بدأ الحزب الديمقراطي الأمريكي في مدينة شيكاغو أعمال مؤتمره الوطني الذي سوف يشهد تسمية كامالا هاريس مرشحة رسمية للحزب في الانتخابات الرئاسية مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، صحبة شريكها في البطاقة تيم والز حاكم ولاية مينيسوتا المرشح لمنصب نائب الرئيس.
وقبل افتتاح المؤتمر كانت تظاهرات حاشدة قد عمّت ولايات أمريكية عديدة، كما غصت بها الشوارع المحيطة بمبنى انعقاد المؤتمر، تحت الشعار الموحد «لا قنبلة أخرى» تعبيراً عن رفض الاستمرار في شحن الأسلحة التي تغذي حرب إبادة تواصل دولة الاحتلال الإسرائيلي شنها في قطاع غزة، وأوقعت حتى الساعة أكثر من 40 ألف شهيد معظمهم من الأطفال والنساء، على امتداد أكثر من 300 يوم.
وكان الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن قد خضع لضغوطات هائلة من أركان الحزب الديمقراطي فتخلى عن فكرة الترشيح لولاية ثانية، الأمر الذي مكّن نائبته من تصدّر بطاقة الترشيح في غمرة فورة حماسة واسعة النطاق لم تقتصر على أنصار الحزب الديمقراطي وحدهم، بل شملت شرائح عريضة من الناخبين وخاصة في أوساط الشباب والنساء.
انسحاب بايدن من السباق الرئاسي نجم أولاً عن أدائه الكارثي في المناظرة التي جمعته مع خصمه الرئيس السابق والمرشح الجمهوري الحالي دونالد ترامب، وكذلك انعكاس عمره البالغ 81 سنة في مظاهر اعتلال جسدية وعقلية يمكن أن تعيق ممارسته للوظيفة الأعلى في القوة الكونية العظمى. وأخذت هذه العناصر تؤثر أيضاً على حظوظ مرشحي الحزب الديمقراطي في انتخابات الولايات ومجلس النواب وتجديد مجلس الشيوخ.
لكن قرار بايدن تأثر أيضاً بالزخم الملموس الذي تعاظم تدريجياً من حول خيار عدم الالتزام بأيّ من مرشحي الحزب الديمقراطي على خلفية مواقف البيت الأبيض وغالبية الديمقراطيين في الكونغرس حيال حرب الإبادة الإسرائيلية، ومناخات التضامن مع الشعب الفلسطيني التي عمّت أوساط الطلاب في عشرات الجامعات الأمريكية. لكن حماس أنصار الحزب لانسحاب بايدن لأنه صنع بصيص أمل في إمكانية هزيمة ترامب، لا يعني بالضرورة مصادقة تامة على خيارات بطاقة هاريس ـ والز بصدد تمويل آلة الإبادة الإسرائيلية بالسلاح والمال، وهذا هو جوهر تظاهرات الاحتجاج الحالية في شيكاغو خصوصاً.
صحيح بالطبع أن هاريس ميّزت نفسها قليلاً عن سياسات بايدن، خاصة من حيث الجوانب الإنسانية والخسائر الهائلة في صفوف المدنيين، إلا أنها حتى الساعة لم تعرب عن أي فارق نوعي يدخل في صلب سياسات المساندة العمياء لدولة الاحتلال، والتي تعتمدها الإدارة الراهنة على أصعدة التسليح والدعم المالي واللوجستي وحشد حاملات الطائرات واستخدام حق النقض (الفيتو) في تعطيل قرارات مجلس الأمن الدولي.
وصحيح أيضاً أن تغييرات حاسمة في سياسات البيت الأبيض تجاه دولة الاحتلال ليست منتظَرة من أي رئيس أمريكي، جمهورياً كان أم ديمقراطياً، لأسباب شتى جيو ــ سياسية محلية وإقليمية ودولية، غير أن غزة لا تفرض معطياتها على حسم حاضر الرئاسيات فقط، بل هي تصنع قسطاً غير ضئيل من استحقاقات المستقبل أيضاً.
لا تنتظروا من الديمُقراطيّين أيّ حلّ لمشاكل الشرق الأوسط، فسياسة البيت الأبيض تُجاه المنطقة لا يُمكن أن تتغيَّر سواء فاز الحزب الديمقراطي في الانتخابات أو فاز الحزب الجمهوري.. كلاهُما يسلكان السياسة نفسها في المنطقة، و دَعمهما لإسرائيل ثابت لن يتبدّل و سياستهما نحو القضية الفلسطينيّة واحدة، فهما ضدّ قيام الدولة الفلسطينيّة و كلاهُما مع حرب الإبادة في غزة..