يشهد قطاع غزة مجاعة حقيقية غير مسبوقة، في مقابل ذلك تعم القطاع فوضى خطيرة في ظل غياب الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة حماس عن التحرك بحرية وضبط الفلتان الأمني الذي تقوم به عصابات قطاع طرق تعمل على سرقة شاحنات المساعدات، وتعتدي على المواطنين وتسرق أمتعتهم، الأمر الذي سبب حالة من الخوف والقلق لدى المواطنين. ويجد سكان غزة صعوبة في الحصول على الطحين والمواد التموينية الأساسية الأخرى بعد أن توقفت وكالة الأونروا ومنظمة الأغذية العالمية والعديد من المؤسسات الإغاثية عن إمداد المواطنين بالمعونات الغذائية بسبب نفادها من مستودعاتها، وعدم وصول الشاحنات، بعد الاعتداء المستمر عليها من عصابات قطاع الطرق. حيث سجلت قبل أيام قليلة حادثة نهب هي الأخطر، بعد أن سرق لصوص معونات 109 شاحنات طحين من أصل 150 شاحنة، كانت في طريقها إلى مستودعات الأونروا ومنظمة الأغذية العالمية في جنوب غزة.
وبعد وصول الأوضاع في غزة وخاصة جنوبها، الذي يشهد تكدسا كبيرا بأعداد النازحين الذين يعيشون في ظروف صعبة، إلى منحنيات خطيرة ومقلقة، شكلت حماس وحدة أمنية مهمتها التصدي للعصابات ومنعهم من السطو على الشاحنات، حيث بدأت الوحدة باعتقال كل من يثبت تورطه بالاعتداء على الشاحنات، واستهداف العصابات التي تعمل على مقربة من تواجد الجيش الإسرائيلي شرق مدينة رفح بالقذائف المضادة.
قطاع الطرق
بالقرب من معبر كرم أبو سالم التجاري الإسرائيلي مع غزة، يكمن عدد كبير من قطاع الطرق بين الأحراش والمباني السكنية المهدمة، انتظارا لوصول الشاحنات المحملة بالطحين والمواد الغذائية للسطو عليها وسرقتها وبيعها بأثمان باهظة، لكن هذه الأفعال أحدثت عجزا في الخدمات المقدمة من قبل مؤسسات الإغاثة العاملة في غزة، التي باتت مستودعاتها فارغة، ويتذمر المواطنون من الأفعال المشينة التي يقوم بها أفراد عصابات يعملون ضمن أجندة إسرائيلية لبث الفوضى في القطاع.
بالنسبة لحماس تعتبر أن قادة العصابات يعملون وفق تعليمات الجيش الإسرائيلي، ففي الوقت الذي تتحايل فيه إسرائيل على ضغوط أمريكا والمجتمع الدولي لإدخال المساعدات إلى غزة، تعمل في المقابل على دفع أفراد للعمل على بث الفوضى في القطاع، من خلال السطو على شاحنات المساعدات وابتزاز المواطنين والتجار وإحداث مجاعة، حيث باتت تتفشى مجاعة حقيقية في غزة، بعد الشح الحاد في المواد التموينية، وإن توفر القليل منها يباع بأسعار باهظة لا يمكن للمواطنين الحصول عليها في ظل الظروف المعيشية الصعبة.
وأعلنت 29 منظمة إغاثة في غزة، تورط الجيش الإسرائيلي بتوفير غطاء لعصابات مسلحة لسرقة المساعدات التي تدخل إلى غزة، في الوقت الذي يدعي فيه الجيش أن حماس هي من تسرق المساعدات، حيث تفرق إسرائيل بين من يعملون على تأمين وصول المساعدات ومن يعترضونها، حيث تقتل مجموعات التأمين في المقابل تترك العصابات تطلق النار على الشاحنات، وتسرق محتوياتها وتفرغها داخل أراضي قريبة من تواجد الجيش الإسرائيلي.
وتقول مسؤولة الطوارئ في وكالة الأمم المتحدة الأونروا لويز واتريدج، إن نهب المساعدات يؤدي إلى وقوع أضرار جسيمة بالشاحنات، وفي بعض الأحيان خسارة كبيرة للبضائع، فالحوادث الأخيرة كانت الأخطر من حيث كميات المعونات التي تمت سرقتها، في حين أن عمليات النهب تحصل في مناطق تخضع للرقابة الإسرائيلية والجيش لا يتدخل لمنعها.
وفند مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة مزاعم وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الذي يقول إن إسرائيل تسهل وصول المساعدات إلى السكان في غزة لكن حماس تسطو عليها، حيث أكد الثوابتة أن الجيش يمارس عملية تضليل من خلال السماح بدخول مساعدات محدودة إلى غزة تحت ضغط المجتمع الدولي، في حين يسهل عمل عصابات مسلحة خارجة عن القانون، ويقدم لهم معلومات عن مواعيد وصول الشاحنات وحمولتها، وأفعال هذه العصابات سببت مجاعة في القطاع. في المقابل ينفي كبير الدبلوماسيين الأمريكيين المشاركين في إرسال المساعدات إلى غزة ديفيد ساترفيلد، مزاعم إسرائيلية بأن حماس هي من تسرق المساعدات، حيث لا توجد أدلة على قيام الحركة بذلك.
معاناة خطيرة
ويروي عدد من سائقي الشاحنات المخصصة لنقل البضائع لـ «القدس العربي» عن معاناتهم الخطيرة التي يتعرضون لها بشكل يومي بعد تفشي ظاهرة قطاع الطرق واستخدامهم السلاح في السيطرة على الشاحنات، وتخريب المركبات في كثير من الأحيان، ومنع حمولتها من التفريغ داخل أماكنها المخصصة، إلى جانب تعرض بعض السائقين للموت والإصابة بإعاقات، بعد الاعتداء الوحشي عليهم من قبل العصابات.
يقول السائق أبو محمد «أعمل في مهنة نقل البضائع من معبر كرم أبو سالم ورفح منذ أكثر من عشرين عاما، وتعتبر المهنة مدرة للمال وغير شاقة وآمنة، لكن منذ بداية الحرب بدأت تتحول إلى مهنة شاقة وخطيرة، تارة من الاحتلال الذي يعيق حرية عمل الشاحنات، وتارة من قطاع الطرق الذين يعتدون بشكل وحشي على الشاحنات، ويسرقون محتوياتها تحت تهديد السلاح».
يوضح السائق أن «المهمة الموكلة لي هي نقل شحنات من الطحين والمساعدات إلى مخازن الأمم المتحدة في جنوب غزة، لكن منذ فترة قصيرة تصاعدت عمليات اعتراض طريق الشاحنات بشكل كبير، ويخرج قطاع الطرق إلينا بشكل جنوني وهم يطلقون النار صوب الشاحنات، ويرشقونها أيضا بالحجارة لمنعها من إكمال طريق سيرها».
ولفت إلى أن «العصابات تستهدف الشاحنات المحملة بكراتين المساعدات والطحين، وهي الأصناف الأكثر طلبا وتشهد أسعار بيعها في الأسواق ارتفاعا جنونيا، لذلك هناك شاحنات محملة ببضائع لا يتم التعرض لها، بينما شاحنات الطحين يتم سرقتها بشكل كبير، وهذا دليل قاطع على أن العصابات تعمل ضمن مخطط إسرائيلي لإحداث مجاعة بين السكان».
أما السائق أبو السعيد فقد تعرض للإصابة بطلق ناري في ساقه قبل أيام، كما أن شاحنته الخاصة تعرض زجاجها للتكسير، بعد أن حاول الفرار من قطاع الطرق على مقربة من معبر كرم أبو سالم التجاري على شارع صلاح الدين شرقي غزة، حيث فوجئ خلال نقله لشحنة طحين بخروج عصابات مسلحة طلبت منه التوقف، لكن أطلقت النار عليه وكاد أن يفارق الحياة.
ويؤكد أن «العصابات ليست لها علاقة بحماس، وإنما يعملون وفق أجندة إسرائيلية وبالتعاون مع الجيش، والدليل على ذلك أنها تكمن في مناطق ضمن سيطرة الجيش الإسرائيلي، ولا يمكن لأي شخص غير سائقي الشاحنات الذين يحصلون على تصاريح الوصول إلى تلك المناطق، بالإضافة إلى أن عمليات السرقة تجري تحت أعين الجيش وبشكل ممنهج ومتعمد، ومواعيد وصول الشاحنات يكون أفراد العصابات على علم بها».
ويتمنى السائق أن «تتمكن وحدات الأمن التابعة لحماس من ضبط حالة الفلتان والسطو على الشاحنات، ووضع حد لهذه الظاهرة الخطيرة التي باتت تتصاعد، ويعمل ضمنها أعداد كبيرة من الشبان الذين يتم إغراؤهم بالأموال والمساعدات التي يحصلون عليها بطرق غير قانونية».
يشار إلى أن الجيش الإسرائيلي ومنذ بدء حرب الإبادة على قطاع غزة في تشرين الأول/اكتوبر2023 يتعمد تجويع السكان من خلال منع إدخال المساعدات، وخاصة المواد التموينية الأساسية مثل الطحين والأرز وغير ذلك من المواد، لكن بعد ضغوط الإدارة الأمريكية على إسرائيل لإدخال المساعدات الإنسانية، اتجه الجيش لإيجاد طرق بديلة يحقق من خلالها مجاعة وفوضى في غزة، من خلال تشكيل عصابات تمنع وصول المساعدات إلى مخازن المؤسسات الإغاثية.