بيروت – «القدس العربي»: حرب الإبادة البشرية التي تواصلت في غزّة على مدى سنة وخمسة أشهر، وشاهدها العالم مباشرة على الهواء، شكّلت منطلقاً لندوة نظّمها معهد العالم العربي في باريس بعنوان «شهادات كبيرة: غزّة كما يرويها طبيبان». جمعت الندوة بين طبيب الترميم والتجميل الدكتور غسّان أبو ستة، ورئيسة منظمة «أطباء بلا حدود» في فرنسا الدكتورة إيزابيل ديفورني.
في هذه الندوة وصف الدكتور أبو ستة التدمير المنهجي لغزة من قبل إسرائيل بأنه يهدف إلى جعل الحياة مستحيلة. وهذا التدمير يندرج في إطار «رؤية صهيونية لتصحيح الخطأ الذي حدث في عام 1948 بطرد الفلسطينيين. حيث من بقي منهم في أرضه شكّل عبئاً على الكيان الإسرائيلي». وسلط أبو ستة الضوء على أهمية الطاقم الطبي الفلسطيني في مقاومة الإبادة الجماعية، وكيف تم استهدافهم بشكل خاص من قبل الجيش الإسرائيلي.
بدورها تحدّثت الدكتورة ديفورني عن تجربتها في غزة. ووصفت ما شاهدته هناك بـ»تدمير هائل». وقالت إن «الظروف المعيشية للسكان النازحين بالصعبة جداً». فيما كان تقابلها أيضاً صعوبات كبيرة في تقديم المساعدة الإنسانية. وشرحت التحديات التي تواجهها منظمة «أطباء بلا حدود»، بين رغبتها بالمساعدة، والحذر من أن تكون جزءا من الاستغلال السياسي من قبل إسرائيل. وناقش كلٍ من الطبيبين ديفوني وأبو ستة «حدود العمل الإنساني في مواجهة الإبادة الجماعية، ودور وسائل الإعلام الغربية، ومسؤولية حلفاء إسرائيل».
ووصف قنوات مثل «بي بي سي» أو «سي أن أن» بأنها لا تختلف في شيء عن دعاية إذاعة رواندا في فترة الإبادة الجماعية».
وأضاف «أن إسرائيل خلقت بيئة بيولوجية، بحيث يمكنها الاستمرار في هذه الإبادة الجماعية دون الحاجة إلى عمليات عسكرية». وبين الحرب والإبادة وجد أبو ستة «أن الفرق هو أن الحرب تغير الحاضر بهدف تشكيل مستقبل معين، بينما الإبادة الجماعية تدمر الحاضر والماضي لمنع وجود أي مستقبل».
وفي شرحه للمخاطر التي يتعرّض لها الأطباء والعاملون في القطاع الصحي في غزّة قال أبو ستة: «إحصائيا، عندما تكون جزءا من الطاقم الطبي أو شبه الطبي في غزة، لديك ثلاث مرات أكثر من الفرص للموت مقارنة بأي مهنة أخرى».
وشددت الدكتورة ديفوني على انتهاكات حقوق الإنسان بالقول: لا يمكن أن نكون محايدين تجاه انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة، لا يمكن أن نكون محايدين تجاه الجرائم، خصوصًا أمام جريمة الإبادة الجماعية.
ورداً على سؤال حول النظرة المستقبلية بعد 15 شهرًا من التدمير؟ ولماذا فشل العمل الإنساني؟ قالت الدكتورة ديفورني إن أطباء بلا حدود تحاول المساعدة في الوقت الذي تدين فيه الجرائم، لكن هذه مهمة صعبة في ظل استغلال المساعدات من قبل إسرائيل. وأشارت أن العمل الإنساني ليس موجهًا لإيقاف الحروب.
ورداً على سؤال لماذا تدفعنا غزة لإعادة النظر في كل شيء، بخلاف الصراعات الأخرى؟ قالت الدكتورة ديفورني أن غزة هي «حرب الأرقام القياسية» من حيث التدمير والضحايا. الأكثر صدمة هو تأييد الدول الغربية لهذه الوضعية.
في ملخص للندوة فهي قدّمت رؤية هامة عن الوضع في غزة وتمثلت في النقاط التالية:
•التدمير المنهجي للبنية التحتية من قبل إسرائيل يهدف إلى جعل الحياة مستحيلة على المدى الطويل، بما يتجاوز العمليات العسكرية.
•يلعب الطاقم الطبي الفلسطيني دورًا حاسمًا في مقاومة الإبادة الجماعية، بتكبده لخسائر فادحة.
•تواجه المنظمات الإنسانية معضلات أخلاقية معقدة بين تقديم المساعدة وعدم الاستغلال.
• انتقاد شديد لدور وسائل الإعلام الغربية وحلفاء إسرائيل بسبب تقاعسهم.