يواصل الشباب في قطاع غزة الهجرة نحو أوروبا، أملاً في حياة معيشية أفضل كما يعتقد الكثير منهم، رغم مشاهد الغرق والموت التي اعتادوا على مشاهدتها مؤخراً ، خلال هجرة الشباب من تركيا إلى اليونان عبر البحر، وما تحمله هذه الرحلات من خطر على حياة المهاجرين.
وقدمت السينما الفلسطينية عدة أفلام قصيرة، تحاكي مخاطر قوارب الهجرة غير الشرعية على الشباب الفلسطيني التي تؤدي إلى الموت، حيث تم إنتاج فيلمين الأول بعنوان «قارب الموت» والثاني «فرصة موت» وذلك لتوعية الشباب على التراجع عن الهجرة غير الشرعية، والتي تدمر حياتهم على عكس ما يضنون.
ويخاطر الشباب في غزة بحياتهم للحصول على حياة كريمة في إحدى الدول الإسكندنافية، حيث تبدأ خطوات الرحلة الشاقة بالحصول على الفيزا التركية، ثم الحصول على موافقة السلطات المصرية لعبور مصر وبلوغ الأراضي التركية، ومن ثم ركوب أمواج بحر إيجة وصولاً إلى اليونان، ومن ثم ينطلق المهاجرون كلاً حسب رغبة توجهه.
وتتزايد أعداد المهاجرين من قطاع غزة سواء بصورة مؤقتة أو دائمة، في ظل غياب الأفق وغموض المستقبل والانقسام الفلسطيني، حيث أن غالبية كبيرة من الذين يهاجرون هم من حملة الشهادات العلمية المرموقة ومن أصحاب المهن، ممن فقدوا حقهم في الحصول على فرص عمل مناسبة لهم، فمنهم من يستقر داخل تركيا وآخرون يتجهون نحو الهجرة لأوروبا.
ووفق وزارة الداخلية في غزة، فإن أكثر من 74 ألف فلسطيني في قطاع غزة تمكنوا من السفر خارج القطاع عبر معبر رفح منذ بداية العام الحالي، فيما عاد منهم 57 ألفاً فقط وبقي خارج القطاع نحو 17 ألفاً، سواء سافروا بغرض هجرة شرعية عن طريق المعابر أو غير شرعية عبر قوارب الموت والتهريب.
ووفق معطيات شبه رسمية، فإن عدد من ماتوا جراء الغرق خلال رحلات الهجرة وصل 39 شاباً فلسطينياً، عدد كبير منهم لم يتم التوصل إلى أي أثر لهم، بخلاف أعداد المفقودين في تركيا وانقطعت الاتصالات مع عائلاتهم، إلى جانب من فقدوا في الطريق قبل وصولهم تركيا.
وعجت مواقع التواصل قبل أسابيع بحادثة الغرق لشاب من مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، الذي أرسل رسالة صوتية عبر تطبيق محادثة من خلال الهاتف لوالدته وهو يصرخ فيها ويستنجد باكياً، أثناء غرقه في بحر إيجة الفاصل بين تركيا واليونان، بعد انقلاب مركب الهجرة الذي كان على متنه برفقة ثلاثين مهاجراً جميعهم من قطاع غزة، في حين فقد 185 شاباً من قطاع غزة حياتهم عام 2014 كانوا على متن سفينة أبحرت من شواطئ الإسكندرية متجهة إلى إيطاليا، ومن ثم اختفت آثارها وانقطع الاتصال بها.
ويقول مجدي سمير لـ«القدس العربي» والذي ينوي السفر إلى تركيا خلال الأيام المقبلة، أنه تراجع بشكل قاطع عن فكرة الهجرة من خلال البحر نحو أوروبا، ففكرة الهجرة بالنسبة له لم يتراجع عنها، ولكن يعمل جاهداً للبحث عن طريق آمن، يتمكن من خلاله من تحقيق حلمه بالسفر إلى أوروبا، لتجاوز أوضاعه الصعبة بسبب عدم وجود فرصة عمل له.
أما ناصر حامد فلم تثن مشاهد الغرق والموت عزيمته على الهجرة نحو أوروبا، فناصر وصف لـ«القدس العربي» رحلة الموت ومخاطرها بالأفضل من العيش في قطاع غزة المحاصر، فصعوبة الحياة وانعدام فرص العمل في غزة تجبرنا كشباب على الهجرة.
ويشكل انعدام فرص العمل للشباب في غزة، الحجة الكبيرة أمام الكثيرين نحو التفكير في الهجرة رغم ما تحمله من مخاطر على حياتهم، حيث تتجاوز أعمار الشباب الثلاثين عاماً وهم غير قادرين على إعالة أنفسهم أو الزواج، بسبب عدم تمكنهم من توفير تكاليف الزواج، إلى جانب أن عددا كبيرا منهم يواجه مشاكل اجتماعية وضغوط من قبل أسرهم تجبرهم ذلك على الهجرة.
ويقول الحقوقي صلاح عبدالعاطي إن الوضع الاقتصادي في قطاع غزة، يزداد سوءاً يوماً بعد يوم وهذا ما يدفع إلى التفكير بالهجرة من قبل الشباب إلى أوروبا، رغم معرفتهم الكاملة بسلبياتها ومخاطرها.
ويقول لـ«القدس العربي» إن معدلات البطالة في صفوف سكان غزة وصلت إلى مستويات خطيرة، حيث تصنف تقارير دولية سكان القطاع بالأشد فقراً، وهذا الواقع أنشأه الاحتلال الإسرائيلي الذي عمل على التضييق على الشباب وإجبارهم على الهجرة إضافة إلى الإنقسام الفلسطيني الذي انعكس سلباً على أوضاع غزة اقتصادياً.
وأوضح أن غالبية كبيرة من الشباب الذين هاجروا إلى أوروبا لم تتحسن أوضاعهم المعيشية، فهم يتقاضون رواتب شهرية لا تكاد تسد احتياجاتهم الشخصية، وتصل في أحسن أحوالها إلى 900 يورو، بالإضافة إلى أن هناك من يتعرضون لمضايقات من العصابات في أوروبا، ولكن في نهاية المطاف يحاول الشبان من خلال الهجرة البحث عن أي بارقة أمل.
وبين أن بعض الشباب في غزة، يرغبون بعضهم البعض بفكرة الهجرة وهذه ظاهرة سلبية يتم ترويجها بين الشباب، فهناك العديد ممن هاجروا لم يرغبوا بذلك، ولكن الإغراءات جعلتهم يغامرون.
وطالب الحقوقي عبدالعاطي المجتمع الدولي، بالعمل على لجم ممارسات الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، خاصة سكان غزة الذين يعانون من حصار ظالم ممتد لأكثر من 15 عاماً على التوالي، ضرب كافة مناحي الحياة وأدى إلى إحداث أزمات متراكمة على المواطنين.
ويعاني أكثر من مليوني فلسطيني في القطاع من تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ووفق بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن معدلات البطالة والفقر ارتفعت في عام 2021 إلى ما نسبته 89 في المئة، أما معطيات نقابة العمال الفلسطينيين فأشارت إلى وجود أكثر من 150 ألف عاطل عن العمل في غزة، فيما قدر إجمالي العاطلين عن العمل من فئة العمال أو الذين فقدوا مصدر رزقهم أو الخريجين بلا عمل قرابة ربع مليون شخص، في المقابل وصف تقرير الأمم المتحدة لعام 2020 قطاع غزة بأنه منطقة منكوبة، ويقول منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية، إن جميع المؤشرات في غزة تسير في الاتجاه الخطأ.