غزة – «القدس العربي»: زادت المجزرة التي اقترفتها قوات الاحتلال ضد النازحين في مستشفى المعمداني من آلام سكان قطاع غزة، الذين يعانون من أوضاع سيئة جدا بسبب الحرب الدامية المستمرة منذ 12 يوما، وألقت بظلالها على النازحين في مراكز الإيواء، وأولئك الذين يفترشون الشوارع والساحات العامة في مناطق وسط وجنوب القطاع، هربا من القصف العنيف الذي طال مناطق غزة والشمال.
مجزرة المعمداني
ونام سكان قطاع غزة ليلة حزينة خيمت فيها بشكل كبير أجواء الحزن والألم، بعد أن شاهدوا صورا القصف العنيف لمشفى المعمداني الذي أوقع مئات الشهداء والجرحى، في مجزرة تعتبر من المجازر الكبيرة التي نفذت ضد المدنيين الفلسطينيين منذ بداية الصراع.
وظل المواطنون يتابعون حتى ساعات الفجر الأولى ليوم أمس الأربعاء الإذاعات المحلية التي كانت تنقل الأخبار بشكل متتال عن المجزرة، فيما حصل البعض ممن توفرت لديهم خدمات إنترنت ضعيفة بصعوبة على صور الضحايا، وبينهم أطفال ونساء ورجال ومسنون، فصلت رؤوسهم عن أجسادهم، وبعضهم بقرت بطونهم وآخرون بترت أطرافهم من شدة القصف.
واستفاق سكان القطاع على هول المجزرة، بعد خروج جنازات الشهداء الذين شيعت جثامينهم دفعة واحدة، من مشفى الشفاء غرب مدينة غزة، حيث نقلوا إليها بصعوبة هم والمصابون، جراح غالبيتهم شديدة الخطورة.
وأبكت صور المجزرة الكثير من السكان الذين عاشوا ليلة من القصف العنيف، حيث لم تكتف قوات الاحتلال بمجزرة المشفى، وطالت أيضا عدة مناطق في القطاع، أسفرت عن وقوع خسائر بشرية كبيرة بعد أن هدمت الكثير من المنازل فوق رؤوس قاطنيها.
«لم أجد طفلي»
ويقول أحد آباء الضحايا الأطفال، حيث كان طفله يعالج من إصابة ويوجد في مشفى المعمداني، إن الطبيب كان قد أخبره بأن هناك أملا صغيرا لبقائه حيا. وتابع وهو يصف حجم المأساة “ذهبت وعدت فلم أجد طفلي ولا الطبيب ولا المستشفى”.
وقد أدت تلك المجزرة إلى تقطع الضحايا إلى أشلاء، وبعضهم بات صعب التعرف عليه، فيما ظهرت لقطات لأطفال مصابين، وهو يواسون أخوة يصغرونهم في السن، وآخرون قد فاضت أرواحهم إلى بارئها، وهم نيام بين أحضان والديهم الذين قضوا معهم في تلك المجزرة.
ووجدت طواقم الإنقاذ صعوبة كبيرة في انتشال جثث الضحايا والمصابين من بين الركام، وأكد جهاز الدفاع المدني أن تلك المجزرة فاقت قدرات الجهاز، وفاقت أيضا الخيال.
ولا تزال آثار المجزرة بعد انتشال الضحايا قائمة، حيث يغطي الركام ساحة المشفى، فيما تفوح رائحة الدم والبارود من كل الأرجاء، فيما غطى اللون الأسود جراء الحريق الذي نشب بسبب القصف ما تبقى من جدران وأشجار ذلك المشفى.
تدوينات وصور
ولاقي وسم “مجزرة المعمداني”، تفاعلا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث نشر المواطنون تدوينات وصورا تظهر حجم المأساة الإنسانية والمجزرة الدامية، بما يفضح روايات الاحتلال.
وقال الدكتور يوسف أبو الريش وكيل وزارة الصحة في غزة، وهو يعبر عن حجم المأساة “نحن أمام مظلومية كبيرة، والاحتلال ارتكب مجزرة مستشفى المعمداني و400 مجزرة بحق العائلات في قطاع غزة”.
وفي تكذيب لرواية الاحتلال بعدم المسؤولية عن ارتكاب تلك المجزرة، أشار إلى أن جيش الاحتلال كان قد قام يوم 14 تشرين الأول/أكتوبر بقصف المستشفى بقذيفتين ما أدى إلى إلحاق إضرار، تلاها اتصال من قبل جيش الاحتلال، يؤكد أن هذه القذائف كانت للتحذير، وأن المتصل تساءل لماذا لم يتم إخلاء المشفى.
وهذا المشفى الذي يدار من قبل إحدى الكنائس العالمية، يقع قرب “ميدان فلسطين” وقد تلقى تهديدا بالقصف مثل أربعة مشاف أخرى، رغم أنه يقدم خدمات صحية وطبية للمصابين والمرضى في ظل عجز المنظمومة الصحية عن تقديم الخدمات على أكمل وجه، بسبب قلة الإمكانيات والمعدات والأدوات الطبية.
دموية تفوق الخيال
وقد أكد أبو الريش أنه تبع ذلك التحذير جهود متواصلة من قبل إدارة المستشفى، حيث تم التواصل مع مطران الكنيسة الإنجيلية في بريطانيا والذي قال إنه اتصل بالمؤسسات الدولية، وبعث برسالة اطمئنان بأن المستشفى بإمكانها العمل.
وطالب باتخاذ إجراءات حازمة لوقف هذه المجازر، وقال “الاحتلال يهدد المستشفيات ولا يتم اتخاذ إجراءات رادعة بحقه، بل يتلقى بدلا من ذلك رسائل طمأنة ودعم”.
وتحدث وكيل وزارة الصحة عن هول المجزرة، وقال وهو أحد الأطباء الذين كانوا في قسم الطوارئ يستقبلون وصول الضحايا والجرحى، وهو يصف ما حصل “لم أر أي مثيل في حياتي، وفاق حتى كل التخيلات”.
ويشير إلى أن ما جرى لم يكن له مثيل في العصور الحالية، وأنه سمع عن مثل هذه المجازر “في العصور البائدة التي تحكي قصص الوحشية والفاشية”.
وحذر من ارتكاب مجازر أخرى تطال المشافي، في ظل شهية الاحتلال المفتوحة، خاصة وأنه قام بقصف محيط المستشفى الأوروبي، وطالب دول العالم الحر بأن يضغط لكف الاحتلال عن قصف المدنيين الآمنين وإلحاق الأذى البليغ بالفلسطينيين.
هذا وقد اضطر العاملون في الطواقم الطبية في مشفى الشفاء، بسبب كثرة عدد الضحايا، إلى إجراء عمليات جراحية لإنقاذ المصابين في ممرات المشافي، بعد أن استقبلت غرف العمليات مصابين فوق طاقتها.
كما أجري العديد من العمليات لمصابين وصلوا إلى هناك من دون أي عملية تخدير، فيما لا يزال آخرون بحاجة إلى عمليات دقيقة لإنقاذ الحياة.
كما يحتاج الكثير من المصابين إلى تدخلات طبية تفوق قدرة المشافي الموجودة في غزة، هم والكثير من المصابين الذين سقطوا منذ بداية الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة.
ولا تزال سلطات الاحتلال ترفض خروج هؤلاء المصابين، في ظل إغلاقها المستمر للمعابر الحدودية، كما تستمر في الوقت ذاته في منع إدخال أي مساعدات طبية وأدوية ووفود طبية خارجية، لسد العجز الموجود في مشافي قطاع غزة، علاوة على استمرارها في منع إدخال الوقود، وقطعها كل إمدادات الطاقة، ما يهدد بتوقف عمل مولدات المشافي، وبالتالي توقف عمل غرف العمليات والعناية الفائقة، ومحطات الأوكسجين وتلف الكثير من الأدوية.
على وشك الانهيار
وباتت المنظومة الصحية في غزة على وشك الانهيار الكامل، حيث أعلنت وزارة الصحة بشكل رسمي أن الإمكانيات العلاجية المتبقية أمامها ساعات قلائل للإعلان نفاذها الفعلي، وأكدت أن الساعات المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مصير آلاف المصابين والمرضى، وأن تأخر الاستجابة لنداءات الاستغاثة التي تطلقها المنظومة الطبية يعني الحكم بإعدام هؤلاء الجرحى والمرضى.
وفي تأكيد على ذلك قال مدير مشفى الشفاء، أكبر مشافي غزة، إن الوضع خرج عن السيطرة تماما في كل مشافي غزة، وإن المنظومة الصحية دخلت مرحلة الانهيار. وبين سلامة معروف رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في غزة وهو يتحدث عن الوضع الحالي في القطاع “بتنا أمام مشهد خاتمة هذه النكبة الإنسانية بنفاد المواد الحياتية الأساسية وبتوقف مستشفيات غزة عن العمل خلال الساعات المقبلة”.
ويؤكد أن ذلك سيحول غزة إلى “مقبرة جماعية” من المرضى والجرحى بسبب توقف العناية الطبية، وانعدام الغذاء والماء، ويشير إلى أن ما جرى باستهداف المستشفى لا يمكن توصيفه إلا بـ “المحرقة”، وأكد أيضا أنها تعد “مجزرة القرن الواحد والعشرين”.
ويشير إلى أن الواقع الإنساني الكارثي يرافقه تراجع واضح في المواقف الدولية تجاه هذه الجريمة ضد الإنسانية، وطالب بخطوات جادة وفورية من المجتمع الدولي لوقف “جريمة التطهير العرقي” التي يرتكبها الاحتلال.
وشدد على ضرورة الاستجابة العاجلة لنداءات الاستغاثة بإدخال المساعدات الاغاثية للمواطنية والإنسانية لمختلف القطاعات الخدماتية.
والجدير ذكره أن الحرب الإسرائيلية الدامية على غزة أدت إلى توقف 33 مركزا صحيا عن العمل، كما أخرجت 23 سيارة إسعاف عن الخدمة بعد استهدافها.
كما استهدفت الغارات 153 مدرسة وألحقت بها أضرارا متنوعة، وأدت كذلك إلى هدم 4500 مبنى سكني بشكل كلي، تضم 12 ألف وحدة سكنية، فيما تضررت 8190 وحدة سكنية بشكل بليغ، و113300 بشكل جزئي.
وبثت مجزرة المعمداني الخوف والرعب في نفوس أولئك المواطنين وأعدادهم بمئات الآلاف، ممن نزحوا قسرا بسبب الغارات إلى المدارس التي تحولت إلى “مراكز إيواء”، أو إلى الساحات العامة ومنازل أقارب لهم في مناطق وسط وجنوب غزة، بعد تحذيرات جيش الاحتلال لسكان غزة وشمالها بالخروج.
الموت بعد دقيقة
وأمام أحد مركز إيواء يقع في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، قال أحد أرباب الأسر الذين فروا إليها من شمال القطاع، إن مجزرة المستشفى أثارت خوفه بشكل أكبر، ويضيف “ماذا يمنع الطائرات من قصف مركز إيواء، بعد أن قصفت المستشفى؟”. وتابع “كل شيء وارد والموت يحيط بالجميع”.
كما جعلت الغارات المتتالية خاصة التي تستهدف منازل المدنيين دون سابق إنذار، السكان إلى الشعور بعدم الأمان ولو لدقيقة واحدة، ويعبر عن ذلك سليمان عايش (64 عاما)، بقوله لمراسل “القدس العربي”: “لا نأمن أن نعيش كمان دقيقة، من يضمن عدم سقوط صاروخ على الحي”.
قصف مخبز
والجدير ذكره أن جيش الاحتلال لم يكتف ليل الأحد بمجزرة المستشفى، حيث ظلت الطائرات تحلق في سماء قطاع غزة وتلقي بحممها على أهداف مدنية كان من أبرزها مخبز يقع في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، والذي يخدم عشرات الآلاف من سكان المخيم، وأعدادا كبيرة من النازحين الذين فروا إلى المخيم من مناطق غزة والشمال، علاوة على قصف العديد من المنازل السكنية الآمنة دون سابق إنذار ما أدى إلى وقوع عشرات الشهداء والإصابات.
وأسفر قصف المخبز عن حدوث أزمة كبيرة في إمدادات الخبز لسكان المخيم المكتظ بالسكان، واندفع المواطنون نحو المخبز المتبقي للحصول على ربطة من الخبر ذات وزن 3 كيلوغرام، ما أدى إلى تكدس كبير واصطفاف المواطنين رجالا ونساء في طوابير طويلة، احتاجت الكثيرين منهم للانتظار أكثر من 3 ساعات متتالية للحصول على حصته.
هذا وينتظر السكان في غزة تحركات دولية عملية لوقف هذه الهجمات الدامية، بعد أن أشبعوا خلال الساعات الماضية بتصريحات لمسؤولين دوليين نددوا بالهجمات، مستندين إلى تجارب سابقة لم ترتدع خلالها دولة الاحتلال بتصريحات كلامية لا تناسب حجم الكارثة.
وقد عبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بعد مجزرة المستشفى عن شعوره بـ”الرعب”، وقال ” أشعر بالفزع من مقتل مئات المدنيين الفلسطينيين في الهجوم الذي وقع اليوم على مستشفى (المعمداني) في قطاع غزة، وهو ما أدينه بشدة. قلبي مع عائلات الضحايا”.
وأدان مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، القصف الإسرائيلي للمستشفى المعمداني في قطاع غزة، كما أدان قصف مدرسة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” في مخيم المغازي للاجئين وسط غزة، كانت تؤوي أكثر من 4 آلاف مدني، أجبروا على النزوح من منازلهم، مشددًا على ضرورة الوقف الفوري للعنف والقتل.
ودعا الدول ذات التأثير إلى العمل على وضع حد لإراقة الدماء، وحماية المدنيين والسماح بالوصول العاجل للمساعدات الإنسانية لكل من يحتاجها، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان والقانون الدولي.
وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية قد قالت في تعقيبها على استهداف المشفى “لا شيء يبرر ضربة على مشفى مكتظ بالمدنيين في غزة”.
ازدواجية المعايير
لكن وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية قالت إن استمرار المجتمع الدولي في توجيه المطالبات إلى الحكومة الإسرائيلية بوقف العدوان وإطلاق النار أو فتح ممرات إنسانية لإدخال المساعدات الغذائية والطبية للقطاع، يعني منحها “الفيتو” على هذه المطالب الإنسانية، كما يجرد القانون الدولي من أي حماية أو حصانة، ويُخضعه لقرارات الحكومة الإسرائيلية، بدلا من أن يتمتع بالقدرة على فرض القانون الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
وأضافت الخارجية في بيان لها، أن إسرائيل تحاول التنصل من مسؤوليتها عن المجزرة الوحشية التي ارتكبتها في المستشفى المعمداني في مدينة غزة، بهدف تحييد أي ضغط دولي لوقف العدوان على قطاع غزة، حتى تتمكن من الاستمرار في تنفيذ مخططها الاستراتيجي لتدمير قطاع غزة وتهجير سكانه.
وطالبت بموقف دولي شجاع ينحاز إلى مبادئ حقوق الإنسان وإلى حقوق المواطنين المدنيين، يجبر دولة الاحتلال على وقف العدوان وفتح الممرات الإنسانية، وتزويد قطاع غزة بالاحتياجات الإنسانية الأساسية.
وأشارت إلى أن مهمة مجلس الأمن والمجتمع الدولي لا تقف عند حد تشخيص أبعاد الكارثة الإنسانية التي حلت بشعبنا في قطاع غزة أو توجيه المناشدات إلى الحكومة الإسرائيلية بالالتزام بقوانين الحرب تجاه المدنيين، بل تتعداها إلى اتخاذ ما يلزم من الإجراءات العملية لإجبار إسرائيل على وقف الحرب فوراً. وأكدت أن ازدواجية المعايير الدولية تعطي إسرائيل حق النقض “الفيتو” على المطالبات والمواقف الدولية الداعية إلى وقف الحرب فوراً وفتح الممرات الإنسانية.
محرقة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل الصامد في وجه ابرتهايد الصهيو أمريكية الفاشية منذ 1948 وإلى يوم الناس هذا 🇵🇸✌️⏰🔥🐒🐖