غزة: أشلاء الوضع العربي!

حجم الخط
23

تابع جيش الاحتلال الإسرائيلي مجازره التي تستهدف المناطق والمدارس والمشافي التي يلجأ إليها النازحون والتي كان آخر ذراها السبت في منطقة المواصي، في خان يونس، التي كانت إسرائيل، ومنذ وقت طويل، قد صنفتها منطقة «آمنة» مطالبة النازحين الفلسطينيين بالتوجه إليها، وكذلك قصف محيط مدرسة تؤوي نازحين في مدينة غزة أمس. توقع حمم الصواريخ وشظاياها التي تنفجر في خيام النازحين، الذين «يعيشون» أصلا في ظروف بائسة لا يمكن أن تسمى حياة، فتتطاير أشلاء الضحايا ممتزجة بأقمشة الخيام المحترقة والأغراض المتطايرة.
قوبلت مجازر جيش الاحتلال الإسرائيلي البهيمية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة في الدول المتضامنة مع إسرائيل بأشكال من التلاعب الذي يعيد استهلاك الرواية الإسرائيلية حول «الإرهاب الفلسطيني» ويركز على معاناة الرهائن، في تخفيض همجي لقيمة الفلسطينيين ودمائهم واستهتار بحقوقهم وإنسانيتهم.
الأسوأ من ذلك هو أن طرق التضامن الغربية، المباشرة وغير المباشرة، مع إسرائيل رغم انتهاكاتها الواضحة للقانون الدولي الإنساني، ولجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها ما لبثت أن بدأت تتقاطع، بشكل مباشر أو غير مباشر أيضا، مع طرق من التضامن المضمر مع إسرائيل، يمكن أن يبدأ من التنصّل العربي من الدم الفلسطيني، يتم تمريره عبر إعلان أشكال العداء لـ«حماس» وتحميلها مسؤولية الحرب، وهو أمر يقارب، في معناه تبريرات إسرائيل التي يمكن أن تقتل المئات من الفلسطينيين بزعم إنقاذ رهائن، أو اغتيال أهداف من «حماس».
يتواصل هذا التضامن الموضوعي مع إسرائيل عبر أشكال أخرى من ذلك إحالة المشكلة إلى ما يسمى «الإسلام السياسي» الخصم الحقيقي أو المتخيل للنظام السياسي العربي، و«الفزاعة» التي يتم تحت إطارها تقنين أي حراك ديمقراطي مدني، أو أي تعبير سياسي من أي نوع، والذي يحظى بخصومة طويلة الأمد مع النظام السياسي العربي، فيصبح هذا «البعبع» هو المسؤول عن المجازر في غزة وليست إسرائيل؛ ومن ذلك أيضا ربط الحرب و«حماس» والمقاومة الفلسطينية في غزة والضفة بإيران، و«حزب الله» في لبنان، والحوثيين في اليمن، فيصبح العداء لتلك الحركات مبررا ناجعا لإبادة الفلسطينيين والتطهير العرقي الجاري ضدهم.
كان لافتا أن حرب الإبادة الجارية لم تدفع أيا من الدول التي طبعت أخيرا مع إسرائيل، وعلى رأسها الإمارات، إلى مراجعة هذا التطبيع، أو التهديد بإلغائه إذا استمر العدوان، وتم تداول أنباء عديدة عن أشكال من القمع والمراقبة والتحقيق والتضييق والاحتجاز والترحيل تعرض لها فلسطينيون على خلفية مواقفهم من الحرب على غزة، وأن المحقق معهم سئلوا عن آرائهم في «العلاقات الإماراتية الإسرائيلية» أو إن كانوا يقاطعون المنتجات الإسرائيلية.
كان لافتا، ضمن هذا السياق، قيام مجموعة من الطلاب المغاربة بزيارة إسرائيل في هذه الفترة بالذات، وجاء ذلك متزامنا مع الحادثة المخزية لامتناع عميد كلية عن إعطاء شهادة التخرج لطالبة لأنها لم تنزع الكوفية الفلسطينية.
إحدى طرق التحايل الغريبة على قضية التضامن تتمثل بالمزاودة عليهم بخطابات النضال والمقاومة، كما حصل أكثر من مرة مع نظام قيس سعيد في تونس ونظام بشار الأسد في سوريا، فالنظام التونسي أعلن رفض صدور قرار عربي من مجلس الأمن يطالب بوقف الحرب على الفلسطينيين ووقف الحصار عليهم، بدعوى أنه لا يعترف بإسرائيل كما رفض بيانا للجامعة العربية، وكذلك رفض رفع الطلاب التونسيين للعلم الفلسطيني بدعوى أن الأمر يعيق نظام التعليم والامتحانات، وأوقف البرلمان عن إصدار قرار بمنع التطبيع.
أما النظام السوري، الذي أصبح مكسر عصا قوات الاحتلال الإسرائيلي، فقد خرج رئيسه بشار الأسد ليعاتب من سماهم «الثوار الثيران» من فصائل المعارضة السورية، لأنهم لا يردون على إسرائيل، فيما تتزايد التكهنات عن تسريب معلومات تؤدي لقصف القادة والمسؤولين الإيرانيين في سوريا.
الخلاصة التي يمكن أن يخرج بها المتابع تحيل إلى وجود رابط وثيق بين الإبادة الجارية ضد الفلسطينيين وانفراط جهاز المناعة السياسي العربي نتيجة العلاقة الوثيقة بين الاستبداد العربي والاحتلال الإسرائيلي، فالواحد يفضي للآخر، والمجزرة العربية تتوازى مع المجزرة الفلسطينية، والنتيجة أن ما نراه هو أشلاء الوضع العربي وليس أشلاء الفلسطينيين المستباحين فحسب.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول علي - ايطاليا:

    لنقلها صراحة وانا شخصيا أؤمن بأن التحرير لن يتم الا بالكفاح المسلح، ولكن خطأ حماس والجهاد هو الباس حركة المقاومة اللباس الديني وهذا ما عكس سلبا على كفاح الشعب الفلسطيني . كان الأولى بهاتين الحركتيين عدم إعطاء صبغة دينية، وهذا أدى إلى أن دول ذو ثقل عالمي كالصين والهند مثلا الى النظر في دعم فلسطين وتغييرة لصلح الصهاينة، هذا عدا عن كون أخوة لنا في الوطن ليسوا مسلمين. النضال ضد الاحتلال الصهيوني يجب أن يأخذ فقط الصبغة الوطنية لكي لا نخسر باقي الدعم الدولي، وكون الدعم العربي والإسلامي اثبت بعد 76 عام أنة سراب.

    1. يقول الكروي داود النرويج:

      و ماذا عن الصهاينة ؟
      ألم يلبسوا لباس الدين ؟
      و لا حول و لا قوة الا بالله

    2. يقول محمد جبرؤوتي:

      بسم الله الرحمن الرحيم. نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله. .. كل محاولات الوحدة على أسس قومية قد فشلت .. قال العالم ابن خلدون رحمه الله: العرب مفطورون على حب الزعامة ولن يتحدوا إلا برابطة دينية. أرى القدس أقوى رابطة استراتيجية دينية ولهذا تم زرع الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي على هذه الأرض.

    3. يقول عمر:

      تحية طيبه وبعد
      اذا كان احجام بعض الدول المهمه عن دعم الفلسطينيين بحجة ان المقاومة ذات صبغة دينية ، فلا اظن انهم يجهلون ان الطرف الاخر قام على فكرة دينية بحته ، بل ان حكومته تحوي وزراء ربما هم الأشد تطرفا دينيا عبر العالم .
      كل العالم يعترف ان سرّ قوة وصمود المقاومة يعود أساسا للرجعية الدينية للمقاومين، وكذلك للاغلبية الساحقة من اهل غزه.

  2. يقول Samir:

    نريد أن نتخلص من نظرية فرض الوصاية على الشعوب و تجاهل وجودها تماما. الشعب الفلسطيني في غزة لم يستشار مسبقًا حول عملية طوفان الأقصى و ما يمكن أن تؤدي إليه من تداعيات. شعب غزة استيقظ يوم السابع من أكتوبر على صوت القصف الاسرائيلي دون أن يعرف ما الذي يحدث بالضبط. إلى متى سوف نستمر في تجاهل وجود الشعوب كأنها لم تكن؟ إلى متى سوف نستمر في تجاهل رأي الشعوب و التعامل معها كأنهم قصر في حاجة إلى وصاية؟
    النضج السياسي يبدأ من الاصغاء إلى الشعوب و إشراكها في صنع القرار.

    1. يقول حفيظ:

      الشعب الفلسطيني هو من اختار حماس في أول انتخابات ديمقراطية تشهدها المنطقة، يعني أنه هو من اختار المقاومة لتحرير الارض ، لاتكن اماراتيا أكثر من الإماراتيين أرجوك!!!!

  3. يقول مسعود الجزائر:

    القدس الشريف وارض فلسطين لم ولن تتحرر إلا بقيادة مثل صلاح الدين الايوبي وقبله سيدنا عمر رضي الله عنه وتتحرربكلمة لااله الا الله اقراو التاريخ واسالوه

  4. يقول الشهيبات مولاي يوسف:

    كمغربي عربي و مسلم.
    اقول ان النظام العربي فقد شرعيته و مشروعيته.
    لان الفلسطينيين هو مواطنون عرب مسلمين.
    فإذا لم يدافع عنهم النظام العربي فقد تخلى عن هويته و عن هوية مواطنيه.
    لان اسرائيل تحارب الفلسطينيين ليس كفلسطينين لكن كعرب مسلمين.
    و بذلك يكون النظام العربي نظاما خائنا جبانا متخليا عن عروبته و عقيدته. و بالتالي اصبح نظاما منتهيا فاقدا لمبررات وجوده و استمراره.
    الاشكال ان هذا النظام العربي و رغم عدم تمثيله للشعوب العربية و الاسلامية يستأسد على الشعوب و يستعرض عضلاته تجاهها تارة بالاستبداد و تارة اخرى بالترهيب و القمع و حفظ نظامه الخائن العميل للغرب و الامبريالية من الزوال التاريخي و البيولوجي و الاجتماعي.
    هذا النظام العربي لم يعد مؤتمنا لا على التنمية و لا على السيادة و لا على الاستقلال و لا على الهوية و العقيدة.
    نتساءل بحرقة و موضوعية ماذا يمثل النظام العربي.
    في ظني لا يمثل احدا انما يمثل واضعيه على صدور الشعوب العربية.

  5. يقول ابن الوليد. المانيا. (على تويتر ibn_al_walid_1@):

    البعد الوطني للمقاومة مهد جدا.. فالظفة اغلبها
    مسلمون أيضا.. وهم خارج مقاومة غزة عمليا..
    بسبب ربط حماس مقاومتها بمشروع ديني وليس
    وطني. ناهيك على أن البعد الديني له ارتباط بإيران..
    فمن أراد مساندة حماس سيجد نفسه يساند إيران
    أيضا.. وهذا ما لا يريده الجميع..
    .
    أما إذا كانت المقاومة باسم الوطن.. فكل شيئ
    يهون في سببل الوطن.. بدون إقصاء أحد..

  6. يقول هدهد سليمان:

    لا حل مع الخونة. خالف تعرف.
    لو قلنا ان المقاومة وطنية وقومية وممثلها الأول المسيحي القومي وديع حداد وممثلها الثاني جورج حبش لاتهمنا بالكفر ولقالوا ان هذا صراع ديني ويجب ان تكون المقاومة إسلامية والذات بعد هزيمة المشروع القومي هزيمة نكراء.
    قلنا نعم معكم حق، فاتينا بمقاومة إسلامية دينية تقارع المشروع الصهيوني الديني واثبتت هذه المقاومة نجاعتها وفعلت فعلها في الصهاينة بما لم تفعله شقيقتها وسلفها الوطنية القومية.

  7. يقول كنعان المقدسي:

    في الادبيات السياسية التي صاغها الزعيم الصيني “ما تسي تونغ” في معرض تصويره لاحداث الثورة الصينية ضد قوات الكومنتانغ :(لايمني لون القط مادام يهاجم الفئران ويقضي عليها). قياسا على هذا الأمر، الطعن في نضال المقاومة الفلسطينية ضد سلطة الاحتلال الصهيوني،ووصمها (بالاسلام السياسي) مردود على قائله. في هذه المرحله يجب الوقوف ودعم نضال المقاومة الفلسطينية ضد سلطة الاحتلال تحقيقا لانتزاع الاستقلال الوطني وتحقيق التحرير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعيدا عن سلطة التنسيق الأمني العاجزة عن ردع سلطات الاحتلال في مناطق الضفة التي تخضع لها حسب اتفاقيات اوسلو.

    1. يقول ابن الوليد. المانيا. ( و على تويتر ibn_al_walid_1@ ):

      اراك ترى النقد البناء اعلاه لبعض المعلقين ضربا في المقاومة.. وهو ليس كذلك..
      .
      واراك لم تنتبه.. ولم تسنخدم الخطاب الديني اصلا في تعليقك ..
      .
      ولم تنتبه.. وكتبت ” الاستقلال الوطني” .. وفي كلمة وطني تتفق مع من انتقدتهم..
      .
      لأن المشروع الديني يتحد عن استقلال الامة الاسلامية.. واذهب لتفهم من اين تبدأ هذه الامة.. واين تنتهي..
      .
      حماس وايران ينحدثان عن أمة اسلامية.. ويرون ان الصراع مع اسرائيل هو بين الامة الاسلامية والعدو..
      .
      ولا يوجد في أدبياتهم مصطلح وطن.. لأن ايران لها حدود مطاطية..
      .
      يا رجل.. فلسطين لا تحتمل الدفاع عن ايران.. ولا خدمة مصالحها..
      .
      الوطن.. الوطن أولا وقبل كل شيئ.. وطن فيه المسيحي الفلسطيني.. والمسلم الفلسطيني..
      .
      واختم بجملتك ” الاستقلال الوطني” .. انا هنا جد مبسوط.. واثفق معك على طول..
      .
      وها انت ترى.. ان تدوين تعليق أنيق بدون تجريح .. ممكن.. ممكن جدا..

1 2

اشترك في قائمتنا البريدية