الأمم المتحدة- «القدس العربي»: في كلمة شاملة أمام الجمعية العامة، تحدث الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أمس الأربعاء، عن أولوياته لعام 2025 وما يراه كمهمات عاجلة أمام المجتمع الدولي للعمل على تحقيقه عن طريق العمل الجماعي وعبر الدبلوماسية متعددة الأطراف دون أن يتخلف أحد عن الركب.
وحدد الأمين العام أولوياته في أربعة أمراض تبرز لأنها “تمثل، في أفضل الأحوال، تهديدات يمكن أن تعطل كل جانب من جوانب أجندتنا، وفي أسوأ الأحوال، تقلب وجودنا رأسًا على عقب”. وهذه التحديات التي يجب مواجهتها: الصراعات الجامعة، والتفاوتات المتفشية، وأزمة المناخ المستعرة، والتكنولوجيا الخارجة عن السيطرة.
وقال إن المجتمع الدولي لديه الخطط اللازمة لمعالجة هذه التحديات. وقال: “لسنا بحاجة إلى إعادة اختراع العجلة. نحن بحاجة إلى تحريك العجلة” وذلك من خلال التسارع والتحول الموجه حول ميثاق المستقبل، الذي سيكون تنفيذه أولوية مركزية في عام 2025.
وحول البند الأساسي المتعلق بالصراعات، أشار الأمين العام إلى تضاعف الصراعات الأكثر فوضوية وفتكًا. وأضاف: “الانقسامات الجيوسياسية العميقة وانعدام الثقة تضيف الوقود إلى النار، التهديد النووي في أعلى مستوياته منذ عقود، طيف حقوق الإنسان يتعرض لهجوم مستمر، الإفلات من العقاب متوطن مع الانتهاكات المتسلسلة للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي وميثاق الأمم المتحدة والاعتداءات المنهجية على مؤسساتنا ذاتها”.
ثم انتقل غوتيريش للحديث عن النزاعات المستعرة الآن وأولها في غزة، وأكد أنه لم يتوان في الدعوة إلى وقف إطلاق النار الفوري، والإفراج الفوري وغير المشروط عن الرهائن والتحرك الفوري لحماية المدنيين وضمان تسليم المساعدات المنقذة للحياة. وبعث بتحياته “للعمود الفقري للاستجابة الإنسانية، زملائنا في الأونروا. بالطبع لا شيء يمكن أن يبرر الهجمات الإرهابية التي شنتها حماس في السابع من أكتوبر، ولا شيء يمكن أن يبرر المستويات الدرامية من الموت والدمار التي لحقت بالشعب الفلسطيني لأشهر، لم يكن هناك سقف للمعاناة ولا قاع للأهوال. أناشد بشدة جميع الأطراف لإتمام اتفاق وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن”.
وقال الأمين العام إننا نشهد إعادة تشكيل الشرق الأوسط. وما هو أقل وضوحًا بكثير هو ما سيظهر في إسرائيل وفلسطين: “هل سنرى تحركًا لا رجعة فيه نحو حل الدولتين، بما يتماشى مع قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي والاتفاقيات السابقة، كما كنا ننادي باستمرار؟ أم سنرى بدلاً من ذلك ضمًا ثابتًا من قبل إسرائيل (…) وإنكار حقوق الشعب الفلسطيني وكرامته … وتدمير أي فرصة للسلام المستدام؟”.
وحول ما يجري في سوريا بعد سنوات من إراقة الدماء، تساءل الأمين العام: “هل سنرى بلدًا يمكن أن يكون أخيرًا منارة للأديان والتقاليد والمجتمعات المختلفة التي تشكل مستقبلًا شاملًا وحرًا وسلميًا، مع استمرارنا في بذل كل ما في وسعنا لدعمه؟ أم سنرى التفتت، جنبًا إلى جنب مع انتهاك حقوق الأقليات والنساء والفتيات؟”.
وقال إنه سعيد أن يرى لبنان ينتخب رئيسا بعد استعصاء دام أكثر من سنتين، وقال إنه سيتوجه الليلة إلى لبنان ليقدم تضامنه مع لبنان ويعرب عن دعم الأمم المتحدة للبنان ليحقق السلام والسيادة على أرضه. وأضاف: “لقد انفتحت نافذة لعصر جديد من الاستقرار المؤسسي، مع دولة قادرة تماما على حماية مواطنيها، ونظام من شأنه أن يسمح للإمكانات الهائلة للشعب اللبناني بالازدهار. وسوف نفعل كل شيء للمساعدة في إبقاء هذه النافذة مفتوحة على مصراعيها، وهي النافذة التي ستسمح لكل من اللبنانيين والإسرائيليين بالعيش في أمان”.
وحول إيران، تساءل ألأمين العام “هل سنرى إجراءات ملموسة لضمان التخلي الواضح عن أي برنامج للأسلحة النووية (…) والمساهمة في إطار أمني إقليمي جديد حيث يتم احترام سيادة كل دولة، مما يسمح بالاندماج الكامل لإيران في الاقتصاد العالمي؟ هذا ما نأمل أن يصبح ممكنا”.
وعن التفاوت بين الدول النامية المتقدمة، قال الأمين العام إن العالم على بعد خمس سنوات من عام 2030، لم ينجز سوى أقل من خمس أهداف التنمية المستدامة، وهو ما تفاقم بسبب فجوة التمويل السنوية التي تبلغ 4 تريليون دولار. ويدعو إعلان التنمية المستدامة 2030 الجهات المانحة إلى الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالمساعدات الإنمائية الرسمية، ويدعو القطاع الخاص إلى الاستثمار في التنمية المستدامة. ويدعو الإعلان إلى أنظمة حماية اجتماعية قوية، وتجارة مفتوحة تعمل كسلم للدول لكي تنمو وتتطور، وضرائب تحقق العدالة والازدهار على نطاق واسع. “ويتعين علينا أيضا أن نكافح التفاوتات من خلال إصلاح وتحديث مؤسسات التمويل العالمي، لتمثل اقتصاد اليوم وليس اقتصاد عام 1945. ويتعين تمثيل البلدان النامية بشكل عادل في حوكمة المؤسسات ذاتها التي تعتمد عليها”.
أمّا تحديات المناخ، فقال الأمين العام إنه بعد مرور عشر سنوات على اتفاق باريس، التزم 90% من العالم الآن بالصفر الصافي و”لكن يجب علينا أن نعمل بجدية أكبر. نحن بحاجة إلى تحويل جهودنا الجماعية إلى أقصى حد وتحقيق أهداف اتفاق باريس. يجب أن تبلغ الانبعاثات العالمية ذروتها هذا العام ثم تنخفض بسرعة بعد ذلك إذا كنا نسعى إلى الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية على المدى الطويل إلى 1.5 درجة هذا العام، وتعهدت كل دولة بتقديم خطط عمل مناخية وطنية جديدة على مستوى الاقتصاد أو تتوافق مع 1.5 درجة”.
تمثل هذه الخطط الجديدة فرصة لاغتنام فرص عصر الطاقة النظيفة. يجب أن تغطي جميع القطاعات وجميع الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي معا. “يجب عليهم خفض الانبعاثات بنسبة 60٪ بحلول عام 2035، مقارنة بمستويات عام 2019، مع أهداف خفض واضحة لإنتاج واستهلاك الوقود الأحفوري. ويجب أن يظهروا كيف ستسهم كل دولة في تحقيق الأهداف العالمية المتفق عليها في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين بشأن إزالة الغابات، والتحول في مجال الطاقة. يجب على مجموعة العشرين أن تقود، بالنظر إلى حجم انبعاثاتها”.
واختتم الأمين العام كلمته قائلا: “في عامنا الثمانين، دعونا نبني عالمًا أكثر سلامًا وعدلاً وازدهارًا، على الرغم من كل شيء إنه في متناول اليد”.