أجبرت نازحات في مناطق مختلفة من جنوب قطاع غزة على خوض مهن شاقة من أجل توفير المال وجلب الطعام في ظل صعوبة الأوضاع المعيشية، حيث فرضت الحرب ظروفا قاهرة على كثير من العائلات، بعد أن فقد الفقراء على وجه الخصوص في قطاع غزة المساعدات النقدية المقدمة من الجهات الحكومية والمؤسسات الإغاثية الدولية، ما انعكس سلباً على حياة النازحات ممن يجدن صعوبة في توفير الطعام لأسرهن.
وبعد مرور أكثر من شهرين على توقف إدخال المساعدات الإنسانية للمحتاجين الذين كانوا يعتمدون عليها بسبب إغلاق معبر رفح بعد العملية البرية الإسرائيلية، بدأت حياة الفقراء تتأزم، مع أن الاحتلال فتح المجال للقطاعات التجارية باستيراد البضائع التي باتت منتشرة في الأسواق، لكن عدم توفر النقود لدى آلاف العائلات المحتاجة زاد من معاناتهم.
ومن أبرز الأعمال التي بدأت تمتهنها النساء داخل مخيمات النزوح، بيع الفلافل على الطرقات العامة، ومهنة التحطيب بالإضافة إلى صناعة أفران الطين وبيعها، هذه المهن بالعادة كانت مقتصرة على الرجال نظراً للجهد الكبير الذي يحتاجه العمل فيها.
وحذرت الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني «حشد» من التداعيات الخطيرة المترتبة على ارتفاع معدلات المجاعة والفقر بين السكان في قطاع غزة بفعل حرب الإبادة المستمرة للشهر العاشر على التوالي، وحسب الهيئة فإن النساء على وجه التحديد تأثرن بشكل لافت بتداعيات الحرب، في المقابل حذرت منظمة الصحة العالمية من تدهور أوضاع الناس في غزة لدرجة بيع الكثير ممتلكاتهم للحصول على الغذاء، في وقت أكدت فيه المنظمة أن هناك أكثر من 80 في المئة من الأطفال في القطاع يعانون من فقر غذائي حاد. وفي منطقة مواصي خانيونس جنوب غرب قطاع غزة، حيث تعج بمئات الآلاف من النازحين الفارين من شبح الموت من شمال المدينة يعيش هؤلاء في ظروف صعبة بين أكوام النفايات والحرارة المرتفعة، وتتوزع المعاناة بين خيام النازحين ومظاهر الفقر والجوع تبدو لافتة للمارة من أمام تلك الخيام.
ثلاثة أبناء
وزوج عاطل عن العمل
وفي أحاديث منفصلة لمراسل «القدس العربي» أعربت مجموعة من النساء عن تذمرهن من الحال الذي وصلن إليه، من جراء الحرب المستعرة والممتدة منذ أشهر، والتي زادت من أوضاعهن صعوبة في ظل عدم مقدرتهن على تلبية أبسط احتياجاتهن، لعدم توفر أي مصدر دخل.
النازحة أم خالد فتاة في الخامسة والثلاثين من عمرها، لديها ثلاثة من الأبناء وزوجها عاطل عن العمل منذ سنوات، وتعتمد أسرتها في الأيام الطبيعية على ما تقدمه وزارة التنمية الاجتماعية من مساعدة مالية لها ولمثلها من آلاف الفقراء والمحتاجين، لكن منذ بداية الحرب توقفت المساعدة ما ضاعف من معاناتها مع عدم وجود مصدر دخل آخر للعائلة.
تقول: «أخرج كل يوم برفقة بعض الصديقات داخل مخيم النزوح لجمع الحطب وتقطيعه وبيعه لأصحاب تكيات الطعام الخيرية، الذين يحتاجون الحطب بكميات كبيرة مع شح غاز الطهي، وذلك مقابل أجر مادي زهيد أتمكن من خلاله من توفير الطعام لأطفالي».
أما النازحة أم خضر فسلكت هي الأخرى طريقا شاقا لجلب المال لإطعام أطفالها درءا للجوع وتفشي الأمراض بسبب سوء التغذية، فعملت في بيع الفلافل على باب خيمتها، وتعتبر تلك المهنة شاقة بالنسبة لها، لاسيما أنها تعتمد عن الحطب لإيقاد النار مع موجة الحرارة الشديدة.
وتشير إلى أن الوضع المعيشي الصعب وفقدان مصدر دخل بعد وفاة زوجها، وتوقف الدعم المالي المقدم من المؤسسات الإغاثية الدولية والحكومية، عوامل دفعتها للعمل في تلك المهنة، حيث بات إقبال المواطنين على وجبة الفلافل كبيرا بعد انقطاعهم عنها.
وتقول: «إن توقف إدخال المساعدات منذ أشهر شكل أزمة بالنسبة لأسرتي ولجميع النازحين، بعد أن كانت المؤسسات توفر لنا الطعام من خلال الطرود المقدمة، ولم أجد أي طريق آخر لتوفير المال إلا بالعمل في مهن محدودة».
وتتجه بعض النازحات ممن لا يقدرن على العمل كغيرهن، إلى بيع مقتنيات بيوتهن وملابسهن، وهذا هو حال الفتاة فرح التي تواجه أسرتها ظروفا قاهرة، فوالدها يعاني من ظروف صحية تجعله غير قادر على العمل، وتستغل فرح ندرة الملابس في السوق وحاجة النازحين لها، عبر بيعها ملابسها داخل الخيام بأسعار مناسبة لتوفير حاجة أسرتها من طعام ومستلزمات ضرورية أخرى.
وتتذمر فرح من حالة الفوضى التي تمر بها غزة وغياب الدعم الدولي والعربي للمواطنين الذين وصلوا إلى حد النكبة من جراء الحرب القاسية التي تأثرت منها النساء بشكل كبير وملحوظ، حيث لا خصوصية داخل الخيام في ظل الاكتظاظ الكبير بالنازحين، حتى أن المستلزمات الخاصة بالنساء باتت مفقودة وإن توفرت في الأسواق فتكون بأسعار مرتفعة جداً، والواجب أن تقدم تلك الاحتياجات الشخصية في ظل الظروف الصعبة كمساعدات دائمة، لكن تجبر الفتاة وغيرها من أمثالها على توفير المال بشتى الطرق من أجل الحصول على احتياجاتهن الضرورية.
ويواصل الاحتلال الإسرائيلي شن حرب مدمرة على قطاع غزة منذ أكتوبر الماضي، ويستخدم وسائل عقابية متعمدة ضد المدنيين، من خلال الدفع نحو تهجيرهم من شمال قطاع غزة إلى جنوبه، عدا عن إغلاق المعابر ومنع إدخال المواد الغذائية والمساعدات إلى النازحين المحتاجين، بالإضافة إلى قطع مياه الشرب، ورغم وجود قرارات دولية تطالب الاحتلال بالتراجع عن الإجراءات العقابية، إلا أنه يواصل تجاهل كل القرارات ويمعن في تعذيب وقتل المدنيين.