تشهد معدلات الطلاق بين النازحين في مختلف مناطق قطاع غزة تصاعداً ملحوظاً، بسبب الضغوط النفسية والاجتماعية التي تفرضها الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة، حيث صعوبة الحياة وتكدس النازحين داخل مخيمات النزوح، وعدم توفر حياة كريمة في ظل توقف أعداد كبيرة من الأزواج عن العمل، وهذا ما أدى إلى تصاعد المشاكل بين الأزواج، والتي كثيراً ما تؤدي إلى الانفصال.
وتتعمد إسرائيل زيادة الضغط على السكان، من خلال مطالبتهم بالنزوح المتكرر من المدن والأحياء السكنية، بالإضافة إلى فرض سياسة التجويع وحرمان النازحين من الحصول على الطعام والمستلزمات الأساسية، إلى ضرب النسيج الاجتماعي، وهذا ما يؤدي إلى التفكك الأسري وزيادة المشاكل بين الأزواج، بالتزامن مع غياب برامج التوعية النفسية التي من شأنها تخفيف المشاكل بين الأزواج، والحد من أن تصبح ظاهرة اجتماعية خطيرة.
وقال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إن ما يقارب من 70 في المئة من ضحايا الحرب هم من النساء والأطفال، وإن هناك 17 ألف طفل يعيش قسم منهم مع الآباء والبعض مع الأمهات نتيجة التفكك الأسري، إلى جانب تعرض الكثير من الأمهات. وأشار المكتب في تصريحات صحافية إلى أن الواقع الاجتماعي داخل قطاع غزة سيئ للغاية، في ظل حالة الضغط النفسي التي يتعمد الاحتلال إسقاطها على المدنيين، وفقدان الأطفال حقهم في التعليم والعيش بحرية وسلام.
وحذرت منظمات حقوقية من التداعيات الخطيرة التي تتعرض لها آلاف العائلات في قطاع غزة حيث تؤدي حرب الإبادة الإسرائيلية، إلى زيادة التفكك الأسري وبالتالي ارتفاع نسب الطلاق، وهو ما يهدد بتفكك النسيج الاجتماعي وصولاً إلى تشرد الأطفال. وأدانت الهيئة الوطنية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني استمرار الاحتلال في حرب الإبادة ضد المدنيين تحت ذريعة الضغط العسكري على المقاومة، حيث يواصل حرمان السكان من الطعام، من خلال منع إدخال المساعدات الإنسانية وحرمان العائلات من الحصول على أدنى مقومات الخصوصية، عدا عن التكدس الهائل داخل مخيمات النزوح، يزيد معاناة النازحين الارتفاع الحاد في درجات الحرارة، وانتشار الأمراض والأوبئة وعدم توفر رعاية صحية، وهذه الأزمات تؤدي إلى زيادة الضغوط النفسية وبالتالي خلق مشاكل أسرية تؤدي إلى الطلاق، وإلى حالات العنف الأسري.
ومع توافد الكثير من الشباب لإبرام عقود زواج عند القضاة الذين يمارسون مهنتهم داخل خيام النزوح في مختلف مناطق قطاع غزة، إلا أن حالات الطلاق والانفصال تسجل بنسب أكبر، وهذا ما رصدته «القدس العربي» عند توافد أعداد من النساء والرجال على خيمة أحد القضاة الشرعيين داخل مخيم للنزوح في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، يرغبون بالانفصال بعد احتدام المشاكل الأسرية بينهم، وصولاً إلى صعوبة استمرار العيش المشترك بسبب الضغوط التي يتعرضون لها. ومن أبرز الأسباب التي تؤدي بالأزواج إلى طلب الانفصال خلال محاولة الرصد هي عدم توفر الدخل ومن هنا تبدأ المشكلة وتتطور إلى العنف وصولاً إلى الانفصال في نهاية المطاف.
ضيق الحال
يقول أبو جهاد 55 عاماً أنه أضطر للانفصال عن زوجته بسبب تصاعد المشاكل بينهما منذ بداية الحرب، وذلك بسبب ضيق الحال وعدم توفر مصدر دخل وما يترتب على ذلك، وخوفاً من أن يؤدي العنف المتزايد بينهما إلى إصابات بأحد أفراد أسرته المكونة من 7 أفراد، توجه لهذه الخطوة الصعبة.
وأوضح لـ«القدس العربي» أنه «قبل الحرب لم تكن هناك أي مشاكل داخل العائلة، وكان الحال ميسورا والأمور تسير بشكل طبيعي، لكن الضغوط التي فرضتها الحرب المستمرة على مدار الأشهر الطويلة سببت المشاكل خاصة عمليات النزوح المستمرة التي تتطلب أجورا مادية عالية، تعتبر من المسببات الأساسية لحالات العنف التي كنت أنا واحدا ممن يعانون منها. فالمواطن عندما ينزح من منطقة لأخرى يحتاج إلى تكاليف مادية عالية وهذا ليس في متناول اليد بالنسبة للكثيرين».
ولفت إلى أنه نادم على انفصاله عن زوجته، لكن لم يجد أي مسلك آخر يمكنه من قضاء أيامه بدون مشاكل عائلية إلا بترك زوجته، التي هي من كانت تصر على الانفصال واختارت الطريق التي تراه مناسباً لها.
وحاولت «القدس العربي» الحصول على أرقام واضحة لأعداد حالات الطلاق والتفكك الأسري بسبب ظروف الحرب، لكن هناك صعوبة كبيرة في ذلك بسبب عدم وجود جهات حكومية رسمية يمكنها رصد الحالات المتزايدة وتسجيلها، لكن هذا التصاعد بات ملحوظاً أمام خيام القضاة في مخيمات النزوح، بالإضافة إلى تصاعد المشاكل والعنف داخل الخيام بين أفراد العائلات.
في سياق ذلك تقول الإخصائية النفسية والاجتماعية أماني محمود إن الضغوط النفسية بالعادة تكون هي المسبب الأول لحالات الطلاق بين الأزواج، ولكن في ظل الضغوط الصعبة التي لم يسبق لها مثيل من جراء الحرب التي تفرضها إسرائيل على قطاع غزة، فإن حالات الطلاق والانفصال تكون أشد وأوسع بسبب تراكم الأزمات وصعوبة التكيف مع الواقع، خاصة في مخيمات النزوح والخيام التي لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء عدا عن انعدام الخصوصية بالنسبة للنساء.
وأشارت في حديثها لـ«القدس العربي» إلى «أن هناك غيابا واضحا لفرق التوعية النفسية والمؤسسات الرسمية الخاصة بتوعية المواطنين، ومحاولة الحد من تزايد المشاكل الأسرية خاصة في وقت الأزمات، حيث أن هذه الفرق يمكنها تخفيف حدة العنف الأسري بتقديم برامج توعية ودعم نفسي للنازحين، تخفف حدة العنف والتفكك الأسري».
وأضافت أن استمرار الحرب الإسرائيلية مع تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية للنازحين، سيؤدي إلى مزيد من تسجيل حالات الانفصال، عدا عن العنف بين أفراد العائلة، وهنا على المؤسسات الحقوقية والأهلية دق ناقوس الخطر، ومطالبة المجتمع العربي والدولي بالضغط الجاد على الاحتلال لوقف الحرب على غزة.
والضحية هم الأطفال!