الأمم المتحدة- “القدس العربي”: افتتح الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، اليوم الجمعة، مؤتمر التعهدات المالية لوكالة إغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (أونروا) في مقر المنظمة الدولية بترتيب من الأردن وسلوفينيا والكويت. ويهدف المؤتمر إلى تغطية العجز المالي الذي تعاني منه الوكالة والذي يصل إلى حدود 80 في المئة. ويشارك فيه ممثلون عن 62 دولة بحضور الأمين العام ورئيس الجمعية العامة، دينيس فرانسيس، والمفوض العام لوكالة الأونروا، فيليب لازاريني.

وقال الأمين العام في مستهل كلمته إن هذا المؤتمر يلتئم لسد الفجوة العميقة التي تعاني منها الوكالة “غير أن هذا العام يختلف عن غيره. صحيح أننا نواجه فجوة واسعة في التمويل لكن الفلسطينيين أيضا يواجهون فجوات صارخة في جميع المجالات تتنوع ما بين فجوات في احترام القانون الدولي الإنساني وفجوات في كفالة تمتعهم بحقوق الإنسان العالمية والكرامة الواجبة للجميع. أما فلسطينيو غزة، فإنهم لا يواجهون فجوات فحسب بل يكتوون بنار تعطل القانون والنظام تماما”.

لا شيء يبرر العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني في قطاع غزة

وقال الأمين العام إن المدنيين في غزة – بطريقة ما، وبشكل مروع – يتم دفعهم إلى دوائر أعمق من الجحيم، “لقد جلبت الأيام الأخيرة المزيد من أوامر الإخلاء التي أصدرتها السلطات الإسرائيلية، والمزيد من معاناة المدنيين، والمزيد من إراقة الدماء. ولا يزال الفلسطينيون في غزة مجبرين على التحرك مثل الكرات البشرية عبر مشهد من الدمار والموت. إن هذا المستوى الشديد للقتال والدمار أمر غير مفهوم وغير مبرر – ومستوى الفوضى يؤثر على كل فلسطيني في غزة وكل أولئك الذين يحاولون يائسين إيصال المساعدات إليهم. لا مكان آمن في غزة. في كل مكان منطقة قتل محتملة لقد حان الوقت لكي تظهر الأطراف الشجاعة السياسية والإرادة السياسية للتوصل في النهاية إلى اتفاق”.

لا يزال الفلسطينيون في غزة مجبرين على التحرك مثل الكرات البشرية عبر مشهد من الدمار والموت

وتابع الأمين العام كلمته حول التطورات في غزة والثمن الذي دفعه موظفو الوكالة وهم يحاولون القيام بدورهم في تقديم المساعدات للشعب الفلسطيني: “منذ إنشاء الوكالة وكما ندرك جميعا بشكل مؤلم، فإن الرعب لم يسلم منه زملاؤنا في الأونروا. لقد قُتل 195 من موظفي الأونروا، وهو أعلى عدد من القتلى في تاريخ الأمم المتحدة. وقد قُتل العديد منهم مع عائلاتهم وأحبائهم. كما يتم استهداف الأونروا بطرق أخرى. لقد تعرض الموظفون لاحتجاجات عنيفة بشكل متزايد وحملات تضليل وتضليل شرسة. واعتقلت قوات الأمن الإسرائيلية بعضهم، وأفادوا فيما بعد عن سوء المعاملة وحتى التعذيب وفي الضفة الغربية المحتلة، فرضت السلطات الإسرائيلية قيودا شديدة على تواجد موظفي الأونروا وتحركاتهم. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه العقبات وغيرها، وفي ظروف مستحيلة، وفي خضم حزنهم، فإن النساء والرجال في الأونروا واصلوا عملهم بشجاعة وبأي طريقة ممكنة إنهم العمود الفقري للعمليات الإنسانية في غزة. هل يمكنك أن تتخيل كيف يجب أن تكون في هذه الحالة بدون الأونروا؟”.

195 من موظفي وكالة الأونروا قتلوا بقطاع غزة وهو أعلى عدد ضحايا في تاريخ الأمم المتحدة

ووصف الأمين العام موظفي الأونروا بأنهم أطباء وممرضون ومستشارون ومهندسون وسائقون وغيرهم الكثير، وجميعهم يظهرون شجاعة وتضامنًا لا يصدقان. وقال إنهم مستمرون في تنفيذ ولاية الأونروا في ظروف يائسة في غزة – في حين تسعى الأونروا أيضا إلى تقديم الخدمات في وضع متزايد الصعوبة في الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، وفي الأردن ولبنان وسوريا – لدعم التنمية البشرية وحقوق الإنسان.

ووجه الأمين العام نداء يدعو إلى حماية الأونروا، وحماية موظفي الأونروا، وحماية ولاية الأونروا – بما في ذلك من خلال التمويل. وقال غوتيريش: “اسمحوا لي أن أكون واضحا: لا يوجد بديل للأونروا”.

وقال إنه الوقت المناسب أيضًا للعمل على كافة الجبهات لدعم مهمة الأونروا الحاسمة “إنه الوقت المناسب لوضع حد لهذه الحرب الرهيبة، بدءاً بوقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية في غزة والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن. وفي نهاية المطاف، فإن الحل السياسي وحده هو القادر على وضع نهاية لهذا الصراع ــ الحل الذي يحقق رؤية الدولتين – إسرائيل وفلسطين – تعيشان جنباً إلى جنب في سلام وأمن، والقدس عاصمة للدولتين. وأنا أحثكم على التصرف – والتصرف الآن. اعملوا على غرس الأمل في مكان يندر فيه العمل على دعم تفويض هذه الجمعية العامة لاستدامة الأونروا للتضامن مع لاجئي فلسطين وكافة الشعب الفلسطيني”.

الوقوف دقيقة حداد

تحدث رئيس الجمعية العامة في دورتها الحالية الثامنة والسبعين، دينيس فرانسيس، عن توفير احتياجات الأونروا، والتي منذ تأسيسها في عام 1949، جسدت أفضل ما قامت به الأمم المتحدة من عمل ميداني على مدى عقود من الزمن – واكتسبت سمعة باعتبارها منارة للأمل في منطقة تعاني بشكل روتيني من الاضطرابات حيث توفر الأونروا الحماية لـ 5.9 مليون لاجئ مسجل – بما في ذلك الفئات الضعيفة مثل النساء والأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة.

وتدير الوكالة 58 مخيما معترفا به للاجئي فلسطين – وتعمل على تلبية الاحتياجات الإنسانية الماسة لأكثر من 1.6 مليون شخص في الأردن ولبنان وسوريا وقطاع غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية. ومن خلال جهودها، توفر الأونروا الأمل – وعلاوة على ذلك، آفاق مستقبل تتم فيه حماية ودعم كرامة وحقوق جميع لاجئي فلسطين.

وقال فرانسيس: من المؤسف أن 197 من موظفي الأونروا دفعوا الثمن النهائي. وتكريما لذكراهم، وذكرى جميع الذين فقدوا حياتهم، أرجو من هذه الجمعية أن تنهض وتلتزم دقيقة صمت. ودعا الحضور إلى التبرع بسخاء للوكالة التي تعاني من نقص في التمويل ومزيد من التحديات.

لازاريني: هذه أكبر مأساة للفلسطينيين منذ 1948

من جهته، قال فيليب لازراريني إن “غزة دمرت” وإن أكثر من مليوني شخص محاصرون في جحيم حي. وقال إن هؤلاء قد نزحوا مراراً وتكراراً عبر منطقة ممزقة وبعيدة عن القانون على نحو متزايد. وقد تحمل الأطفال والنساء وطأة هذه الحرب الوحشية. إن انعدام الأمن الغذائي الحاد يؤدي بحياة الأطفال ويؤثر على النساء اللاتي يتناولن الطعام أخيرًا وبكميات أقل، “لقد قُتل آلاف الأطفال. ويعاني آلاف آخرون من إعاقات جديدة وقد فقد الكثيرون أطرافهم بسبب البتر، وسمعهم بسبب الانفجارات، و قدرتهم على الكلام للصدمة”. وقال إن المأساة ليست محصورة في غزة بل تتكشف مأساة أخرى في الضفة الغربية حيث قُتل أكثر من 500 فلسطيني منذ تشرين الأول/أكتوبر، من بينهم ما لا يقل عن 130 طفلا. هجمات المستوطنين الإسرائيليين، والتوغلات العسكرية، وتدمير المنازل والبنية التحتية الحيوية، هي جزء من نظام القمع.

وأضاف لازاريني أن الحدود الإسرائيلية اللبنانية تغلي على نار هادئة، مما يهدد بحرب شاملة، “الملايين من لاجئي فلسطين في جميع أنحاء المنطقة يشعرون بالقلق والخوف ويعيش معظمهم في المخيمات منذ أجيال، في انتظار التوصل إلى حل سياسي لمحنتهم . ويشهد الفلسطينيون اليوم أكبر فصل في مأساتهم منذ عام 1948 وكما فعلوا على مدى 75 عاما، فإنهم يتطلعون إلى الأونروا طلبا للمساعدة”.

وقال المفوض العام للأونروا إن الوكالة أنشئت قبل 75 عاما كوكالة مؤقتة، في انتظار الحل السياسي لقضية فلسطين، “والوكالة موجودة اليوم لأن الحل السياسي غير موجود. إنها موجودة بدلاً من الدولة التي يمكنها تقديم الخدمات العامة الحيوية”. وأضاف أن المجتمع الدولي إذا التزم بالحل السياسي، فيمكن للأونروا أن تستأنف دورها المقصود في دعم عملية انتقالية محددة زمنيا، توفير التعليم والرعاية الصحية الأولية والدعم الاجتماعي.

أنشئت الأونروا قبل 75 عاما كوكالة مؤقتة، في انتظار الحل السياسي لقضية فلسطين، وهي موجودة اليوم لأنه لا يوجد حل سياسي. إنها موجودة بدلاً من الدولة التي يمكنها تقديم الخدمات العامة الحيوية

وقال لازاريني” “اسمحوا لي أن أختم بثلاثة طلبات: أولا، إنني أحثكم على حماية الأونروا الآن وفي إطار المرحلة الانتقالية وهنا، أود أن أشكر الدول الأعضاء الـ 118 التي وقعت على الالتزام المشترك بدعم الوكالة، “إن فكرة تفكيك الوكالة لا يتم دون إثارة انهيار الاستجابة الإنسانية في غزة وإحداث الفوضى فيها مناطق العمليات الأخرى فكرة ساذجة في أحسن الأحوال ويجب على الأونروا أن تستمر في تقديم الخدمات حتى يتم التوصل إلى حل سياسي”.

وتابع، “ثانياً، يجب توسيع نطاق تقديم الخدمات إلى فلسطين وتعزيزها للاجئين في غزة. ولهذا الغرض نحتاج إلى وقف فوري لإطلاق النار والوصول الآمن وغير المقيد لتقديم المساعدات على نطاق واسع كما أننا بحاجة إلى شراكات قوية تكمل وتحافظ ولاية الأونروا ويجب أن تقابل الولاية ولاية كافية ومرنة ويمكن التنبؤ بها التمويل من الدول الأعضاء”.

وأخيرا، أطلب دعمكم لتنفيذ توصيات مراجعة مستقلة بشأن حياد الوكالة. إن الحفاظ على الحياد مسؤولية مشتركة ولتحقيق النجاح، نحتاج إلى الدعم المالي والعيني من الدول الأعضاء وفي الختام، يجب أن أكرر أن العالم قد تغير بشكل جذري منذ ذلك الحين، “إن الأونروا تتعرض لضغوط أكبر من أي وقت مضى. إذا حافظنا على الوضع الراهن، فإن الوكالة سوف تنهار ويضيع الملايين وسيدفع الأطفال والنساء والرجال ثمنا باهظا”.