غدي فرنسيس: العيش في الذل مهانة وقلة سيظفرون بشرف الموت لأجل كرامة وعزة

زهرة مرعي
حجم الخط
1

طوفان الأقصى أعاد إحياء شريط دخولها إلى غزة عبر أنفاق رفح في 2013

بيروت ـ «القدس العربي»: الحضور الإعلامي للزميلة غدي فرنسيس تخطى كلاسيكيات المهنة وأطرها التي يحددها بعضنا كعاملين في هذه الصنعة، ضمن أدبيات المسالمة، وكفى. هي صحافية مقدامة ومشاغبة، وكذلك مغامرة إنما بحساب. هذا على الصعيد المهني، على صعيد الرأي فهي لا تقل شجاعة، تقول موقفها وتدافع عنه بقوة.

بعد السابع من أكتوبر اشتدّ بأس غدي فرنسيس، وباتت موجودة على المواقع الإلكترونية كضيفة لها رأيها المقاوم وحاضرة على مواقع التواصل، ولها متابعين كثر تعمل للتأثير عليهم خاصة الفئة العمرية بين 15 و30 سنة.
مع غدي فرنسيس هذا الحوار:

○ بعضهم يُعرّفك بالصحافية المقاوِمة وآخرون بالإعلامية المسيحية. بماذا تعرفين نفسك؟
• المقاومة فعل الحياة في هذه المنطقة، بمجرد وجودنا فيها وصمودنا على أرضنا، التي يُدفع عليها مال هارون لقتلنا وسلبنا إياها، فهذا فعل مقاومة. المقاومة ليست حكراً على شعب أو طرف أو حزب أو طائفة، فكل شعبي مقاوم. وهنا أقتبس من قصيدة لجواد حسن نصرالله غنتها جوليا بطرس «إن شعبي كله وطن مقاوم.. وما اقتضى غير المعزة والمكارم». تصنيفي بصحافية مقاومة اعتبره شرفاً، وإن كنت لا أحبذه. ولمن يعرّفني بطائفتي، فأنا لا اعرّف عن نفسي بهذه المصطلحات، لكني أقدّر من يحاول الإضاءة عليها لسبب سياسي أو اجتماعي. تعريفي لنفسي أني امرأة من لبنان اسمها غدي فرنسيس تؤمن ببلادها وشعبها.
○ بين وجه تعرّفنا إليه كمراسلة لتلفزيون الجديد والآن كانت سنواتك مثمرة مهنياً. فما هي أبرز المحطات؟
• بالطبع تعرّف إليَ الجزء الأكبر من الناس عبر الشاشة والإعلام المرئي والمسموع، الذي طُلبت إليه من الصحافة المكتوبة. بدأت من جريدة «السفير» التي اعتز بها جداً، وبأني من تلامذة جريدة الشهيد ناجي العلي. محطاتي المهنية البارزة كانت في جريدة «السفير» عام 2011 حين كنت الصحافية الأولى والوحيدة التي وصلت إلى مدينة حماه، حيث بدأت منها تتحول الانتفاضة السياسية في سوريا إلى حرب أهلية. تلك كانت محطة بارزة بالنسبة لي وطنياً ومهنياً، ثمّ العمل مع تلفزيون «الجديد» وتغطية الحرب السورية كان محطة هامة. ومن خلاله ذهبت إلى اليمن وكانت محطة نوّارة مهنياً وشخصياً. كنت الصحافية الأولى والوحيدة في العالم التي وصلت إلى مدينة أبين، الإمارة القاعدية الأولى في جنوب اليمن. والمحطة الكبرى التي اعتزّ بها هي دخولي وسط الحصار إلى غزّة عام 2013 عبر أنفاق رفح.
○ وغزّة تشهد الإبادة وتقاوم بقوة هل لنا استعادة دخولك إليها؟
• نعم سبق وتحدثت كثيراً عن تلك المحطة الهامة. وظهرت حلقتان في برنامجي التوثيقي «خط تماس» في محطة «اوتي في». وأعدت إنتاج الحلقتين باللغة الإنكليزية في محطة «بيون» التي أعمل فيها حالياً. للأسف طوال الحصار الذي استمر 16 سنة على غزّة لم يكن العالم يشعر بوجودها. بعد طوفان الأقصى، سُئلت كثيراً عن تلك الزيارة، فقد كُنت في زيارة للقاهرة لعمل مدفوع الأجر مع جامعة الدول العربية، وخلالها تواصل معي صحافيون من داخل القطاع ودعوني لزيارة غزّة. توجهت من القاهرة إلى قناة السويس ومنطقة العريش بسيارة أجرة. وصلت إلى منطقة رفح وبمساعدة الزملاء والأصدقاء، وانتظرت هناك حتى دخلت النفق. كانت زيارة موثّقة لحظة بلحظة، وهي محفوظة على «هارد ديسك» في أرشيفي. ومن شدة الألم بمواجهة المحرقة التي تُدار في غزّة لا أجرؤ على مشاهدة المدينة التي أحببت، والبحر الذي مشيت على رماله. يمكن إعادة إنتاج هذه الأفلام في المستقبل، فالوثائق والمشاهد ملكي الحصري، وصوّرتها بكاميرتي الشخصية.
○ لدى توقف العدوان هل تطمحين مجدداً لزيارة غزة؟
• طموحي أن اُجلّها، وأن أقف إلى جانب ناسها. بدأت هذا العمل قبل 18 سنة وكنت صغيرة، وكان الحماس والاندفاع كبيرين، وكانت حصانتي النفسية تحميني، اليوم وفي عمر 35 سنة بت أكثر هشاشة إن صحّ التعبير. قبل أيام مررت بالقرب من الغبيري فلم أستطع تمالك نفسي وقلبي وعاطفتي. بعد كل هذه التجارب المُخزّنة في وجداني، من مشاهد حلب محترقة إلى حمص مدمّرة، إلى دمشق، إلى غزّة في السابق والحاضر، والعراق واليمن، كمية الويلات التي شاهدتها جعلتني أكثر هشاشة. لست على ثقة بأني قادرة على تحمّل الأهوال التي ارتكبها العدو في غزّة.
○ أنت في نشاط متواصل منذ طوفان الأقصى وتملئين وسائل التواصل. لمن اتخذوا موقف المتفرّج أو أدانوا ما يرونه عملاً غير مدروس ماذا تقولين؟
• لمن يقفون متفرجين أقول لهم في المستقبل سيواجهون أولادهم وأحفادهم، عندما سيسألونهم ماذا فعلتم أثناء المحرقة التي كانت تُدار في غزّة؟ السكوت لا يحمينا بل يجعلنا شركاء في الجريمة. فجزء من هذه الحرب كان حرب مصطلحات ومعلومات وحربا نفسية، فيما العدو يعلن للعالم أنها حرب على الإرهاب. إذا لم نرفع أصواتنا لنقول إننا أصحاب أرض، نكون جزءاً من الحرب على أنفسنا. ولمن وصفوا طوفان الأقصى بالعمل غير المدروس، ففي تاريخ هذا الصراع كان بعضهم ومن باب المخاوف، أو من باب المعتقد يرون هذا الصراع لا يعنيهم، في حين تبين ومنذ النكبة أن الشأن الفلسطيني هو شأن لبناني في الصميم، وكذلك سوري وعراقي. فالخطر الصهيوني التوسعي لا يعني الفلسطينيين فقط، ومن يظن وبعد كل هذه المجازر والمحرقة أن ما يُفعل في غزّة سببه طوفان الأقصى فهو قصير النظر، وبصيرته عمياء. وتماماً كما لبنان حيث دخلنا هذه الحرب عبر استهداف أراضٍ لبنانية يحتلها الكيان الصهيوني وهي مزارع شبعا، نحن لا يجرّمنا القانون الدولي ولا الحق الوطني والقومي بما فعلناه في 8 أكتوبر، ومن يُجرّم ربما لجبن أو لجهل.
○ إذاً نحن حيال مقولتين «الحياة وقفة عز» و«مين بيقدر لأمريكا وإسرائيل؟» ما الفرق بينهما؟
• هناك من يصمتون لدى انتهاك أعراضهم حماية لأنفسهم. ومن يرددون مقولة من يستطع مواجهة أمريكا وإسرائيل جبان أو جاهل. هزمنا المشروع، وسطرنا قدرنا بأيدينا ليس مرّة بل مرّات. أقله حين دخل الإسرائيلي إلى بيروت حيث اُطلقت حركة المقاومة من شوارع الحمرا، وسليم سلام وغيره، بالتالي التاريخ شاهد أن الشعب يستطيع إذا أراد، ولدينا شواهد كثيرة في لبنان. نعم الحياة وقفة عزّ لأنها زائلة، وجميعنا سنموت، وقلّة منا سيظفرون بشرف الموت من أجل كرامة وعقيدة وعزّة. العيش بالذل مهانة وليس كسباً.
○ بعد شعار «ما بيشبهونا» هل كان للنزوح من أقاصي الجنوب إلى أقاصي الشمال مفعولا يعززه أم يدحضه؟
• كثر من أهل بلدتي الشمالية لا يشبهونني، وكذلك من أهل مهنتي، ما من أحد يُشبه الآخر. «ما بيشبهونا» تعبير أثير بهدف عزل الناس، وإثارة النعرات الطائفية. النزوح من أقاصي الجنوب إلى أقاصي الشمال حركة طبيعية برأي، ففي تاريخ بلادنا نزح الكثيرون من منطقة إلى أخرى. أنا آتية من قرية مارونية في شمال لبنان، أبي وعائلتي جميعهم نزحوا إلى طرابلس منذ عام 1976 إلى عام 1998.
○ بحثاً عنك لأجل الحوار وجدتك على كافة مواقع الحوار السياسي المصور تقريباً. هل من طموح سياسي لديك؟
• يتواصلون معي للحوار وألبي الدعوات. الطموح السياسي بالمفهوم المسوّق تهمة، لماذا؟ لأن السياسة في لبنان ومن يسعى لمركز فيها بات عُرفاً أنه ينشد المجد الشخصي. أنا ابنة المدرسة التي أطلقها انطون سعادة، وكان طموحه السياسي هو شهادته واعدامه. بالطبع لدي طموح سياسي، وإنما ليس شخصيا. طموحي هو إثارة وعي معيّن، واستنساخ التجربة التي أعتبرها صحيحة، وهي نبذ الطائفية والإيمان ببلادنا وبمنطقتنا وبشعبنا. طُرح عليَ مرات عدة الترشح للنيابة، أو تولّي منصب وزاري، كوني أعمل مهنياً في السياسة، ولأني مارونية لبنانية. ولمن طرحوا عليَ المقعد النيابي الماروني في طرابلس أجبتهم بأنه يشكل بالنسبة لي انتحاراً سياسياً. إيماني أن العمل السياسي في لبنان ليس تحت قبة البرلمان إنما مع الناس وفي المجتمع.
○ عندما يبرز وجه إعلامي تتردد أسئلة من يدعمه ومن يموله ومع أي مخابرات يعمل وخاصة النسائي؟ ما رأيك؟
• لأنني أصبحت ذات باع اُتهمت بشتى أنواع الاتهامات، ومع مرور الوقت نقضها المسار المهني. في التمويل، برأي يُسأل عنه من لديه مصاريف عجيبة غريبة. أعمل منذ 18 عاماً ولدي شركة إعلام منذ أكثر من 10 سنوات، تعمل في مجال التدريب والحملات والاستشارات والإنتاج والنشر. والحمد لله أثمر ذلك الكثير من الرزق، لأني أعمل بجدية وبانعتاق مُطلق.
○ تقاتلين بقوة دفاعاً عن المقاومة خاصة خلال العدوان الحالي على لبنان. هل تمكنت من إقناع مناهض للمقاومة بتغيير موقفه؟
• اؤمن بتموضع الناس وبشكل شبه دائم ولا يمكن إقناعهم، وهم ذات اليسار وذات اليمين، مع المقاومة أو ضدها. إنما دائما تكون الغالبية في الوسط وتأخذها البروباغندا يمنة أو يُسرة. لا أراهن على إقناع من تموضع، بل على بث معين لدى المعتدلين والشباب الصاعد، ودائماً استهدف الفئة العمرية بين 15 و25 سنة. إنه الجيل الخالي من الرواسب والكراهية والأحقاد، أعيش همّ هؤلاء فهم المستقبل.
○ تُصنّفين من المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي فكم أنت مؤثرة على هذه الفئة العمرية؟
• الإحصاءات على صفحة الإنستغرام تسعدني. سابقاً كانت المتابعة من الذكور، حالياً النسبة الغالبة من الإناث الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30. ألتمس محبة الناس ودعمهم دائماً.
○ كم تحاذرين الانزلاق إلى لغة غير مضبوطة على وسائل التواصل؟
• المؤسف أن هذا الانزلاق لم يقف عند وسائل التواصل الاجتماعي، بل بات منتشراً في المنابر الإعلامية من مكتوبة ومرئية، هذا الانزلاق يشكل سقوطاً قيمياً. أعتقد أن الأحزاب بقياداتها ومسؤوليها تستطيع أن تصنع نموذجاً، لكنها تفتقد إلى الخبرة، فهؤلاء المنتشرون عل مواقع التواصل يصنعون تشنجاً، وعدم ضبطهم يولد مشكلة.
○ وأنت متهمة بالانزلاق ومنهم من قال بأنك تنطقين بالفتنة ومنهم غير راضٍ بانتمائك المسيحي. ماذا تقولين لهم؟
• إطلاق الشتائم أو الاتهامات أو الآراء من مواقع وحسابات لها صفات اعتبارية، أو بدونها يؤدي للخلط. اُحكّم المتلقي وأتمنى أن يؤخذ لي أي بث أو شعار فتنوي. فأنا آتية من فكر علماني يؤمن بإلغاء الحواجز بين المذاهب والطوائف. كشخص ولد في بيت مسيحي يحمل هذه الأفكار ويكسر السردية التي يريدون تسويقها عن المسيحيين، فليست الفتنة في أن نقول إن المسيحي مع المقاومة، الفتنة في أن نقول إن هناك شخصا يمثّل كافة المسحيين، ويأخذهم خلفه في خياراته.
○ أخيراً….
• أعتز بالحديث مع الصحافة الكتوبة. أجل وأحترم أهل الصحافة المكتوبة، وعلى عاتقهم الرهان لضبط التفلت الإعلامي ولبناء صحافة حقة، وخاصة «القدس العربي».

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ابو علي / الاردن:

    تحية إلى الإنسانة الرائعة غدي فرنسيس ،. انت أيقونة للحب و الشرف و الكرامة

اشترك في قائمتنا البريدية