يعدّ عيد الأمّ من الأيّام المشهودة في يوميّات الناس، لاسيّما في الحياة المدنيّة، لارتباطه باستقلال الدول وتنظيم قوانينها ومناسباتها الوطنيّة. وكان سائداً أن يعدّ الأبناء لهذا اليوم قبل أشهر من حلوله، فيجمع الأطفال نقودهم من خرجيّاتهم البسيطة، ليتشاركوا في هدية جماعيّة لأمّهم، وربّما لجدّتهم، أوعمّتهم، أو لمن شاركت في تربيتهم من نساء العائلة. كانت رياض الأطفال، لاسيّما تلك الخاصّة، التي كانت قليلة العدد، هي التي تحتفل بعيد الأم بشكل رسميّ وعلنيّ، إذ تقيم الإدارة حفلة سنويّة يشارك فيها الأطفال الذين سيتأثّرون ويخجلون أمام أحدهم، ذلك الذي فقد أمّه، فجاءت عمّته أو خالته، أو أنّه اعتذر عن عدم المشاركة. ترتدي الأمّهات ما يليق بالمناسبة، ويتزينّ ويحاولن تجاوز تعبهنّ أو أحزانهنّ في ذلك اليوم، أو خلافاتهنّ الزوجيّة، ليحتفلن بفكرة الأمومة ويشاهدن أطفالهنّ على المسرح وهم يغنون لهنّ الأغاني، ويقدّمون التهاني في فقرات جماعيّة وفرديّة. أحدهم قد يرتج عليه، فتشجعه أمه من القاعة، والآخر يبكي يريد أن ينزل إليها، وثالث يلوّح لها من فوق الدكّة، ودموع الأمهات تسيل تترى على خدودهنّ المحمرّة، أو تتساقط خجلى، أوفرحة، أو فخورة. لم يكن البعض يفضل هذه الاحتفالات، فهذا من وجهة نظر أخرى، يوم صعب على من فقدوا أمهاتهم، وعلى الناس أن يفكّروا في شعور الآخرين، إذ لا يعرف قسوته إلا من ذاق مرارة فقد الأمّ، وهو يرى الناس يحتفلون بأمهاتهم في حين فارقته أمّه إلى قبرها، فضلاً عن الأمهات المريضات اللواتي يفكرن بأنّ أبناءهن قد يكونون بلا أمّ في العيد القادم، وكذلك الأبناء الذين يرون المرض يأكل من أعمار أمهاتهم التي لم يبق منها الكثير.
ينفرد الأبناء اليوم بأجهزتهم الذكيّة، يتصفّحون المواقع الإلكترونيّة ومواقع التواصل الاجتماعيّ، يمرّون على الفيديوهات القادمة من غزّة، فيرون الدمار حول مستشفى الشفاء أو في خان يونس، وينتقلون إلى الفيديوهات المرفقة بنصوص مكتوبة، التي تختصّ بالأمهات الثكالى، والمصابات، والشهيدات، وعلى الأمّهات اللواتي يطبخن الخبيزة، وعلى الأطفال الذين ينتحبون على تراب قبور أمّهاتهم، فيشعرون بالحسرة، ويملأهم الذنب باحتمال التفكير بالاحتفال بأمّهاتهم، وبذنبهم بوجود أمهاتهم من حولهم، وبذنب شعورهم بالأمان. يمرّرون أصابعهم على الشاشة، تظهر صور لقوالب الجاتوه، ولموائد الحلوى، وباقات الأزهار، والهدايا المتواضع منها والفاخر: مستحضرات التجميل، وفناجين القهوة، ومعدات المطبخ، والملابس أو المجوهرات، أو الدعوات إلى الطعام في مطاعم فاخرة. تظهر بعدها صورة دوقة ويلز كيت مدلتون وأبنائها الثلاثة، مع خبر قصير حول فبركة الصورة، فيهرب المتصفّحون إلى أخبار الأميرة كما يهرب البائسون إلى حكايات المساء عن عوالم القصور، إلّا أنّهم يشعرون بالإشفاق على أطفال مثلهم أو أصغر منهم، يتكهن الإعلام برحيل والدتهم، ويزعج صفاءهم بتأجيج الخوف من التوغّل بالمؤامرة ضدّها. تعود ثانية صور غزّة وأخبارها، هذه المرّة تكون صور أنيميشن، برموز، وشعارات، وأعلام مرفوعة، وإشارات صمود تنقضها صور الضحايا، وبكاء الأطفال، وتوثيق المأساة. يرفع الأبناء الصور على خاصيّة الـ (ستوري) تأييداً لغزّة وأمّهاتها، وقد يرفعون صور أمهاتهم، وصور الجدّات الراحلات، ويتصفحّون صور أمهات الآخرين، ومقتبساتهم النصيّة عن المناسبة. يمضي اليوم، يوم عيد الأم، ويتيه المتصفّحون في العلم الافتراضيّ، حيث لم يعد للزمن ضغط وثقل. يحلّ المساء، وتتوالى الصور، ويغرق المتصفّحون في الصفحات. الحالة البيولوجيّة ستنبّه الأبناء، سيقرصهم الجوع، وسيتنبّه الصائمون منهم إلى وقت الإفطار. يرفع أذان المغرب، سيغلقون الصفحات ليتجمّعوا حول مائدة الإفطار، حيث الأمّ الحقيقيّة تتحرّك بأقصى سرعتها ليكون كلّ شيء جاهزاً قبل أن يقول: الله أكبر. تكون قد ملأت أكواب الماء، وضعت التمر في صحن صغير، صبّت الشوربة لتبرد قليلاً كي لا تحرق الألسنة، الأمّ ذاتها التي كانت منذ الصباح تجلس في الغرفة المجاورة، تتصفّح على شاشتها صوراً لباقات الورد، مع أغاني خاصّة بالمناسبة، وعلب الحلوى، والهدايا المغلّفة، وتنتظر أن يدخل عليها أبناؤها، فتأخذهم في حضنها، وتسمع منهم عبارة التهنئة التقليديّة، لكنّ الزمن اختلط عليهم، والتهمتهم صفحات عالمهم الافتراضيّ، ونسوا أنّهم لم يقولوا لها: كلّ عام وأنت بخير.
السلام عليكم
بداية نقول للأديبة العربية الكبيرة بمقامها وزادها الادبي الراقي أهلا بك وسهلا حللت أهلا ونزلت سهلا بالرغم من أنّنا اشتقنا لأيقونة الأدب العربي السيدة”غادة السمان” وغيابها عنّا إلّا أنّنا عوضنا غادة ثانية متمثلة في الراقية ” شهلا العجيلي” الاديبة العربية السورية الاردنية
أمّا بعد
لقد وجدت في كلمات الرقيقة الراقية المنبعثة من أعماق وجدانك عن الأم وقيمة الأم ودورها العائلي حيث نجده المحور المفصلي في حياة الأسرة والمجتمع تُعد الأم صاحبة أعظم فضل بعد الله تعالى في حياة الإنسان، كما أنّها تحمل الضعف، وهي تلد وتحمل عذابات عظيمة من أجل ذلك، ثم تربي أطفالها لسنوات عديدة، وتعطيهم من عمرها، كما تركز الانتباه عليهم فقط، فالأم مصدر للحنان والحب، ويكثر الحديث حول قصص عن الام اذا اعددتها، ومنها قصيدة الأم مدرسة لحافظ إبراهيم في إظهار مكانه ودور الأم “وصدق الشاعر لمّا قال:
” الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها +++أَعدَدتَ شَعباً طَيِّبَ الأَعراقِا
لأُمُّ رَوضٌ إِن تَعَهَّدَهُ الحَيا+++بِالرِيِّ أَورَقَ أَيَّما إيراقِ”
اللهم أرحم أمهاتنا وطيب ثراهم …وأنعم عن الأحياء منهن بالهناء والبركات
ولله في خلقه شؤون
وسبحان الله
السلام عليكم الأخ بولنوار قويدر،
في حقيقة الخطب، بيت حافظ إبراهيم الذي ذكرتَه هنا، {الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها / أَعدَدتَ شَعبًا طَيِّبَ الأَعراقِ}، إنما هو من حيث المبدأ والجوهر إهانة نكراء وشنعاء لهذه الأم في مجتمعات ذكورية متخلفة مثل مجتمعاتنا، كما بيَّن بالتفصيل المذهل أستاذنا القدير حي يقظان ذكره الله بالخير منذ عدة سنوات: فكِّر مليًّا بالخطب يا أخي الكريم!؟
السلام عليكم
تحية طيبة وصيام مقبول وذنب مغفور لنا ولك
كم اشتقنا لاطلالتك وملاحظاتك القيمة التي هي بمثابة تيراس في ظلمات الليل…كل حرف منك كل كلمة منك كل ملاحظة منك اعتز بها واجعلها وساما على صدري التعلم منها ولها…لمن لا يعرف (منى المقراني) هي من ركاءز جريدة القدس العربي …فعندما تعلمت التعليق في القدس كانت بالنسبة لي هي مثالي وقدوتي…شكرا لك والحمد على العود الجريدة القدس ومنكم نستفيد يا اختاه
سلامي للجميع دون استثناء حضور وغياب
الله في خلقه شؤون
وسبحان الله
السلام عليكم
توضيح
أنا أقصد بردي على التعليق “أنا أقصد منى المقراني” فإذا كنت أنت المعنية فأنا أقصدك وإنكنت لست “منى المقراني” فمعذرة ..وليكن تعليقك وملاحظتك على تعليقي بمثابة توجيه ودرس نتعلم منه…شكرا على الملاحظة أخت”منى المقري الجزائر”
سلامي وتحياتي لك
ولله في خلقه شؤون
وسبحان الله
“يعدّ عيد الأمّ من الأيّام المشهودة في يوميّات الناس، لاسيّما في الحياة المدنيّة، لارتباطه باستقلال الدول وتنظيم قوانينها ومناسباتها الوطنيّة” اه
السيدة شهلا العجيلي.. عن أي “استقلال” وعن أية “مناسبات وطنيّة” تتكلمين بحق السماء يا عزيزتي والجل إذا لم يكن الكل يعرف أنه استقلال مزيّف بامتياز وأنها مناسبات وطنية ملفّقة بامتياز كذلك.. أحيلك في هذا السياق إلى كتاب منصف المرزوقي “الاستقلال الثاني”..
اللهم عوض امهات غزة يارب بخير ممن فقدوا واعطهم حلو الدنيا ونعيم الاخرة.
اللهم ارحم أمي وأمهات المسلمين اجمعين. امين.
شهلا العجيلي أيقونة شامية..اتفق مع الاخ من
الجزاءر قويدر.لقد حققت مكانة في الادب
شكرا على المقال
اولا نحيي الكاتبة لاثارة الموضوع رغم اختلافنا معها في عديد النقاط.. نحيي ايضا الإخوة منى وسمير على الملاحظات النقدية الهادفة..
احسنت أخ الفاتك، طبعا
شكراً أختي شهلا العجيلي، جميل جداً هذا الطرح لهذا الموضوع! لكن سيدتي الكريمة فقط أتسأل أو تبادر إلى ذهني عند قراءة المقال وماذا عن الأمهات السوريات (والمعاناة الفظيعة لهن) وفقدانهن لفلزات أكبادهن وبأبشع الطرق من بشارون أسدوف ونظامه الدموي الفاشي (لنتذكر قيلاً ماحدث ومازال يحدث). سيدتي مايحصل في غزة ليس إلا امتداداً لما حصل في سوريا وفي الربيع العربي (ومازال) لأن الإحتلال الفاشي الصهيوني ليس إلا الوجه الأخر للإستبداد وفاشيك الأنظمة العربية. حتى أنني لا أرى شبيهاً لنتنياهو إلا بشارون أسدوف، أو العكس، وبالمناسبة كنت أرى ذلك حتى قبل حرب نتنياهو في لإبادة غزة والشعب الفلسطيني أو حرب بشارون أسدوف في إبادة الشعب السوري (وقد قالها بنفسه “المجتمع المتجانس”). بالنسبة لي شخصياً ثلاث نساء هن أمهات لي وكان لهن أكبر الأثر في طفولتي وبالتالي حياتي، أمي وجدتي وأنستي (معلمتي) في المدرسة الإبتدائية، رحمهم الله. أكن لهن حباً عميقاً بكل معنى الكلمة.
يقال مصاءب الأمة اليوم بسبب عقوق الأمهات.
تحية للام العربية التي تتحمل اثقال الحياة.