الناصرة – «القدس العربي»: يتواصل النزيف داخل أراضي 48، فمنذ بداية العام وقعت 70 جريمة قتل نتيجة انفلات عصابات الإجرام التي تستمتع بـ «شهر عسل» منذ تولى إيتمار بن غفير وزارة الشرطة المتواطئة معها.
وهذا ما يؤكده الفلسطينيون العرب في إسرائيل، وقادتهم وعلى رأسهم «لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية التي يرأسها محمد بركة.
وشهد الأسبوع الماضي حصيلة مرتفعة من هذه الجرائم، فقتل 12 شخصا عربيا في إسرائيل خلال أربعة أيام (في الناصرة، وعرابة البطوف، وعرعرة النقب، والرملة، وشفا عمرو، وسخنين والطيرة).
وهذا هو واقع الحال الدامي في السنوات الأخيرة إذ يُقتل بالمعّدل نحو 220 شخصا عربيا داخل أراضي 48 معظمهم من أتباع عصابات الإجرام العربية السبع.
وهذه العصابات، وفق التقارير، تنشط في البلدات العربية وتفرض الخوات وتجمع الأتاوات بالقوة والبلطجة، وتتصارع فيما بينها على مناطق النفوذ.
وتخلف هذه الجرائم ضحايا وقتلى من بينهم أقارب لمنتسبي العصابات فضلًا عن أبرياء من المارة في الشارع أو نتيجة خطأ في التشخيص.
وتضاف إلى جرائم القتل نتيجة الصراعات الدامية بين عصابات الإجرام على مناطق النفوذ التي تجمع فيها أموال الأتاوات، محاولات اختراق السلطات المحلية العربية تحت التهديد والوعيد، وكل ذلك دون رادع ودون محاسبة حقيقية.
وفي اجتماعها الأخير ناقشت «لجنة المتابعة العليا» التصعيد الخطير في معدل الجرائم والوضع الكارثي الذي حال إليه المجتمع الفلسطيني في الداخل، وطرق مواجهة ومكافحة العنف والجريمة من الجوانب السياسية، والرسمية، والشعبية، والثقافية.
وأقرت «لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية»، و»اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية»، تنظيم سلسلة من التظاهرات احتجاجًا على تفشي الجريمة في المجتمع العربي. وستنطلق أولى هذه التظاهرات يوم الأحد، 27 نيسان/ أبريل المقبل، أمام مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية في القدس، بالتزامن مع انعقاد اجتماعها الأسبوعي.
وتم الاتفاق على تنظيم مظاهرة غضب محلية في مدينة عرابة، يوم الثلاثاء المقبل، احتجاجًا على تصاعد الجريمة في البلدة، على أن تشمل المظاهرة مشاركة طلاب المدارس ضمن فعالياتها.
ويؤكد رئيس «لجنة المتابعة العليا» محمد بركة لـ «القدس العربي» أن هناك جهات إسرائيلية لها مصلحة في إفشاء الجريمة، مشددا على أن قضية نزاعات العصابات هي قضية سياسية تحتاج إلى قرار سياسي «لأنه ليس بإمكاننا كبحها، بينما قضية النزاعات المحلية وقضايا العنف فيمكننا تجاوزها ومعالجتها».
ويضيف «يجب أن نصب جهدنا في الفترة المقبلة لإيجاد حلول قطرية ومحلية، ونحن مستعدون لتصعيد الحراك الشعبي وإغلاق شوارع رئيسية في البلاد، لكن يجب أن نعرف كيف يمكن أن نجند الناس وكيف نُحدث التأثير».
هبة القدس والأقصى
وقال بركة إن «استفحال العنف والجريمة ليست خللا في الإدارة الإسرائيلية، وليس غلطة، بل هذا مشروع سياسي وضعته المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة، وفسحت المجال لعصابات الإجرام، وضخّت الأسلحة لها، ليس من أجل أن يقتل فلان فلانًا، بل من أجل أن يكون فلسطينيو الداخل مجتمعا مفككا، مسكونا بالقلق، ومسكونا بالخوف الذي يعتمل في صدور وقلوب الأمهات، اللواتي يخفن إذا خرج أبناؤهن أن لا يعودوا».
وتابع «هم أرادوا أن يشغلونا عن قضايا جوهرية أساسية تدخل في صلب سياسة إسرائيل، يريدون إخراجنا من المعركة ومن النضال من أجل الأرض والبيت. هم لا يريدوننا أن ننشغل بهذه القضية».
ونوه بركة إلى أن «الاعتداءات على المسجد الأقصى لا تتوقف، وعملية تهويد القدس مستمرة، والحصار مستمر على قطاع غزة»، وأضاف «ولذا فهم يريدون إشغالنا عن كل هذا، بانشغالنا بالجريمة والعنف. فهذا مشروع سياسي».
إلهاء عن السياسة
وحذر بركة من بعض أقاويل الشباب، كالقول «لا نريد الانشغال بالسياسة، بل بقضية العنف والجريمة”، فأكد أن الرد على استفحال الجريمة – وهو مشروع سياسي – يكون بالوحدة الوطنية.
كما حذر من تحريض المؤسسة الحاكمة على قيادات فلسطينيي الداخل، وقال إنهم «يريدون تفكيكهم إلى معسكرين: معسكر قيادة ومعسكر شعب، إلا أن القيادة التي لا تسير وراء شعبها، ولا تحمل أحلامه ولا طموحاتها، هي قيادة ليست جديرة بالقيادة».
ويرى بركة أن السلطات الإسرائيلية «عجزت عن احتلال قلعة عرب 48 من الخارج فلجأت إلى إشعال النار فيها من الداخل عبر الجريمة، وذلك بعدما أنجزنا لشعبنا في مطلع الانتفاضة الثانية عام 2000 ضمن هبة القدس والأقصى، ومن وقتها ونحن نواجه هذه الظاهرة المستفحلة».
الشرطة تستخف
ويتوافق مع بركة رئيس لجنة رؤساء الحكم المحلي رئيس بلدية سخنين مازن غنايم الذي يوضح هو الآخر لـ «القدس العربي» أن هناك استهزاءً من قبل الشرطة الإسرائيلية بقضية العنف والجريمة في المجتمع العربي، لافتا الانتباه إلى ما قاله «مراقب الدولة» في إسرائيل في تقاريره الأخيرة أن 90% من السلاح المتفشي في البلدات العربية أصله من قواعد الجيش الإسرائيلي.
وتابع غنايم في هذا المضمار «لا يمكن التعويل على شرطة إسرائيل، ولن توفر لنا الأمن والأمان، وفي الوقت نفسه لا يمكن أن لا يتحملوا المسؤولية».
وأضاف «ما يحدث لنا تطبيق لخطة درج مبيتة لتهجير مدننا وقرانا العربية، وهذا ما نشهده مع رجال الأعمال وفئات من الشباب العرب الذين ينقلون مصالحهم لخارج البلاد أو حتى للمدن اليهودية والمختلطة هربا من ظاهرة الخاوة».
وبخلاف مزاعم جهات إسرائيلية تخلط بين العنف وبين الجريمة المنظمة وتزعم أن جذور الظاهرة تعود لـ «عقلية» العرب العنيفة، يكشف الناطق بلسان الشرطة الفلسطينية العميد لؤي رزيقات أن الضفة الغربية المحتلة شهدت منذ بدء العام الجاري 12 جريمة قتل (فقط) مقابل 70 جريمة قتل داخل أراضي 48 التي تعد مليونًا ونصف المليون نسمة، بينما يعد الفلسطينيون في الضفة نحو مليونين ونصف المليون نسمة.
ويوضح رزيقات أن العام الماضي شهد وقوع 52 جريمة قتل داخل الضفة الغربية مقابل 229 جريمة قتل في أراضي 48، مشيرًا إلى أن الدور الرادع والمانع والإرشادي الذي تقوم به الشرطة الفلسطينية هو العلامة الفارقة بينها وبين الشرطة الإسرائيلية، وأن الفلسطينيين على طرفي الخط الأخضر أغصان لذات الشجرة وينتمون لذات الشعب و «العقلية».
جرائم بلا مجرمين
وتعترف الشرطة الإسرائيلية أنها فكّت رموز 22% فقط من جرائم القتل داخل البلدات العربية مقابل حلّها رموز 72% من الجرائم في البلدات اليهودية خلال السنوات العشر الأخيرة، مما يؤكد مجددا اتهامات فلسطينيي الداخل لها بصرف النظر عن الجريمة والتواطؤ مع المجرمين بهدف ضرب مجتمعهم من الداخل، وإشغالهم وثنيهم عن الانخراط في نضال سياسي.
يشار إلى أن القناة العبرية 12 كشفت في العام الماضي أن يد الشرطة الإسرائيلية مكبلّة في مواجهة الجريمة المتفشية داخل الشارع العربي بسبب دعم المخابرات الإسرائيلية (الشاباك) للمجرمين العرب كونهم عملاء لها.