غزة ـ «القدس العربي»: كما مرات سابقة كثيرة، فشلت جهود الوسطاء في إرساء تهدئة تنهي الحرب على غزة، وتوقف عمليات «الإبادة الجماعية» التي تمارس ضد السكان من قبل قوات الاحتلال، وتصاعدت عمليات القصف والاستهداف الدامي في عيد الفطر، كما كان الوضع خلال شهر رمضان، وذلك بسبب إصرار حكومة تل أبيب، على إبقاء احتلالها لقطاع غزة، وعدم قبولها بفكرة إنهاء الحرب بشكل كامل.
تعثر المحادثات
ولم تنجح الوساطة الأخيرة التي قامت بها كل من مصر وقطر والإدارة الأمريكية، ونشطت قبل أيام قليلة من حلول عيد الفطر، في التوصل إلى صيغة تهدئة تنهي الحرب الإسرائيلية على غزة، والتي دخلت شهرها السابع.
وعادت غارات الجيش الإسرائيلي لتشهد تصاعدا كبيرا أثناء المحادثات، في إطار سياسات الضغط الميداني التي تمارسها قوات الاحتلال، وزادت وتيرتها أكثر بعد فشلها، لتوقع مئات الضحايا، رغم انسحاب قوات الاحتلال من مدينة خانيونس، التي استمرت فيها العملية البرية لأربعة أشهر متتالية.
وعلى عكس كثير من التحليلات، فإن ذلك الانسحاب من خانيونس، والذي جاء مفاجئا من قبل جيش الاحتلال، والذي سبق محادثات التهدئة الأخيرة بيومين فقط، لم يكن مقدمة لتسهيل الأمور للتوصل إلى اتفاق، كما روج الإعلام العبري والأمريكي، بل كان ضمن تكنيك عسكري إسرائيلي، يهدف إلى تعزيز نظرية تقسيم قطاع غزة إلى منطقة في الشمال وأخرى في الجنوب، وإلى إفساح المجال مستقبلا لشن عملية برية على منطقة أخرى، يعتقد أن تكون مدينة رفح المجاورة، التي يريد الاحتلال تفريغ سكانها ونازحيها إلى شمال المدينة، وتحديدا إلى مدينة خانيونس.
وقد جرى التدليل على هذا الأمر، في استمرار التعنت الإسرائيلي، الرافض لفكرة «إنهاء الحرب» والعمل على الذهاب لاتفاق يوقف إطلاق النار مؤقتا (خلال عمليات تبادل الأسرى) ويعيدها لاحقا حسب المزاج الإسرائيلي، ويمكن جيش الاحتلال من شن أي هجوم على غزة، سواء من خلال الاستهداف الجوي أو التوغل البري، بذريعة منع هجمات المقاومة.
وفي غزة، لم يكن السكان يعقدون رغم التصريحات الأمريكية آمالا على نجاح هذه الجولة، التي شارك فيها مسؤولو أجهزة المخابرات في مصر وأمريكا علاوة على رئيس الوزراء القطري، بمشاركة وفود من حركة حماس ودولة الاحتلال، التي مثلها رئيس «الموساد».
ولذلك تعايشوا مع الواقع المرير كما كان الوضع قائما في الفترة الماضية، فأمضوا عيدهم كما أيام الحرب، يترقبون غارة جوية قريبة، أو قصفا مدفعيا، أو سماع أصوات الطائرات الحربية، وينتظرون مصيرهم المجهول في ظل ضعف ردة الفعل الدولية، التي لم تنجح في إجبار دولة الاحتلال على تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي، بوقف الحرب.
بنود المقترح الجديد
وقد اتضح بعد الكشف عن بنود المقترح الأمريكي الجديد، الذي قدم في محادثات التهدئة الأخيرة التي استضافتها العاصمة المصرية القاهرة، والذي جرى تسويقه على أنه «حل وسطي» أنه جاء في إطار محاولات خطيرة لتمرير مطالب إسرائيل، من خلال تبديل بعض الكلمات التي قدمت في المقترحات السابقة التي رفضتها حركة حماس والمقاومة، مع إبداء مرونة في بعض النقاط الخلافية، والتي لا علاقة لها بإنهاء الحرب.
واشتمل المقترح الأمريكي الجديد حسب ما كشف، عن عقد صفقة تبادل أسرى، تشمل إفراج إسرائيل عن عدد أكبر من الأسرى الفلسطينيين مقابل إطلاق سراح 40 أسيراً إسرائيليا لدى المقاومة.
ويكون تنفيذ هذا الأمر من خلال عدة مراحل، تستمر الأولى لستة أسابيع، وتشمل إفراج إسرائيل عن 900 أسير من بينهم 100 من ذوي الأحكام العالية.
كما اشتمل الاقتراح الجديد، على إفساح المجال للنازحين من مدينة غزة وشمالها، والذين نزحوا قسرا لمناطق وسط وجنوب القطاع، بالعودة إلى مناطقهم، بعد انسحاب قوات الاحتلال عن محاور التحكم في حركة المرور على شارعي صلاح الدين والرشيد لـ 500 متر.
كذلك اشتمل الاقتراح الأمريكي، على إدخال ما بين 400 و500 شاحنة مساعدات يوميا إلى سكان قطاع غزة، الذين يعانون من ويلات الحرب والجوع وسوء التغذية.
اللعب على الكلمات
وظهر من المقترحات الأمريكية الجديدة وكأنها تلبي مطالب المقاومة في ظاهرها العام، غير أن تفسير بنودها بدقة، يظهر أنها احتوت على جمل جرى فيها «اللعب» على الكلمات، لتحقق في نهايتها مطالب دولة الاحتلال.
ففي تفاصيل المقترح الأول، طلبت إسرائيل إطلاق سراح 40 من أسراها من المدنيين الأحياء، وفي حال تعذر ذلك، يطلب من المقاومة أن تكمل العدد من العسكريين، وهو أمر ترفضه المقاومة، وتصر على أن ثمن الجنود والضباط الأسرى أعلى من المدنيين.
وفي المقترح الثاني الذي يشمل إعادة النازحين، اشترطت إسرائيل أن لا يكونوا «عسكريين» وفق تعبرها، وهو ما يتيح لها رفض أو الموافقة على عودة من تريد، حيث لا يمنع ابتعاد جنود الاحتلال عن شوارع العودة التحكم في الأمر، في ظل امتلاك دولة الاحتلال إمكانيات متطورة وطائرات مسيرة، وكاميرات يمكن لها تحديد شخصية العائدين.
ويعني ذلك أن البند في مجمله يشابه ما عرض في محادثات التهدئة السابقة التي حددت فيها إسرائيل العودة للنساء والأطفال وكبار السن.
وفي سياق المحاولات الرامية لتضليل الرأي العام الدولي، نقلت تقارير عبرية عن مسؤولين في حكومة تل أبيب، أن حكومتهم «قطعت شوطا طويلا في موضوع عودة النازحين إلى شمال قطاع غزة» وزعمت أن الاقتراح المقدم لحماس يعرض إسرائيل لـ «معضلة حقيقية» بسبب ضغوط الوسطاء.
أما عن إدخال المساعدات، فربما يكون الأكثر قابلية للتنفيذ، ويراعي مطالب سكان غزة، غير أنه لا يصلح لأن يكون منعزلا عن باقي البنود، وقد يكون مرد الأمر تخفيف إسرائيل حدة الانتقادات الدولية ضدها، بعد صدور تقارير لمنظمات أممية تؤكد تفشي حالات الجوع وسوء التغذية، ما يهدد بانتشار المجاعة بحلول الشهر المقبل، في حال لم يتم وضع حل لأزمة الطعام لسكان غزة.
لكن أخطر ما كان خفيا في هذا المقترح الجديد، الذي ادعت الإدارة الأمريكية تعديله عما قدم في المحادثات الأخيرة، هو عدم شموله على مصطلح «وقف الحرب» واستبداله بـ «الهدوء».
كما لا يشمل المقترح انسحابا كاملا لقوات الاحتلال من قطاع غزة، حيث ترافق تقديم المقترح مع تهديدات رئيس حكومة الاحتلال بشن هجوم بري على رفح، والإبقاء على قواته التي تقسم القطاع إلى قسم في الشمال وآخر في الجنوب، ما يعني استمرار وجود قوات الاحتلال في عمق غزة.
ويتضح ذلك من المرحلة الثانية للاتفاق، التي ستعقب مدة الستة أسابيع الأولى، وفيها يتم إطلاق سراح كل الأسرى الإسرائيليين والانتهاء من مفاوضات العودة إلى «الهدوء المستدام» فيما لم يعرض المقترح بنودا تؤكد على إطلاق سراح كامل الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال.
حركة حماس بعد عودة وفدها القيادي من القاهرة، أعلنت عن تسلمها الموقف الإسرائيلي، وأوضحت أن الموقف الإسرائيلي «ما زال متعنتاً ولم يستجب لأيٍّ من مطالب شعبنا ومقاومتنا» وأضافت «ورغم ذلك فإن قيادة الحركة تدرس المقترح المقدم بكل مسؤولية وطنية، وستبلغ الوسطاء بردّها حال الانتهاء من ذلك».
وقال رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية «حتى هذه اللحظة، العدو الصهيوني يماطل ويتهرب من الاستجابة للمطالب لتقديم الاستحقاق المطلوب للتوصل لاتفاق».
موقف حماس
وقد فسر القيادي في الحركة محمود مرداوي أكثر موقف الحركة، وما دار في هذه الجولة، وأكد أن العرض المقدم لا يشمل وقفا تاما لإطلاق النار في غزة، حيث جرى استبدال ذلك بمصطلح «الهدوء المستدام» وهو أمر قال إنه يسمح لقوات الاحتلال بالقيام بعمليات عسكرية ضمن وتيرة محدودة، لتبرير أي هجمات مستقبلية.
والقيادي في الحركة قال أيضا إن المقترح الأخير المقدم «نعتبره عرضاً إسرائيلياً مرفوضاً ولا يتطرق بأي حال من الأحوال للمطالب الفلسطينية المتمثلة بالانسحاب الشامل ووقف إطلاق النار وإعادة النازحين من دون قيد أو شرط والإغاثة والإعمار بما يلبي مطالبنا مطلقا».
وأشار إلى أن المقترحات التي قدمت للحركة «لا تتضمن هذه الأسس التي تشكل قاعدة للوصول لأي اتفاق قادم مناسبا» لافتا إلى أنه في الجوهر «لا يختلف عن العروض السابقة» وإلى وجود «تغيير في الديباجة» فيما يتعلق بالنازحين وبعض الإزاحة للجيش في وسط قطاع غزة، «من دون تخلي الجيش عن الانسحاب المطلق من القطاع».
وقد تحدث عن المقترح السابق، حيث قال إنه كانت الإشارة فيما يتعلق بعودة النازحين دون حد معين من الإعمار يمنع عودتهم، وأضاف «في المقترح الحالي تم الحديث عن المدنيين والعسكريين الرجال بشكل فضفاض يسمح للاحتلال بتفصيل إطار التنفيذ بما يتوافق مع مزاجه».
مرداوي أكد أن المقترح الجديد لا يتضمن الانسحاب الكامل، ويضمن الحرية لبقاء الاحتلال والسيطرة على أماكن يتحدث عن نوايا له فيها سواء بإقامة «حزام أمني» يفصل شمال القطاع عن الجنوب يصبح «منطقة عازلة بشكل دائم» معلنا بأن المقاومة لن تقبل الدخول في «التقسيمات والتجزئة».
وأكد أن حماس تطالب بعودة النازحين كاملة من دون شرط أو قيد، موضحا أيضا أن الاحتلال حدد عدد أسراه كاملاً بدون أن يتطرق للأسرى الفلسطينيين وترك الملف والأسماء والأعداد للمزاج الإسرائيلي.
تصاعد المجازر
وفي عملية تظهر استخدام الدم الفلسطيني للضغط في المفاوضات، كثفت قوات الاحتلال من هجماتها العسكرية ضد القطاع مع بدء الجولة الأخيرة، وبعد انتهائها وتسلم حماس المقترح، في محاولة للدفع باتجاه قبوله.
وشن الطيران الحربي الكثير من الغارات التي كانت أعنف من الفترة التي سبقت الجولة، والتي كان فيها جيش الاحتلال لا يزال يتمركز داخل عمق مدينة خانيونس.
وفي اليوم الأول من عيد الفطر، اغتالت إسرائيل سبعة من أبناء وحفدة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، في غارة استهدفتهم في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة.
ولم تمض سوى ساعات قليلة على الحادثة، حتى قام جيش الاحتلال بشن هجوم بري مباغت على مخيم النصيرات وسط القطاع، تخلله قصف جوي عنيف على العديد من الأماكن، حيث دمرت الغارات مساجد وأراضي ومنازل، وأوقعت عشرات الضحايا، وقبل ذلك قام جيش الاحتلال بارتكاب مجزرة دامية ضد أحد العوائل بمخيم النصيرات وسط القطاع ليلة العيد.
كما أعقب ذلك قيام جيش الاحتلال بشن غارات دامية أخرى، أوقعت عشرات الشهداء والمصابين، وقد أظهرت الإحصائيات الطبية ارتفاع أعدادهم، ومن ضمنهم أطفال ونساء.
جدير ذكره ان عدد ضحايا الحرب من الفلسطينيين، بلغ أكثر من 33500 شهيد، وأكثر من 75 ألف مصاب، غالبيتهم من الأطفال والنساء.
وقبل هذا كله، كان نتنياهو، أكد أنه جرى تحديد موعد لشن هجوم على مدينة رفح، لكنه لم يعلن عن هذا الموعد، وقال إنه سيمضي في الحرب من أجل «الانتصار على مقاتلي حركة حماس» وأن ذلك «يتطلب دخول رفح والقضاء على الكتائب» وأضاف «الأمر سيحصل، تم تحديد موعد».
وفي هذا السياق، كان منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة جيمي ماكغولدريك، أعرب عن قلقه من أن يكون انسحاب قوات جيش الاحتلال من مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، مقدمة لتنفيذ خطة التوغل الإسرائيلي في مدينة رفح، وقال إنه «يجب أن ندرك أن الحرب لم تنته بعد بالنسبة لهم، وأعتقد أن الانسحاب من خانيونس يهدف إلى إعدادهم لما هو قادم».
ولذلك يتوقع الفلسطينيون في غزة، أن تزداد وتيرة الحرب في قادم الأيام، بعد فشل الجولة الحالية من محادثات التهدئة، مستندين إلى مرات سابقة كثيرة.
جميع حكام المنطقة مذعورون و همهم الوحيد ” التهدئة
ولو على حساب الدم الفلسطيني الزكي الطاهر الذي يسقي فلسطين منذ 1948 ✌️🇵🇸☹️☝️🚀🐒🚀🐒🚀🐒