غسان سلامة في «إغراء كوكب المريخ»: سقوط جدار برلين لم يعزز ديمقراطية العالم وسباق التسلح النووي مستمر وخطورته زادت

سمير ناصيف
حجم الخط
1

بعد سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفييتي، توقع كثيرون في العالم (في الغرب خصوصاً) أن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة انتشار الديمقراطية وانخفاض حدة النزاعات بين الدول الكبرى وانتهاء الحرب الباردة وحرب الأيديولوجيات ليحل في مكان جميع هذه الأمور عصر من التعاون السياسي والاقتصادي بين معسكري الغرب والشرق وتعاملهما مع العالم الثالث.
يتساءل الدكتور غسان سلامة، الوزير اللبناني السابق والمبعوث الأممي الدولي والأستاذ الجامعي في فرنسا، عما إذا حدثَ مثل هذا التطور بالفعل أو توجهت التطورات في منحى مخالف لذلك في كتاب صدر له مؤخراً بالفرنسية تحت عنوان: «إغراء كوكب المريخ، الحرب والسلم في القرن الواحد والعشرين».
ويبدو سلامة متشائماً في كتابه هذا بالنسبة إلى الوعود والآمال بانتشار الديمقراطية في العالم في نهاية تسعينيات القرن الماضي والعقود الثلاثة الأولى في القرن الواحد والعشرين، إذ ازدادت الانقسامات برأيه على صعيد الدول الكبرى وانتشرت أيديولوجات تشجع الحروب والتوجهات العسكرية الميدانية والعنصريات الداخلية، فيما ذهبت الثورة التكنولوجية في مسار يساهم في المزيد من التعدي على الحريات الشخصية والسياسية في العالم. والأمر الأشد خطورة في رأي سلامة هو ما حدث في السنوات الأخيرة في قطاع التسلح النووي وتجميد الاتفاقات الدولية الساعية لتخفيض أو إلى وقف هذا التسلح لدى الدول الكبرى «العظمى» والدول المتوسطة الحجم التي تملكه أو تسعى لامتلاكه.
اختار الكاتب عنوان «إغراء كوكب المريخ» لكتابه للإشارة بأن التوجهات الحالية في العالم تسير نحو السيء بدلاً من الحسن وانه علينا كسكان هذا العالم في القرن الـ21 مواجهة هذا المسار الخطير.
في مقطع من مقدمة هذا الكتاب تحت عنوان «خيانة الأمل» يقول سلامة: «إن نظاماً عالمياً جديداً مليئاً بالتناقضات نشأ ويستمر حالياً، وهو نظام يصعب تعريف هويته. ومن التطورات السلبية المتفشية فيه نجاح الديكتاتوريات العسكرية في قمع التطورات الديمقراطية في بلدان العالم كما حدث في تايلاند وميانمار وعدد من الدول الأفريقية والآسيوية الأخرى، وفي بلدان نجحت فيها القوى المناهضة للثورات في قمع خصومها كما في بلدان الربيع العربي في الشرق الأوسط ابتداء من عام 2011 ومنها الحروب الأهلية الدموية التي انتشرت في سوريا وليبيا واليمن» (ص 14 و15).
ومثل هذه التطورات حدثت في بلدان انتُخب فيها قادتها عبر انتخابات تبدو وكأنها نزيهة وديمقراطية ولكنها تسهل على القادة المنتخبين قمع الشعب والتعدي على العدالة والتنكيل بالخصوم وتغييب المجتمع المدني والحريات عموماً. وفي مثل هذه الدول، تتحول البرلمانات المفترض أنها منتخبة إلى منصات ومنابر للخطابات الرنانة من دون إحداث أي تغييرات جدية وفعلية في أنظمة مثل هذه الدول، بل تؤدي قراراتها إلى زيادة في ممارسة العنف ضد شعوبها في كثير من الأحيان (ص 15). وفي مناسبات أخرى تُعاد الانتخابات في بعض تلك الدول أو يتم طلب إعادتها إذا لم تحقق النتائج المرجوة من جانب قادة غير ديمقراطيين.
وهذا تم في دول العالم الجنوبي (العالم الثالث) وحتى في أمريكا بعد خسارة دونالد ترامب الانتخابات الرئاسية في عام 2020.
ويأسف سلامة لانتشار الشعبوية في بعض دول العالم الأول كما في دول أوروبية كهنغاريا وسلوفاكيا وبولونيا وفي دول آسيوية متطورة كالهند وغيرها.
ويرى المؤلف أن غزو العراق في عام 2003 رمى حجرةً باتجاه الديمقراطية في العالم، وكذلك فعل الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022 وأن فتح المجال أمام دول كبرى لغزو دول أخرى يشجع دول العالم الباقية على غزو جيرانها أو قمع المجموعات المختلفة أثنياً وسياسياً عنها بداخلها والتنكيل بسكانها المعارضين لمواقفها.
كما ينتقد سلامة الحجة التي تستخدمها الدول الكبرى القوية للتدخل عسكرياً في الدول الأخرى بحجة نشر الديمقراطية وتعيّن نفسها شرطةً لتأديب باقي شعوب العالم.
ويقول في هذا المجال: «إذا كانت الدول العظمى تمارس ما تعتبره حقها في التدخل العسكري في الدول الأخرى كما فعلت الدولة الأمريكية في العراق (عام 2003) وروسيا في أوكرانيا (عام 2022) فإنهما تشجعان على انتشار العنف في العالم، وبالتالي فإنهما تختطفان فرصةً للعالم باتجاه تخفيض استخدام العنف لتحقيق الغايات السياسية. وحالياً هذه التوجهات تشل قدرة هيئة الأمم المتحدة وتُعطي أفضلية للمصالح المادية على حساب الشرائع والقوانين الدولية ولأحادية القرارات بدلاً من العمل الإنساني الجماعي» (ص25).
ويضيف قائلاً بانه عندما تهدد دول كروسيا باستخدام السلاح النووي في حرب أوكرانيا فإن قادة متطرفين في إسرائيل يتشجعون ويطرحون إمكان استخدامهم السلاح النووي ضد سكان غزة.
وفي الفصل السادس من الكتاب المرتبط بالشأن النووي العالمي، ينبه سلامة إلى أن المزيد من انتشار السلاح النووي في العالم عبر تكديسه وتطويره في الدول الكبرى العظمى، وطلب الحصول عليه في دول أخرى في العالم الثالث تخشى النيات والمشاريع المبيتة السياسية أو العسكرية لجيرانها (كما في الشرق الأوسط وآسيا خصوصاً) قد يؤدي إلى انعكاسات خطيرة على السلام في العالم وعدم فناء البشرية في المستقبل.
ويشير المؤلف إلى أن المفاوضات لتخفيض الترسانة النووية بين الدولتين العظميين (أمريكا وروسيا) ذهبت في المنحى الإيجابي سابقاً بعد اللقاء التاريخي لقائدي البلدين النوويين رونالد ريغان وميخائيل غورباتشوف في عام 1985 في جنيف (سويسرا) وبعدها في ريكيافيك (ايسلاندا) في عام 1986 ولكن التوقيع على اتفاقية «ستارت» في هذا المجال آنذاك تأخر لأسباب داخلية في البلدين.
بيد أن هذه الاتفاقية وُقّعت في 31 تموز (يوليو) عام 1991 ونصت على تخفيض الترسانة النووية في البلدين. ووقَع عن الولايات المتحدة آنذاك جورج بوش الأب ومن بعده الرئيس المنتخب لخلافة بوش الأب بيل كلينتون. كما وقّع بوش الأب اتفاقية «ستارت 2» مع الرئيس الروسي بوريس يلتسن، ولكن إقرار هذا التوقيع بقي غير مُنفذ بسبب تحفظ مجلس النواب الروسي «الدوما» والكونغرس الأمريكي.
ولدى صعود الرئيس فلاديمير بوتين إلى منصب الرئاسة الروسية، زاد التحفظ لدى الجانبين الروسي والأمريكي على إقرار اتفاقية «ستارت 2» بسبب اعتبار بوتين بأن قرارات يلتسن كانت متسرعة ورؤية بوش الابن والصقور من معاونيه ديك تشيني ودونالد رامسفيلد وبول وولفويتز، بضرورة استمرار التفوق الأمريكي العسكري على روسيا في شتى المجالات. (ص 291).
وكان بوتين يسعى، حسب سلامة، إلى إعادة تحويل روسيا إلى «دولة عظمى» على شتى الأصعدة بما في ذلك الصعيد العسكري، بعد ما كانت تسير في طريق أفقدتها ذلك الموقع برأي بوتين خلال رئاسة يلتسن. (ص 291).
ويرى سلامة أن محاولات الرئيس الأمريكي باراك أوباما العودة إلى السير في عمليات تخفيض وضبط انتشار السلاح النووي ومعالجة السباق على التسلح في هذا المجال أحبطها انتخاب دونالد ترامب رئيساً لجمهورية أمريكا في عام 2016 وقرار ترامب انسحاب أمريكا من مبادرة «أي.ان.اف» (INF) التي اعتُمدت في عهد أوباما والتي انسحب منها ترامب كرئيس لأمريكا في عام 2019 أي بعد عشر سنوات على اعتمادها. وفعل ترامب ذلك تحت حجة أن روسيا والصين خرقتا هذه المبادرة، حسب ما ورد في الكتاب.
وعلى الرغم من أن اتفاقية «ستارت» أُعيد اعتمادها بعد انتخاب الرئيس جو بايدن لرئاسة أمريكا فإن مصيرها غير مؤكد أو محتوم لاحقاً في عام 2026 عندما يعاد النظر فيها. (ص 295 و296).
ويتطرق سلامة بالتفصيل إلى الدور الصيني في مجال الخلاف المستمر بين أمريكا وروسيا في المجال السياسي وفي قطاع التسلح في هذا الفصل من الكتاب وفي فصول أخرى مؤكداً بأن «الصين لن تقبل بهيمنة أمريكية أحادية في هذين المجالين على الرغم من مبادلاتها الاقتصادية والتجارية مع أمريكا». كما يسأل المؤلف إذا كان التقارب الصيني ـ الروسي سيتحول إلى حلف ضد أمريكا أو انه بالامكان التوصل إلى موازاة بين أمريكا، من جهة، والصين وروسيا، من جهة أخرى، في المجالين التسلحي المتطور والسياسي والاقتصادي في المستقبل؟ (ص298).
وينطبق هذا المنطق، حسب سلامة، على علاقة كل من القوى الثلاث في الدول العظمى مع حلفائها في العالم، فمنها من يضغط على ضبط الانتشار التسلحي النووي لدى الخصوم في العالم الثالث ولكن، في الوقت نفسه، غض النظر عنه لدى الحلفاء. وهذا، برأي الكاتب، قد ينطبق على علاقة أمريكا التسليحية لإسرائيل في مقابل علاقتها الضاغطة في مجال التسلح النووي في إيران وعلى علاقة روسيا والصين مع حلفائهما في العالم في المجال ذاته.
ويطرح سلامة في الصفحات الأخيرة من الكتاب السؤال الشديد الأهمية ألا وهو «إذا كان توجه إيران وكوريا الشمالية نحو التسلح النووي ازداد وتطور بشكل واضح نتيجة للغزو الأمريكي ـ البريطاني للعراق في عام 2003 ولدى شعور بعض دول المنطقة آنذاك بانه لو امتلك الرئيس صدام حسين السلاح النووي بالفعل لما تمت مهاجمته عسكرياً ومن ثمة إسقاط نظامه ثم تنفيذ إعدامه، وكذلك الأمر لما تم اخضاع نظام العقيد معمر القذافي في ليبيا لنفس المصير برغم امتثال القذافي لمعظم الطلبات الأمريكية في هذا المجال» (ص 302 وص 303).
ويشير سلامة في الصفحات الأخيرة إلى أن «اتفاقاً وُقع بين القيادتين الأمريكية والإسرائيلية في عام 1969 وكُشف عنه في عام 2010 بأن الولايات المتحدة ستحمي السلاح الإسرائيلي على أنواعه بشرط امتناع إسرائيل عن عرضه والاعلان عنه أمام الرأي العام العالمي وعدم تأكيد وجود السلاح النووي لديها.. والتبرير الأمريكي لذلك كان نظراً لأن «إسرائيل مهددة بالزوال من قِبل جيرانها» وبالتالي حصلت إسرائيل على السلاح النووي بمساهمة فرنسا وأمريكا والموافقة الضمنية على ذلك الموقف من قِبل الاتحاد السوفييتي في منتصف القرن الماضي والتغطية الدولية عن وجوده لاحقاً.
بيد أن بعض وزراء إسرائيل الحاليين (حسب قول المؤلف) يهددون باستخدام هذا السلاح ضد غزة وخصومهم ما يقلق معظم قادة وشعوب المنطقة وبعض دول العالم وقادتها.

Ghassan Salame: «La tentation De Mars»
Editions Fayard, Paris 2024
394 Pages.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول حبيب الصفا:

    وكيف يمكن ان يتخيل أحد يا سيد غسان سلامة ان العالم يسير إلى ديمقراطية وهو تحت قيادة امريكا والصهاينة ،،،،،سقوط جدار برلين وغيره كان فقط لتكريس سلطة امريكا والصهاينة الذين هم سبب جميع الشرور في العالم ولن يهدأ العالم إلا باجتثاث امريكا والصهاينة من الوجود وهذا ما تعمل عليه المقاومة وستفعل ان شاء الله وهي قادرة ان شاء الله ،،،حل العالم بيد حزب الله وحماس والجهاد وانصار الله ،،،هؤلاء سادة العالم الأخلاقيون ،،،هؤلاء سيصعدون إلى قيادة العالم كما صعد أهل المدينة إلى قيادة العالم ويزيحون هذه الحضارة القاتلة كما أزاحها المحمديون الاوائل الأقلية حضارة روما وفارس والسلام

اشترك في قائمتنا البريدية