واصلت مبدأ الحياد في الأزمات ما بين دول مجلس التعاون الخليجي، ولا سيما الأزمة الخليجية التي أدت بالسعودية والإمارات والبحرين ومعهم مصر إلى مقاطعة قطر.
عمان-“القدس العربي”: سنة تقريباً مرّت على رحيل سلطان عُمان قابوس بن سعيد. في العاشر من كانون الثاني/يناير الماضي توفي قابوس الذي اعتلى العرش في العام 1970 فيما كانت البلاد تشهد اقتتالاً على وَقْع ما عُرف حينها بـ”ثورة ظفار”. نجح سلطان عُمان في إخماد الثورة ولمّ شمل العمانيين، وخطَّ أُسس “النهضة العمانية” التي نقلتْ البلاد في نصف قرن إلى مصاف الدولة الحديثة.
رسم النظام الأساسي للبلاد آلية انتقال السلطة، فإن لم تتّفق الأسرة الحاكمة على اختيار سلطان للبلاد تحتكم إلى وصية السلف. قررت الأسرة فتح الوصية والأخذ بمن سمّاه قابوس لتولي الحكم، فكان أن نُصِّبَ ابن عمه وزير الثقافة والتراث هيثم بن طارق آل سعيد، وأقسم اليمين القانونية سلطاناً لعُمان. شكّل الامتثال لوصية السلطان خطوة ذكية من العائلة، ما أمَّـنَ انتقالاً سلساً للسلطة، وأعطى السلطان الجديد دفعاً قوياً وثقة مسبقة، كون أن العُمانيين عايشوا قابوس لعقود خمسة وعرفوا حكمته ويثقون بخياره.
لم تكن السنة الأولى من حكم السلطان هيثم من دون تحديات. يُشبّه أحد المحللين السياسيين العمانيين المرحلة الراهنة بتلك التي مرّت على السلطنة مع تولي قابوس الحكم. حينذاك كان التحدي يتمثل بتحقيق الأمن وتحديث الدولة. اليوم، يتمّ رفع عنوان “عُمان المتجددة” والتي تقوم على إدخال إصلاحات جذرية في بنية الدولة والقطاع العام والحكومي وترشيد الإنفاق وإدارة الموارد الأساسية التي تعتمد عليها الدولة، من النفط والغاز والمشتقات، وتشجيع الاستثمار الداخلي والخارجي وتنفيذ مشاريع عملاقة قادرة على أن تُسهمَ في تنويع مصادر الدخل العام.
التحديات في واقع الحال هي تحديات داخلية اقتصادية في المصاف الأول. تحظى باستقرار أمني، بحيث تصدّرت قائمة دول العالم الأقل تعرضاً للعمليات الإرهابية بحصولها على “صفر إرهاب” للمرة الثامنة على التوالي، وفق المؤشر العالمي للإرهاب في العالم للعام 2020.
والتأكيد قوي بأن مسقط ستبقى على السياسة الخارجية التي انتهجتها سابقاً، والقائمة على مبدأ عدم التدخل في شؤون الغير ورفض تدخل الآخرين في شؤونها، واعتماد سياسة الأبواب المفتوحة، وتشكيل نافذة تواصل للدول المتصارعة يمكن الولوج منها. واصلت مبدأ الحياد في الأزمات ما بين دول مجلس التعاون الخليجي، ولا سيما الأزمة الخليجية التي أدت بالسعودية والإمارات والبحرين ومعهم مصر إلى مقاطعة قطر. هي والكويت اختارتا أن تبقيا في الوسط، وتعوّل على القمة الخليجية التي ستُعقد في الخامس من كانون الثاني/يناير في الرياض بدلاً من المنامة، وسيحضرها أمير قطر، والتي من المقرر أن تشهد المصالحة، لفتح الطريق أمام درب الحلحلة.
يقول متابع سياسي عُماني، إن المصالحة الخليجية ستفتح الطريق أمام إنهاء الأزمة اليمنية وبدء حوار خليجي-إيراني. فالتفاوض الأمريكي-الإيراني المنتظر في عهد إدارة جو بايدن الديموقراطية سيكون للدول الخليجية فيه مكان على الطاولة. ولا يَتوقع أن تنحو مسقط منحى الدول التي أعلنت التطبيع مع إسرائيل، عازياً السبب إلى إدراك السلطنة بأن خطوة التطبيع ستذهب هباءً، ولن تُشكّل عاملاً مسانداً فعلياً لإنهاء الملف الإسرائيلي-الفلسطيني.
التحدّي العُماني راهناً هو تحدي الاقتصاد والتراجع المالي والعجز العام. ثمّة من يُعيد التحديات المالية إلى تراكمات بعض الخطوات التي اتُخذت في السنوات العشرين الماضية، والتي لم تكن ناجحة بالشكل الذي يضمن ديمومة استمرار الإيرادات، كما أن الانتقال إلى مراحل متقدمة في الجانب الاقتصادي تأخّر، كمشروع الدقم الضخم وميناء صحار ومطار مسقط. وهي مشاريع كانت كلها مرتهنة بالإيرادات المالية.
لم تأتِ الإصلاحات الإدارية والحكومية والمالية والاقتصادية-الاجتماعية من فراغ، ولا هي تندرج في إطار الخطوات المتسرّعة غير المدروسة. كان السلطان الحالي أساساً هو رئيس اللجنة الرئيسية لرؤية عمان 2040 والتي بدأ الإعداد لها في زمن قابوس. الخطة سيبدأ تطبيقها رسمياً في مطلع سنة 2021 وهي تشكل خريطة طريق لـ”عُمان المتجددة”. وتقوم عملياً على أربعة محاور رئيسية هي: “الإنسان والمجتمع” و”الاقتصاد والتنمية” و”الحوكمة والأداء المؤسسي” و”البيئة المستدامة” وهو المحور الذي أُضيف لاحقاً بعد المؤتمر الوطني في كانون الثاني/يناير 2019.
على أن تلك الإصلاحات الإدارية والحكومية والمالية انعكست واقعاً ثقيلاً على العُمانيين. ليس سهلاً تقبُّل قرارات رفع الدعم عن البنزين والكهرباء والمياه، ورفع الرسوم وفرض ضريبة القيمة المضافة وضريبة على الدخل. الحكومة اتّخذت إجراءات تقشّف في موازنتها العامة، وأَحالت على التقاعد مَن خدمَ ثلاثين سنة في الدولة أو بلغ الستين. دُمجت وزارات وخُفّضت موازنات لتتماشى مع سياسة الترشيد ورؤية 2040. وتتوقع خمس سنوات عجاف من أجل تحقيق التوازن المالي.
وتثير الإجراءات الحكومية انتقادات في الشارع العُماني تتجلى تعبيراته على مواقع التواصل الاجتماعي. كانت السلطنة على وهج ثورات “الربيع العربي” قد شهدت تحركات احتجاجية غالبيتها اعتراضية على حالة البطالة التي شهدتها البلاد في صفوف الشباب والخريجين. احتوى قابوس الاحتجاجات في 2011 من خلال توجيه الحكومة بتوفير 50 ألف وظيفة على مدى سنتين.
من الطبيعي اليوم أن يترك تغيّر الأحوال الحياتية والاجتماعية حالة امتعاض في المجتمع العُماني، التي يرتبط جزء منها بتداعيات تفشي وباء كورونا وانهيار أسعار النفط، وجزء آخر بالخطط الإصلاحية. على أنّ تلك الخطط، يقول متابعون، لم تُنفّذ من دون توفير شبكات أمان للمواطنين، على غرار صندوق الأمان الوظيفي الذي أُنشئ حديثاً، أو برامج الضمان الاجتماعي، الأمر الذي من شأنه أن يُخففَ من تداعيات البطالة المتوقع أن يرتفع منسوبها رغم قرارات “تَعْمين” الوظائف التي يتمّ اتخاذها لحماية العمالة الوطنية.