يعطي المجتمع أهمية كبيرة للفلاسفة والعلماء والمثقفين، ويضعهم في مرتبة خاصة، تكاد أن تصل إلى مرتبة الأنبياء. ويحترم الناس ما يقوله هؤلاء العلماء والمثقفين وكأنهم لا يتفوهون سوى بالحقائق. ويستمر ذكر مقولاتهم لقرون عدة، حتى إن مقولات لا علاقة بهم تختلق، وتنسب لهم لإعطائها أهمية كبيرة. ويشمل هذا كذلك كبار الكتاب في الصحف والخبراء الذين يظهرون على شاشة التلفزيون، وهم يعبرون عن آرائهم التي يأخذها أغلب الناس مأخذ الجد ويشكلون أفكارهم على أساسها.
ويفترض المواطن دائما أن الفيلسوف أو العالم لا هدف له سوى خدمة المجتمع، حتى إن البعض يتكلم عن مسؤولية المثقفين والعلماء تجاه المجتمع وكأن هؤلاء قديسون منزهون. ولكن الواقع يختلف عن هذه النظرة المثالية، فليس الفلاسفة والخبراء والعلماء فوق البشر، بل هم أشخاص عاديون ومعرضون لمختلف الضغوط التي تجعلهم لا يقولون كل الحقائق، أو ذكر معلومات خاطئة بشكل مقصود خوفا من العقاب، أو طمعا بمال أو منصب، خدمة لحكوماتهم. وليس كبار الفلاسفة استثناء من هذه القاعدة، إذ قام بعض أشهر الفلاسفة والعلماء بتحريف أفكارهم ومبادئهم خدمة لمصالحهم الشخصية مثل كارل ماركس وإسحق نيوتن وفيكتور هوغو وغيرهم. ونحاول هنا إلقاء الضوء على أحد أكبر هؤلاء الفلاسفة، هو الفيلسوف العربي ابن خلدون، الذي كان أبرز فلاسفة العصور الوسطى قاطبة ويعتبر مؤسس علوم الاقتصاد والاجتماع والاقتصاد السياسي والعلوم السياسية، حتى إن الرئيس الأمريكي رونالد ريغان ذكره في خطاب له عام 1981 كأحد المراجع لسياسته الاقتصادية. ومن المستحيل إعطاء هذا العالم الكبير حقه في مقال واحد، ولكن نقاشا حادا تداول بين الباحثين حول ملاحظات غريبة ذكرها في كتابه الشهير المعروف باسم «مقدمة ابن خلدون» الذي أنهى كتابته عام 1377. ويعتبر هذا الكتاب أشهر كتبه ومرجعا لتاريخ العرب والبربر. وقد يكون الكتاب الوحيد في العالم الذي تم تأليفه في القرن الرابع عشر، وما يزال ينشر ويباع في الوقت الحاضر. وتتركز هذه الملاحظات على انتقاد ابن خلدون الحاد للعرب، وكان انتقاه عدائيا وقاسيا ومثيرا للتساؤل.
وصف «ابن خلدون» العرب بمختلف الصفات السيئة. ولناخذ بعضها على سبيل المثال، «العرب إذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب» و»فهم متنافسون في الرئاسة، وقلّ أن يسلِّم أحد منهم الأمر لغيره» و»إن العرب لا يتغلبون إلا على البسائط» و»إن العرب لا يحصل لهم الملك إلا بصيغة دينية من نبوة أو ولاية». ومن الواضح أن ابن خلدون قد ألصق بالعرب كل صفة سيئة من الممكن أن يتخيلها في البشر. تساءل المؤرخون عن سبب هذه الاتهامات الغريبة الآتية من أشهر فلاسفة عصره، وكان استنتاج البعض أن العالم الكبير كان غاضبا من أعمال قبيلة «بنو هلال» في شمال افريقيا. وبرر آخرون أن ابن خلدون لم يكن يقصد العرب، بل البدو العرب. وعلل البعض هذا الاتجاه من قبل الفيلسوف أن أصوله كانت بربرية، وقال آخرون أنه كان إسباني الأصل، وكره العرب لسيطرتهم على البلاد.
إذا كانت قبيلة «بنوهلال» سبب الهجوم القاسي لابن خلدون، فبالتأكيد أنه كان يعلم جيدا أن كل ما قامت به تلك القبيلة كان بتوجيه من الخليفة الفاطمي عام 1049 حيث كلفهم بحماية الحدود وجباية الضرائب، وقاموا بذلك بكفاءة عالية، وقد عملت هذه القبيلة لصالح الحكام البربر كذلك، وبالكفاءة نفسها. ويعني ذلك أن حادثة «بنوهلال» سبقت عهد ابن خلدون بثلاثمئة عام، ومن المستحيل أن تجعله حادثة واحدة وقديمة لقبيلة منفردة، يعمم في حقده ضد العرب جميعا، فقد كان رجلا ناضجا وفيلسوفا، وإذا كان قد خلط بين عرب المدن والعرب البدو، فإن عالما كبيرا مثله كان قادرا بسهولة على التمييز بين الفئتين وتحديد هدفه في هذه الاتهامات، بشكل يزيل أي شك لدى قرائه. أما بالنسبة لأصول بربرية أو إسبانية مزعومة، فهذا يتناقض تماما مع ما كتبه ابن خلدون نفسه عن أصوله العربية، إذ ذكر أن عائلته تنحدر من منطقة حضرموت في جنوب الجزيرة العربية، وأنها انتقلت إلى الأندلس في القرن الثامن، حيث تولى أفرادها مناصب مهمة هناك، وبعد ذلك انتقلت إلى تونس وعملوا هناك ككبار الموظفين، أي أن العائلة كانت دائما من الطبقة العليا في المجتمع. وأضاف ابن خلدون كذلك، أن جده الأكبر كان حجر بن عدي الكندي، الذي كان من المقربين من الرسول.
من الخطا الاستغراب من موقف ابن خلدون، فالتاريخ مليء بالأمثلة التي تبين مصير الفيلسوف الذي يخالف السلطة في آرائه، ولعل سقراط كان الأشهر، حيث تم إعدامه عن طريق إجباره على تجرع السم عندما بات واضحا أن معتقداته ناقضت ما اعتقدته الطبقة الحاكمة في مدينة أثينا الإغريقية.
يتطلب حل هذا اللغز دراسة مستفيضة لسيرة حياة ابن خلدون، ويعطي هذا تعليلا مختلفا عما ذكر أعلاه، إذ قضى حياته في الطبقة العليا في الأندلس وتونس ومصر، وكانت عائلته مرموقة أصلا قبل مولده. وقام بالعمل كدبلوماسي ورئيس وزراء ومستشار لبعض أشهر حكام شمال افريقيا، الذين كانوا جميعا من غير العرب، وعرف أيضا بعلاقته القوية بالقبائل البربرية، ما جعله أكثر تقربا للحكام البربر في شمال افريقيا. ومن الجدير بالذكر أنه اشترك في بداية حياته المهنية في مؤامرات ضد الحكام، وكان مصيره في إحدى المرات السجن، وكان ذلك درسا قاسيا بالنسبة له، وقد شوه ذلك سمعته بعض الشيء، ما جعله يقضي بقية حياته وهو يحاول جاهدا محو تلك الشائبة.
إذا تفحص المرء الفترة التي قضاها ابن خلدون في تأليف كتابه الشهير، فسنجد أنه كان مقيما لثلاث سنوات على الأقل في حماية إحدى القبائل البربرية، ثم انتقل إلى تونس، التي كانت قد سقطت على يد السلطان أبو العباس الذي كان ينتمي إلى سلالة الزيانيون البربرية. وقام أبو العباس بتوظيف الفيلسوف الكبير الذي كان في طريقه إلى إكمال كتابه الشهير. ولكن التوتر سرعان ما ظهر بين الرجلين، إذ أخذ أبو العباس يشك بولاء ابن خلدون له. وكان من الضروري بالنسبة لابن خلدون أن يعيد المياه إلى مجاريها. ولذلك أهدى الفيلسوف الكبير نسخة من الكتاب نالت إعجاب السلطان أبو العباس وانتهى بذلك سوء التفاهم بينهما. واستغل ابن خلدون هذه الفرصة بالطلب من السلطان الإذن بالذهاب إلى مكة للحج، وحصل على الإذن بسهولة. لم يذهب ابن خلدون إلى مكة، بل أبحر إلى الإسكندرية واستقر في مصر التي كان حكامها من الشركس وعمل هناك قاضيا للمذهب المالكي. ومع ذلك احتفظ بصلاته القوية بالجهات البربرية في تونس ومناطق أخرى.
يقود كل هذا المرء إلى استنتاج واحد، ألا وهو أن ابن خلدون كان يستخدم كل الأساليب لكسب دعم وود الحكام والقبائل من البربر له. وأفضل طريقة لذلك كانت انتقاد العرب بشتى الطرق، وإعطاء هؤلاء الحكام الشعور بأنهم أفضل من منافسيهم، وأحق منهم في الحكم من الناحية الحضارية، لاسيما أبو العباس الذي كانت شكوكه تثير قلق ابن خلدون وقد تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه.
مما يعزز هذا الظن ما كتبه “أبن خلدون” عن القائد “طارق بن زياد” و أصوله البربرية المزعومة، فلم يعرف الفيلسوف القائد الشهير و لم يعرف أحدا قد التقى به لسبب بسيط، أذ كانت هنالك حوالي سبعمئة سنة بينهما، فقد قاد “طارق بن زياد” حملته الشهيرة ألى جنوب أسبانيا عام 711 ميلادية بينما توفي “أبن خلدون” عام 1406. و أذا تتبعنا سيرة “طارق بن زياد” سنجد أن جميع المؤشرات تشير الى كونه عربيا. و بداية أن العرب المسلمين سيطروا على المنطقة المغربية التي يفترض أن “طارق بن زياد” كان منها حوالي عام 700 ميلادية. و أذا أفترضنا أن “طارق بن زياد” كان بربريا، فلابد أنه أعتنق الأسلام في تلك الفترة، و غير أسمه ليصبح “طارق”. و لكنه في هذه الحالة غير أسم والده كذلك. و أذا كان “طارق بن زياد” قد قاد الجيش الأموي الذي تكون من عرب و بربر، و اجتاز جبل طارق عام 711 ليدخل جنوب أسبانبا و ألقى خطابا شهيرا على جنوده، فهذا يعني أن هذا القائد أستطاع تعلم العربية بطلاقة غريبة و وصل ألى مرتبة القائد في الجيش الأموي خلال سنوات قليلة مما يثير الدهشة. و لكن هذا غير ممكن لاسيما أنه من المعروف أن جميع قادة الجيش الأموي في الأندلس عند أنهيار الدولة الأموية عام 750 كانوا من العرب، أي أن البربر لم يكونوا قد وصلوا الى مستوى القيادة بعد. فكيف أستطاع “طارق بن زياد” تربع منصب القيادة بهذه السرعة الغريبة عام 711؟ أن الأستنتاج االمنطقي الوحيد هو أن القائد الشهير كان عربيا و انضم الى الجيش الأموي منذ فترة طويلة. و كل هذا يدل مرة أخرى أن “أبن خلدون” كان يحاول أرضاء دعم الحكام البربر على حساب الحقيقة التاريخية.
من الخطا الاستغراب من موقف ابن خلدون، فالتاريخ مليء بالأمثلة التي تبين مصير الفيلسوف الذي يخالف السلطة في آرائه، ولعل سقراط كان الأشهر، حيث تم إعدامه عن طريق إجباره على تجرع السم عندما بات واضحا أن معتقداته ناقضت ما اعتقدته الطبقة الحاكمة في مدينة أثينا الإغريقية.
كاتب من العراق
النسخة الأصلية لكتاب ابن خلدون تم تحريفها وهذه النسخة موجودة حيث أنه كان يستعمل لفظ أعراب عوض عرب،وحتى بعض السباق تجده يثبت ذلك
صراحة ابن خلدون كان صريح في حياته..وكتابته وافكاره كانت كلها من ارض الواقع…
لا نغطي الشمس بالغربال كما يقال…الحكام العرب ادا اعتلوا اي منصب فحتما سيتركون من وراهم وراهم فسادا لايطاق….الدليل اليوم كل الدول العربية في فوضى عارمة وهدا راجع الى حكامهم…
مقال أكثر من رائع
أما أنا فأعتقد أن هناك تحاملا على ابن خلدون رحمه الله وعلى البربر بصفة عامة
في المقابل أكاد أجزم يقينا أنه وقع تحريف كتابات الشيخ الجليل ومقولاته وإسناد الكثير من الإفتراءات إليه بغير حق
والله المستعان
وضع العرب الآن … يدعم رأي ابن خلدون …
كل القادة العرب ، معرّفين بانسابهم وقبائلهم وبشكل له اولوية ، فلان ابن فلان من منطقة كذا وقبيلة كذا !
ولماذا الاستغراب من قائد شجاع تميز في منطقته وبين قومه ( الامازيغ ، شمال افريقيا ) ،
الشجعان والقادة على مر السنين ، متواجدين في كل بقاع الارض ، لم يقتصروا على الجزيرة العربية او بلاد فارس او الاكراد او العثمانيين !
والدليل ؛
ازدهار واندحار اغلب الامم بسبب شجاعة أو فشل وضعف قادتها ،
المؤرخون اللذين تناولوا تلك الحقبة لم يشيروا الا كون طارق بن زياد ، امازيغي الاصل
لم يكن حُجْر بن عدي رضي الله عنه صحابيا فكيف يكون مقربا من الرسول صلى الله عليه وسلم؟ الأصح القول بأنه كان مقربا من علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وواحداً من كبار مناصريه في صفين.
العصور الذهبية للحضارة العربية: الامويين في الاندلس والعباسيين في بغداد والفاطميين في القاهرة
العصور الذهبية للإسلام تختلف: الخلافة العباسية ايام البويهيين؛ ايران ايام السلاجقة والهند ايام المغول
كتاب “اكبرنامة” تحفة ادبية ومعرفية وتاريخ؛ ترجم للانجليزية – عن الفارسية – مطلع القرن الماضي/ ترجمة موسوعية ممتازة فثلثي الكتاب هوامش وشروحات؛ وبمناسبة تحطيم الملكة “اليزابيث” رقم اكبر في الجلوس على العرش وما تشهده الهند هذه الايام من صراعات وجدالات دينية ؛ اصدرت هارفارد ترجمة علمية له منذ عامين
واجه الوزير ابو الفضل (معضلة النسب) في كتابة التاريخ الاسلامي ؛ فعاد بنسب اكبر لآدم
طارق بن زياد (عربي) ورفعت الاقلام وجفت الصحف و(غير مهم البتة اعتناقه الاسلام)؛ لأنه لاربع قرون على الفتح كانت غالبية الامصار المفتوحة غير مسلمين؛ والنتيجة النهائية : امصار (تعربت) واسلمت/ هذا يجعل طارق من العرب الاقحاح؛ وامصار اسلمت ولم تتعرب؛ وامصار لم تسلم ولم تتعرب
ولم العجب من ملاحظاته فالعرب لا يصلح شانهم ولا تجتمع كلمتهم الا بالدين والتمسك به وقالها الخليفة الثني عمر ابن الخطاب (لقد أعزنا الله بالاسلام فان ابتغينا العزة في غيره اذلنا الله)وهذا ما يعمل عليه الغرب فاي جهة يبدي لها الغرب واذنابه العداء لهم فاقرأ الصدق في دعواهم وواقع الحال يغني عن النقاش والسؤال
رحم الله المفكر ابن خلدون