عندما أطلقت روسيا عمليتها العسكريّة ضد أوكرانيا في فبراير/شباط العام الماضي، تداعت أنظمة الغرب، جميعها – دون استثناء – وتحت غطاء كثيف من شعارات الدّفاع عن الحريّة والديمقراطيّة وحقوق الإنسان، إلى دعم الحكومة الأوكرانيّة، فأغدقت عليها من أموال دافعي الضرائب، وشرعت في إمداد جيشها بمستويات متلاحقة من العتاد والأسلحة، وفرضت على روسيا أكثر من عشر جولات من العقوبات الثقيلة، التي استهدفت كل المصالح الروسيّة من الغاز والنفط إلى مواقع قناة «روسيا اليوم» على «تويتر» وكل شيء بينهما، وفتحت حدودها لاستقبال ملايين اللاجئين الأوكران، الذين استغلوا الحرب للهجرة إلى أوروبا الغربيّة.
والحقيقة، أن الأنظمة الغربيّة لقيت في سياستها تلك دعماً شبه كليّ من برلماناتها، التي تسابقت في التباكي على الشعب الأوكرانيّ، الذي يتعرّض للعدوان، وكذلك الأحزاب السياسيّة فيها، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، كما من صحفها ومحطات التلفزيون فيها، التي تحوّلت إلى مهرجانات تحشيد ضد روسيا ولصالح أوكرانيا، واختفت منها كل الفوارق اليمينية واليسارية والشعبية والصفراء. لكن الأمر لم يتوقف عند ذلك، إذ لحقت منظمات المجتمع المدني بحكوماتها، فتفننت المسارح والجامعات والمدارس والمؤسسات الثقافية والهيئات الرياضيّة في ابتداع المبررّات لهجاء روسيا، والتصفيق لأوكرانيا، ونشطت الجمعيّات الخيريّة والمنظمات غير الحكوميّة في التسوّل من أجل إمداد الأوكرانيين بما يقيم أودهم أو لإسكان واستيعاب من هاجر منهم إلى دول الغرب.
الكثيرون، وفي مقدّمهم القطاع الأعرض من مثقفي الغرب وفلاسفته وأساتذة جامعاته، وجدوا لهذه المواقف تبريرات أخلاقيّة وإنسانيّة، وشاركوا أنظمة دولهم في حفلة الذّود عن حياض الديمقراطيّة الجديدة في جوار روسيا، وأغمضوا أعينهم على سلوكيّات الفريق الحاكم في كييف، بكل فساده وانعزاليته ومصادرته لكل أشكال المعارضة.
ثم كان هجوم المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول. وفي غفلة من العالم، أطلقت المقاومة الفلسطينية من غزّة هجومها الذي صدم الكيان الصهيونيّ، وكشف عن تصميم لا يفلّ لدى الفلسطينيين على مقاومة احتلال بلادهم، رغم مرور 75 عاماً على التّواطؤ الدولي لتأسيس دولة لليهود على حسابهم. وكما كان متوقعاً، شرع الجيش الإسرائيلي في تنفيذ عمليّة انتقاميّة واسعة ضدّ قطاع غزّة المحاصر، لم تستهدف في وحشيتها المقاومين فحسب، وإنّما امتدت طولاً وعرضاً لتستهدف كل سكان القطاع ومقومات الحياة فيه، فكأنها مشروع (هولوكوست) جديد، مذاعاً هذه المرّة على الهواء مباشرة.
لم يتوقّع، سوى ربّما حفنة من المغفلين الحالمين، أن تتخذ الدّول الأوروبيّة مواقف مناهضة للإبادة، التي استمرت دون توقف مما يقارب الثمانين يوماً، أو أن تفرض عقوبات ضدّ المعتدي وتنصر المظلوم، ناهيك عن معجزة أن تشرع في مدّ المقاومة بالعتاد وأسباب الصمود. فـ»إسرائيل» ليست روسيا، والفلسطينيون ليسوا أوكرانا، بكل ما يتضمنه ذلك من أبعاد تاريخيّة وموضوعيّة ونفعيّة. بل ولم يستغرب أحد، سوى المغفلين الحالمين ذاتهم، عندما كشف النقاب عن انخراط عسكر أوروبي وأمريكي، رسميّ الصفة، كما من متعاقدي القطاع الخاص، في العمليات العسكريّة الإسرائيلية على الأرض المحتلة وضد شعب محتل!
على أن العجيب الذي يستحق الوقوف عنده هو ذلك السّعار الحاد الذي أصاب الأنظمة الغربيّة، وإعلامها، ومنظمات مجتمعها المدنيّ ضد كل أشكال التضامن الشكلي والسلمي مع الشعب الفلسطيني، وهي التي لم تنته بعد من مهرجانات تضامنها مع الشعب الأوكرانيّ!
واللافت أن ذلك السعار لم يتوقف عند منع التظاهر من أجل فلسطين، أو بتجريم الشعارات في الدعوة إلى حريّتها، أو اعتبار الكوفية أو العلم الفلسطينيين مواد كراهيّة ينبغي حظرها، أو حتى تنظيم تحركات وأنشطة في دعم الكيان الصهيوني وتأييد إجرامه في غزّة. بل وبدأ يأخذ أشكالاً بالغة السخف والتعسّف.
جمهوريّة «الأنوار» تعاقب يوسف عطّال
في فرنسا، يواجه لاعب كرة القدم الدولي الجزائري يوسف عطال، الذي يلعب حاليا لفريق نادي «نيس» الفرنسي، احتمال عدم تمكنه من الانضمام إلى منتخب الجزائر الوطني في نهائيات الأمم الأفريقية المقررة في ساحل العاج الشهر المقبل، وذلك بسبب منعه من السفر انتظاراً لصدور حكم قضائيّ ضدّه بعد محاكمته في 18 من الشهر الحالي بتهمة نشره فيديو على تطبيق انستغرام احتج فيه على الهجمات الإسرائيليّة الإجراميّة وقتل المدنيين الفلسطينيين.
المدعي العام في جمهوريّة الأنوار طالب بعقوبة لعطال تصل إلى عشرة أشهر سجناً، وغرامة قدرها 45 ألف يورو، فيما عاقبت اللجنة التأديبية في الدوري الفرنسي اللاعب الجزائري بالإيقاف سبع مباريات أيضاً، وعلى الأغلب فإن نادي نيس لن يسمح له بارتداء فانيلة النادي مجدداً، وسيتخلّص منه في موسم الانتقالات الشتوية التالي.
في أم البرلمانات: حتى الأطفال لا يسلمون من القمع
في بريطانيا، حرم صبي من مدرسة في مانشستر من استكمال يومه الدراسي وطرد بعد أن هتف «فلسطين حرة»، أمام زملائه في الفصل. وأرسلت المدرسة رسالة إلى والده اعتبرت فيها أن هذا الهتاف «جريمة عنصريّة وتمييز على أساس عرقيّ». وهددت كليّة في المدينة في خطاب وجهته إلى تلاميذها بإرسال أسماء وصور الطلاب إلى الشرطة إن هم تظاهروا أمام كليتهم من أجل فلسطين.
وفي لندن هددت مدرسة ابتدائيّة بإحالة الأهالي، الذين يظهر أبناؤهم أيّاً من أشكال الدّعم لفلسطين إلى أجهزة مكافحة الإرهاب الرسميّة. ونقلت وسائل الإعلام أن إدارة مدرسة «باركلي» في منطقة «ليتون» اتخذت إجراءات ضدّ طالب لا يزيد عمره عن ثماني سنوات ومنعته من حضور الدروس، لأنه كان يرتدي شارة فلسطينية على معطفه. ويبدو أن الطفل الذي تنحدر والدته من أسرة غزاوية كان فقد بعضاً من أقاربه وأصدقائه في القطاع نتيجة للقصف الإسرائيلي!
وأرسلت المدرسة خطاباً إلى والد الطفل أن ارتداءه ثياباً بألوان العلم الفلسطيني أو حمله شارات أو ملصقات تشير إلى فلسطين، يمكن أن يكون مسيئاً للبعض في مجتمع المدرسة».
وأصيب الأهالي بالصدمة لأن المدرسة ذاتها كانت بالغت بشكل هيستيري في إظهار الدّعم لأوكرانيا، ونظمت أياماً لجمع التبرعات للاجئين الأوكران.
ألمانيا: النازيّة لم تمت لكنّها غيّرت يهودها بالفلسطينيين
الصحيفة الألمانية الأكثر توزيعاً، «بيلد»، نشرت عنواناً رئيساً تطالب فيه بسحب الجنسية الألمانية من اللاجئة الفلسطينية الشابة ريم سحويل، لأنها شاركت على تطبيق انستغرام مادة تضمنت عبارة «فلسطين حرّة من النهر إلى البحر». وكانت الشابة قد اشتهرت في ألمانيا العام 2015 عندما كانت في الرابعة عشرة من العمر، وتحدثت وقتها في اجتماع في قاعة بلديّة مع المستشارة الألمانية حينها أنجيلا ميركل، وأثارت قصتها تعاطف الجميع في ذروة أزمة اللاجئين.
ويقود الدّعوات لطردها من البلاد وتجريدها من الجنسيّة حزب السيدة ميركل – الديمقراطي المسيحي – كما أحد أحزاب الائتلاف الحاكم. ويطالب الحزب الآن بتشريع لجعل دعم إسرائيل شرطا للمواطنة الألمانية، ويهدد جميع المواطنين مزدوجي الجنسية بالعقوبة نفسها، التي يريدون تنفيذها ضد ريم سحويل!
العنصرية الأوروبيّة عضال كيف الشفاء منه
قد يحار المرء في كيفية تفسير هذا السعار. لكّن قراءة لتاريخ العالم في آخر قرنين كفيل بإظهار تفشي مرض العنصريّة العضال في الذهنية الأوروبيّة، وانحيازها المتصهين المستدام لكيان عبري في فلسطين، بناء على خزعبلات متوارثة، فكأن الحداثة المزعومة التي طالما تلفعت بها المجتمعات الغربيّة لم تكن سوى ورقة توت غطت بها سوءاتها لبعض الوقت، قبل أن تذروها الرياح ذات «أكتوبر»، فتكشف أن لا شيء تغيّر منذ مذابح السكان الأصليين في أمريكا الشمالية وأستراليا والهند وافريقيا وفلسطين على يد المستعمرين الأوروبيين. قلي بالله كيف سيصدق أحدنا بعد اليوم، سوى ذات المغفلين الحالمين، كل خطاب أوروبي عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان؟!! غزّة ستكذّبهم.
إعلامية وكاتبة لبنانية – لندن
” قد يحار المرء في كيفية تفسير هذا السعار. ” إهـ
إنها الكراهية للإسلام و المسلمين ,
الذين لا يقبلوا تغيير أخلاقهم !
و لا حول و لا قوة الا بالله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. غزّةَ تكذّبهم: عن سعارِ عنصرية الغرب التي لا تذوي. تسلم ايدك أستاذة ندى حطيط على هذا المقال هذا العالم الذي يتكلم عن حقوق الإنسان ومساواة المرأة ب الرجل وحقوق الأطفال وحقوق الحيوان وحرية التعبير والديمقراطية كل هذا لهم فقط ونحن لنا الاستنزاف والاحتلال الاقتصادي والقتل وسرقة خيراتنا واحتلال بلادنا وزرع الفتن بيننا وتدمير غزة وقتل الأطفال والنساء والشيوخ والشباب المسالم وتدمير العراق وليبيا وسوريا واليمن وأفغانستان وأي دولة مسلمة لابد من تدميرها جزء منها ب الحروب الصلبية والجزء الاخر ب الفتن وعلى الدول الخليج الغنية تدفع ب التي هي احسن والفقيرة تسليط البنك الدولي عليها لتخريبها وغلق أبوابها وهذا بنك الرحمة لم يدخل بلد للإصلاح الاقتصادي ولكنه لتنفيذ سياسة التخريب وتجويع الفقير وشفط الفوائد المركبة لصالح الماسونية العالمية لتركع دول لعالم العربي الإسلامي وهو بنك غامض الأهداف لكن منها انتشار سرطان الفقر في عالمنا الإسلامي بعد هذا المقال عندي رغبة سماع المعترضين والذين يدافعون عن البلاد الأوروبية. وشكرا