما تقليص دور الحكومة الى الخدمات فقط و اهمها التعليم و الصحة و امن المجتمع و ليس امن النظام و سيقيد انفاق الحكومة على الدعاية لنفسها بل يمنعها من ذلك الا في اعلام الناس بما هو ضروي
اكتب اليكم من عمق منطقة القبائل
الانتخاب يوم 12 ديسمبر حق لكل جزائري
الانتخاب يوم 12 ديسمبر واجب على كل جزائري
الاحتكام للصندوق يوم 12 ديسمبر سيصنع الجمهورية الجزائرية, جمهورية العدالة والحق والقانون
المشكلة هي الصندوق .. هناك صندوق كنز .. و هناك صندوق الباندورا ..
.
صندوق الباندورا .. Pandora’s box .. احب من احب .. و كره من كره ..
الصندوق !
ما بال هؤلاء القوم ما زالوا يصدقون هذا الهراء ؟
الصندوق هو من جلب النكبات الواحدة تلو الاخري علي هذا البلد ؟
من يدعون الي الصندوق اليوم يتقنون لعبته جيدا لذا فهم يدعون اليها بشدة ولأنهم يعلمون انه هو المخرج الوحيد الذي تبقَي لهم ؟
نحن لسنا أغبياء نلدغ من نفس الجحر مرتين ؟ كما ان هذا لا يعني اننا زواف أو إنفصالين او اننا لسنا وطنيين ؟
انا لا أؤمن بالانتخابات ولم انتخب يوما علي الرئيس المخلوع لانه لو كانت الانتخابات تغير شيئا في أوطاننا العربية لمنعوها وهم لم يفعلوا ذلك ” حشومة امام العالم وفقط ” و الكل يعلم كيف منعوا الانتخابات وانقلبوا علي الصندوق الذي جاءهم بما لا تهوي أنفسهم ولا داعي لسرد الوقائع …..
الذين ينادون بالديمقراطية الحقيقية رغم تحفظنا حول مدي وجودها اليوم في دول العالم ؟لا يعلمون ان الانتخابات هي اخر لبنة في إرساء نظام ديمقراطي و ليست اوله كما ان الذهاب الي الانتخابات لا ياتي باوامر كما انه لا يجب علي العسكري ان يٌملي ما علي السياسي ان يفعله ؟؟ فكيف يمكن يا تري المضي قٌدما نحو انتخابات هذه مقدماتها ؟؟؟
تلك مأساة الإعلام في بلدان العالم العربي لا فرق في ذلك بين الإعلام الرسمي وغير الرسمي في غياب الديموقراطية والحريات العامة وفي غياب مواقيث الشرف والأخلاق والالتزام والموضوعية والنزاهة التي تؤطر مهنة الصحافة والإعلام على قاعدة الخبر مقدس والتعليق حر. المأساة تتجلى في أن الإعلام بوق للحاكمين وخادم للوبيات الاقتصاد والسياسة و مروج للتفاهات على مستوى التربية والفن و المعرفة مع نشر الرداءة بكل أوجهها وتجلياتها عوض أن يكون فاعلا أساسيا في مجال الإخبار والتربية والتثقيف و تهذيب الأذواق والتنوير.
شكرا استاذ ثم شكر على هذا المقال القيم/ توصيف في الصميم يا استاذ الا انه اريد ان اشير الي نقطة يبدوا لي فيها من الحكم الغير عادل بعض الشئ و هو كون الصحفي المعرب يدافع عن عبوديته عكس ما نجده عند المفرنس فالمسألة هي ابعد من هذا و تكمن في ثقافة الحرية عند الاشخاص و النضال سواء كانوا معربين او مفرنسين و ان كان في الواقع تميل كفة الحرية بنسب ما عند الذي ينهل من الادبيات الغربية (الفرنسية),اما الحر و الموضوعي و المناضل في تقديري هو الذي يكون بين بين (يتواجد في اللغتين) كحالك انت يا استاذ.
رد الى صديقي نسيم حريدي:
لو كلفت نفسك التعمق في المقال لاكتشفت غير الذي فهمت
وانا اقدم لك شهادتي لله : اسكن واعمل في منطقة القبائل, ولكن هؤلاء الذين يتقعرون باللغة الفرنسية والثقافة الغربية لا يملكون ادنى ذرة من التسامح وقبول الاخر, لقد اشتغلت معهم وعانيت, يعتقدون انهم شعب الله المختار , جعلوا اللغة وسيلة للتمايز وحق لاقتسام الريع واحتقار الاخر, ولما يتأكدوا من ان المعربين بدأوا يعون اللعبة الخبيثة وبدأوا يتحكمون في الساحة, حينذاك يشنون عليهم الحرب الشعواء.
يا صديقي نسيم, مقال الاستاذ له وجهين, ولا تكتشف الوجه الثاني حتى تعرف جذور وانتماء صاحبه وميوله