القبيلة هي مجموعة من العشائر التي انتسبت إلى، أو اخترعت لها جداً واحداً لغرض الحفاظ على وحدتها وتماسكها، واجتمعت حول الماء والمرعى، لتعيش على الرعي والصيد والغزو، مبتكرة لها عُرفاً تعارفت وتواثقت عليه، أو «قانوناً قبلياَ» ينظم جوانب حياتها الداخلية، وعلاقاتها مع القبائل الأخرى، من تجاور وتحالف وخصومة وعداوة، وغيرها من العلاقات.
ومع الزمن تحول «مجتمع القبيلة» إلى «مجتمع الدولة» وتطور العرف إلى قانون، لكن، وحسب مسلمات التطور الطبيعي والبشري الذي بموجبه تمارس المادة والفكر أنواعاً من التحولات، حيث تذوب الأفكار القديمة في الجديدة، وتأخذ المادة أشكالاً مختلفة، حسب مسلمات التطور تلك فإن القبيلة عندما تتحول إلى دولة لا تفقد – نهائياً – سماتها الأساسية التي هي أقرب إلى الغرائز البشرية في طورها الوحشي.
لا ننسى هنا أن معظم الدول والحضارات القديمة والوسيطة أسستها قبائل كانت تبحث عن مصادر القوة في الماء والأرض وطرق التجارة والسلطة والثروة بشكل عام، ينطبق ذلك على الدول التي أسستها القبائل العربية والتركية والمغولية والجرمانية والإسكندنافية وقبائل المايا وغيرها، وهي الدول التي تحولت إلى حضارات ممتدة، لا تنتهي إلى لتدس بذورها في تربة حضارية جديدة.
وعلى هذا فإن الدولة هي القبيلة الكبرى، أو هي الشكل الذي آلت إليه القبيلة التي سادت في مرحلة ما قبل اكتشاف الزراعة، والرحيل إلى ضفاف الأنهار، بدلاً من تتبع مساقط الأمطار للرعي والصيد، ولكن أية دولة، مهما بلغت من مراحل التطور الحضاري، لابد أن يظل داخلها «الجذر القبلي» الكامن وراء مظاهر التمدن والعمران المختلفة. وبما أن القبيلة والدولة هما منظومتان بشريتان، أنشأهما الإنسان، فإنه يظل داخل هذا الإنسان المتحضر «بدوي صغير» هو الأقرب إلى المرحلة الغريزية منه إلى الاحتكام للأعراف والقوانين، وهذا ما يجعل بعض الدول تسلك – أحياناً – سلوكاً قبلياً، بمجرد أن تتاح لها الفرصة، في مخالفة للمسار الطبيعي لتاريخ البشرية، وهو المسار الذي فيه تتحول القبيلة إلى دولة، والدولة إلى حضارة، وتمتد الحضارة في الزمن.
يحدث – إذن – أن تكون هناك ردة في سياسات الدولة، فتعود إلى سلوكيات القبيلة، وذلك حين تتصحر الحياة السياسية، وتزحف سلوكيات الريف على المدن، وتسيطر على الدولة فكرة العصبية العرقية التي هي فكرة قبلية خالصة، حيث تتقدم الأفكار اليمينية المتطرفة، متشحة بالدين «المُعرقن» والتاريخ «المؤسطر» والعرق «المقدس» مثلما أن فكرة العصبية القبلية تعتمد على ضخ التواريخ الطوطمية للأجداد، وعلى المعتقدات التي يقوم على حراستها كهنة القبيلة، وعلى النسب الذي يعد عمود الوحدة والتماسك القبلي.
واليوم نرى كثيراً من الدول تعتمد الأساليب القبلية في علاقاتها الدولية، وهي الأساليب التي تعتمد على الغزو والسلب والنهب والإجلاء، وهي المصطلحات التي لا يغير من طبيعة مفاهيمها كونها اتخذت تسميات أخرى، وتحت مبررات أو مسوغات مختلفة.
ألا يتطابق التخطيط لإجلاء سكان غزة منها إلى شتات جديد، ألا يتطابق ذلك مع ما تخبرنا به كتب الملاحم والقصص الشعبي عن أحكام أصدرتها بعض القبائل على قبائل أخرى بالجلاء عن مرعاها
ألم يكن الاستعمار الأوروبي للشرق العربي ضرباً من غزوات القبائل الإسكندنافية والجرمانية لبعض مناطق أوروبا الوسطى والجنوبية؟ ألا يشبه الاحتلال الإسرائيلي لأراضي الشعب الفلسطيني تلك الغزوات التي كانت تقوم بها القبائل الإسرائيلية البدوية القديمة، ضد الكنعانيين أو ضد بعضها البعض؟
ألا تعد الإبادة الجماعية لسكان غزة بواسطة آلة الحرب الإسرائيلية التي قدمتها لها الدول الغربية، ألا تعد ـ في حقيقتها ـ ضرباً من ضروب غزوات القبائل القديمة، لأراضي ومساكن القبائل الأخرى، وهو الغزو الذي تتم فيه عمليات الحرق والهدم والسلب والنهب والقتل والاستئصال، وغيرها من أعمال سجلتها لنا كتب الملاحم القديمة؟
ألا يتطابق التخطيط لإجلاء سكان غزة منها إلى شتات جديد، ألا يتطابق ذلك مع ما تخبرنا به كتب الملاحم والقصص الشعبي عن أحكام أصدرتها بعض القبائل على قبائل أخرى بالجلاء عن مرعاها، والبحث عن مرعى آخر، في مؤشر على «الجذور الوحشية» لدى الإنسان، وهي الجذور التي جعلت المدافع مكان السيف، في تغير شكلي في الوسائل والأدوات، لا يمس جوهر الإنسان المعاصر الذي أرجعته الآلة المتقدمة إلى عصور الغزو والنهب.
وما الفرق بين القبيلة التي كانت تضع عينها على مرعى قبيلة أخرى فتشن عليها الغارة لتنهب أرضها ومواشيها، وبين الدولة التي تغزو أرضاً وموارد أخرى، تخص شعباً آخر، لغرض السيطرة على وطنه ونهب موارده؟!
الإنسان هو الإنسان في جوهره، سواء كان فرداً في إحدى قبائل الإسكيمو، أو كان محاضراً في هارفارد، هذا الإنسان هو جسد وروح، غريزة وضمير، حيث الروح تروض الجسد، والضمير يوازن الغرائز. الروح تعمل بواسطة الدين والضمير يعمل بمساعدة التمدن، ويظهر توازن الروح والجسد والضمير والغرائز في السلوك، حيث السلوك هو التجلي الحقيقي للعلاقة بين الروح والجسد أو الضمير والغريزة.
وإذا كان الدين – في هدفه الروحي – يهذب غرائز الإنسان، ويقوي روحه، فإن الحضارة ـ في هدفها المدني ـ تهذب سلوك الإنسان، وتحاول الارتقاء به من مرحلة الغابات والبوادي إلى مرحلة المدن. ومع ذلك، وكما يكون هناك «نفاق ديني» يوجد كذلك «نفاق حضاري» حين تختبئ تحت البدلة الأنيقة سيوف الغارات القديمة، ووراء البسمات الدبلوماسية «نيوب الليث» وحين تأتي موجات الغزو الاستعماري تحت شعارات «نشر الديمقراطية» أو يأتي الاحتلال تحت مسمى «التحرير» في حين أن الهدف هو ذاته الهدف الغريزي الذي عاش به الإنسان في بوادي بلاد العرب، قبل الإسلام، ويعيش به الإنسان في ناطحات السحاب في نيويورك، في القرن الحادي والعشرين.
إنها قصة الإنسان الذي اعتنق الأديان، والذي اخترع القوانين والقيم والأعراف والأخلاق، من أجل أن تنقله من طور التوحش الغريزي الذي رافقه أثناء رحلته من الغابات والكهوف والصحارى والبوادي، إلى الأنهار والمنتجعات، إلى أن وصل إلى المدن وناطحات السحاب، وهو الإنسان الذي حول ما وصله من رسالات روحية وقيم أخلاقية إلى وسائل، لا لتهذيب غرائزه، ولكن للتستر عليها، وممارسة تلك الغرائز باسم الأديان والقيم والقوانين.
كاتب يمني
ترامب ينتمي إلى عصور القبيلة بقيم الشاب والنهب، وليس بالشيم القبلية الحميدة .
عندما تغيب القيم و القوانين , تغيب الأخلاق !
وهذا ما حصل بفلسطين المحتلة !!
و لا حول و لا قوة الا بالله
يتصرف ترامب بأخلاق تاجر يرى أن الأوطان بورصة يمكن أن يشتري أسهمها
عبر الحرب الباردة كانت دول العالم عالة على إتحاد سوفياتي فسقط وانسحب من العالم وبدأت مرحلة عولمة وتجارة حرة وتحولوا جميعا مع روسيا والصين إلى عالة كاملة على اقتصاد أمريكا لدرجة استنزافه رغم ضخامته فنجح اتجاه امريكا أولاً وبدأت الضغط على كل من سبق أن دعمتهم بشكل كبير لأخذ مقابل بشكل أو بآخر فتريد أرض جرينلاند من أوروبا واسترجاع القناة من بنما وتحويل كندا لولاية 51 ونصف تريليون معادن نادرة من أوكرانيا وتريد أرض وشاطيء قطاع غزة من إسرائيل وتريد أرض مناسبة من كل دولة عربية دعمتها لإخلاء غزاويين لها.
إذا أردنا فهم السلوك الأمريكيّ ( في الواقع السيّاسيّ ) المعاصر؛ فإنّ النزعة { القبليّة } لا تنطبق عليه في قياس مكنونها التاريخيّ. بل إنّ نزعة السلوك العدوانيّ الاستحواذيّ الأمريكيّ تشكّلت منذ الحرب العالميّة الأولى؛ وتجسّدت كصورة إمبرياليّة هجوميّة مع الحرب العالميّة الثانيّة؛ وعمادها القوّة المفرطة التي تحسم الموقف لصالح الولايات المتحدة. وبالتالي هذه القوّة؛ ( قانونها ) المواجهة بالقوّة ضد أيّة قدرة خارجيّة مضادة لها… وفق معيارها الاقتصاديّ…وبين يديّ كم غفير من الدراسات الأمريكيّة والغربيّة التي تدلّ على ذلك…لكنني لن ألجأ إليها؛ لأنها ( مدفوعة الثمن السيّاسيّ ) في إخراج أكاديميّ كزخرف ملوّن دعائيّ.فهي ( هوليووديّة ) الطرح والتأثيرالنفسيّ…
هنا في الحقيقة تعميم صارخ وخلط سافر بين الحكومة والشعب في أمريكا
هناك هوة كبيرة بين الاثنين ؛ نزعة السلوك العدواني هي نزعة الحكومة لا نزعة الشعب
المظاهرات الطلابية والشعبية العارمة ضد ترامب وسلفه بايدن تؤكد على وجود هذه الهوة الكبيرة
@الإنسان هو الإنسان في جوهره، سواء كان فرداً في إحدى قبائل الإسكيمو، أو كان محاضراً في هارفارد@
هذه هي الخلاصة.
شكراً للسيد الكاتب
“ومع الزمن تحول «مجتمع القبيلة» إلى «مجتمع الدولة» وتطور العرف إلى قانون، لكن، وحسب مسلمات التطور الطبيعي والبشري الذي بموجبه تمارس المادة والفكر أنواعاً من التحولات، حيث تذوب الأفكار القديمة في الجديدة، وتأخذ المادة أشكالاً مختلفة، حسب مسلمات التطور” اه
حقيقة.. لا يُنظر إلى سيرورة التاريخ البشري بهذه البساطة..
فمثلا في حالة المجتمع العربي اتخذ التحول طابعا “دينيا” محضا في البدء..
إذ كان لكل فبيلة إله (أو أكثر) فجاء الإسلام وحطّم كل هذه الآلهة ووحّدها في إله واحد (الله)..
وما الغاية من هذا التوحيد “الديني” سوى خلق “حكومة مركزية” بالمعنى الحديث للمصطلح..
وما الغاية من خلق هكذا “حكومة مركزية” سوى التمهيد لتجلي “الدولة السياسية” بالمعنى الحديث للمصطلح..
ليس هناك أي علاقة بين دعوة الإسلام إلى توحيد الله والرغبة في حكومة مركزية.
هذا تسطيح يناقضه وجود حكومات مركزية قوية لدى حضارات ودول كثيرة كانت فيها آلهة متعددة ام تمنع من تشكيل حكومة موحدة مركزية.
أتفق كليا مع الأخت رابعة و”الفيلسوف” لا يعي ما يقول حقا ولا يستند إلى أي معرفة حقيقية
أول دعامة دينية قام عليها الإسلام هي فكرة التوحيد في الأصل – كـ أساس للدولة الإسلامية بدئيا
ومن تعاليم المؤرخين ومنهم آرنولد توينبي –
أن الحكومات القوية لا تتشكل دون وحدة دينية أو روحية حتى لو “تعددت” الآلهة اسميا حسب
يلزم هذا “الفيلسوف” الكثير لكي يتعلم قبل أن يطلق على نفسه صفة “الفيلسوف” !!
كان لليونان حضارة ودولة قوية وكانت لهم آلهة متعددة.
وجاءت المسيحية لتأخذ التثليث من الحضارة الفرعونية، وكان للفراعنة دولة مركزية واحدة.
لا علاقة للإله الواحد بالحكومة المركزية.
أمر مضحك هذا الاستنباط.
وحتى المسيحية التي تقول بالتثليث ترى أن الثلاثة عم في الأصل واحد.
شكراً لأخينا الفيلسوف على تعليقه الوازن.
What is most ridiculous is that an ignorant person endorses another if not the same
There was never one state called Ancient Greece but divided into smaller states like Athens,Sparta,Corinth,Olympia,etc each having its own government and army
The same also applies to ancient Egypt in one form or another
Those who are quite incognisant of human history should avoid such nonsense otherwise they will be ridiculed most of their lives
جميل هذا التسطيح في الاستنباط.
إذن، كان الهدف من التوحيد في الإسلام بناء حكومة مركزية!
أمر غريب وكأن التوحيد من خصائص الإسلام.
التوحيد يا سادة موجود في اليهودية، وحتى الديانات التي اها أكثر من إله، ترجعها جميعاً إلى إله واحد.
No one has said that monotheism is one of the characteristics of Islam
Monotheism goes back to ancient Egypt as implicitly mentioned in Freuds famous book Moses and monotheism
To say that it existed in even polytheistic societies is actually to endorse the main idea pointed out by the first commentator
What Islam did with monotheism was simply use it as a foundation for building up the Islamic state and its central government
It is therefore very important to understand what is written so clearly and so succinctly
ياهذا؛ أين ذكرت الشعب الأمريكيّ؟ واضح أنّ تعليقي أخصّ به الإدارات الأمريكيّة الحاكمة التي اتخذت من القوّة السبيل لمواجهة الخصوم.لكن عدم الفهم مشكلة الكثير من القراء فيخلطون الحابل بالنابل؛ وكما قالها غياث المرزوق؛ المشكلة
بعدم فهم المنطوق.أو كما قال ذلك في تعليق له سابق.اللهمّ : امنح اللجاج لكلّ من أراد العجاج؛ للتغطية على الوهّاج.
دكتور جمال، كلمكم واضح ومقصودكم من التعليق ينصرف للسلطات الحاكمة وليس للشعب.
ولكن ماذا نفعل لمن يفهم ويصر على أن يسيء الفهم.
تحياتي لك.
لا تحرمنا من قراءة تعليقاتكم المفيدة
أحسنت أخ جمال البدري بهذه الإشارة الثاقبة –
ومثال دامغ وقاطع آخر على “عدم فهم المنطوق” بعبارة شاعر الفراتين غياث المرزوق –
لا علاقة بين ما حصل في غزة وما سيحصل لاحقا بمفهوم القبيلة ولكن السيد الكاتب جعل من الاستعمار الحديث غزو قبائل ولم يرى ذلك في الفتوحات الإسلامية والحروب الصليبية