لندن – “القدس العربي”:
نشرت مجلة “فانيتي فير” تحقيقا مطولا عن محاولات استعادة أموال معمر القذافي غير الشرعية. وقال آدم سيرالسكي إن الجواسيس والباحثين عن الثروات والمحامين عادة ما يبحثون عن المال والذهب والآثار إلا أن ليبيا تقدم حكاية مثيرة للحذر تشبه ألف ليلة وليلة من محاولات استرداد أموال الفاسدين.
وأشار في بداية تحقيقه لوفاة شكري غانم في فيينا بنيسان/إبريل 2012 وبعد ستة أشهر من مقتل معمر القذافي في مسقط رأسه، مدينة سرت. وعثر على جثة غانم عائمة في نهر الدانوب، وأخذت السلطات النمساوية وقتا لتحديد هوية الرجل البالغ من العمر 69 وأنه رئيس الوزراء السابق في ليبيا ووزير سابق للنفط الذي أصبح شخصية بارزة في ليبيا التي تعوم على النفط والفساد، وأصبح من النخبة الحاكمة فيها بعد حصوله على درجة دكتوراه من جامعة تافتس الأمريكية.
ومقارنة مع لقطات الفيديو حول مقتل القذافي البشعة والتي ستظل حاضرة في الذاكرة، سارع المدعي العام النمساوي لفتح تحقيق في وفاة غانم وتوصل إلى عدم وجود قرائن مشبوهة وأنه تعرض لسكتة قلبية قبل وقوعه في الماء.
ورغم درجة اليقين التي روج فيها النمساويون لنتائجهم إلا أنك لا تستطيع العثور على دبلوماسي أو أكاديمي اشترى النتائج هذه. وقال محقق أمريكي “عندما مات غانم كان يملك ما قدره مليار دولار”، فـ “كرئيس لشركة النفط الوطنية كان يقوم باقتطاع ونقل الأموال بمباركة من القذافي، ولا أحد يعتقد أن وفاته كانت مصادفة، بل رسالة”.
وفي مركز ملاحقة المال الذي يتخذ من فندق هام يارد في لندن مقرا، حيث تشمل عملياته على تجميد ومصادرة واستعادة أرصدة بالمليارات على شكل حسابات وسندات وأموال نقدية وعقارات وآثار نادرة، ومعظمها يعتقد أن القذافي وجماعته نهبوها من ليبيا، بالإضافة لأموال نقلها عدد من الأشخاص الذين ملأوا فراغ النظام السابق- شخص اسمه محمد رمضان المنسلي، أو مو. وقال للصحافي “النظام الذي أقامه القذافي وجماعته لتجنب العقوبات ونقل الأرصدة من ليبيا وحول العالم كان بارعا جدا. أعتقد أن القذافي كان ابن حرام ولكنه عرف كيفية لعب اللعبة”. والقذافي لم يكن الزعيم الوحيد الذي نهب بلده، فهناك قائمة طويلة من فرديناند ماركوس وموبوتو سيسكو وأخيرا فلاديمير وبوتين والأوليغارش التابعين له، إلا أن الزعيم الليبي السابق كان الأكثر جشعا. واستخدم أموال النفط لتحويل ليبيا نحو التحديث وساعد آلة الفساد والرعاية التي أبقت القذافي في الحكم مدة 42 عاما.
واليوم هناك محاولة لاستعادة بعض المال المسروق. ويقول الصحافي إن التحقيق هو قصة عن مقابلاته مع عدد من الشخصيات التي قابلها وظهرت أثناء محاولات ليبيا استعادة بعض مالها المسروق، بما فيه التحف الفنية. وهي محاولة لاستكشاف الجهود التي يقوم بها مكتب غامض يديره المنسلي باسم “المكتب الليبي لاسترداد الأصول وإدارتها” (لارمو). وقبل فترة طويلة من الجهود لتجميد المال الروسي، فقد جرت جهود مماثلة في ليبيا، وبناء على طلب من الأمم المتحدة تم تجميد الأصول التابعة لعائلة القذافي والحلقة القريبة منها والمؤسسات التابعة للدولة، لكن هناك كميات كبيرة من المال مخبأة بطرق سرية وبإدارة موالين للقذافي وقبيلته بطريقة تسمح لهم بإنكار هوية المالك الحقيقي. ويتراوح الملاك لهذه الأموال المخفية بين رجال المخابرات والمقربين من القذافي إلى أفراد لا يتوقع أنهم يملكون ثروة مثل نادل في مطعم على البحر كان أبناء القذافي يرتادونه. وانهارت شبكة القذافي التي أقامها بدقة لتجنب العقوبات عند وفاته عام 2011.
ومع تراجع الخوف من عائلة الزعيم السابق، قام الأفراد الذين وضعت الأرصدة بأسمائهم بتحويلها لأغراضهم الخاصة بمن فيهم شخصيات وقفت مع المعارضة.
وبحلول عام 2012، بدأ الصائدون للثروات يعرضون خدماتهم على الحكومة الانتقالية، ومنهم متعهد أمريكي عرض البحث عن المال المخفي مقابل حصة له من المال المسترد، والاستعانة بمسؤولين سابقين من أجهزة المخابرات الأمريكية. وبدأ خبراء سرقة اللوحات الفنية بالبحث عن التحف التي لا تقدر بثمن وتم نقلها من ليبيا على مدى السنين وظهرت في المتاحف والمجموعات الخاصة. وأصبحت طرابلس الدار البيضاء التي ظهرت فيها شخصيات تشبه تلك التي ظهرت في أفلام “ملوك ثلاثة” و”ريبو مان” و”بورن أيدنتتي”. ووصل كادر الجواسيس والمحتالين إلى ليبيا حيث بات يطلق عليهم “جماعة 10%” بناء على الأموال التي سيحصلون عليها مقابل الكشف عنها في الخزانات السرية. وطالب محتالون ومتعاملون في الظل بعمولاتهم مقدما. وقال مسؤول مخابرات ليبي سابق “كان هناك رجال من خلفيات استخباراتية وعسكرية وسياسية” و”كانوا يأتون لنا ويقولون: هناك مليار دولار نقدا موجودة في بينين، 10 مليارات في جنوب إفريقيا، وهي أخبار غير منطقية، لكنهم كانوا يطلبون دائما مئات الآلاف لكي يكشفوا عنها، وهي أموال الشعب الليبي”.
وتم إنشاء مكتب استرداد الأصول الليبية، لارمو، عام 2017 وسيطر عليه اسميا المنسلي في وقت بات فيه السباق على المال المنهوب يشبه العرض الساخر. وقال مسؤول أمني أمريكي متخصص بالمال “لدينا تفويض من وزارة العدل، وعندما كنا نهبط في سويسرا، قيل لنا من أنتم؟ قبل أسبوعين جاء أشخاص يسألون عن نفس الشيء. وقمنا بإخبار طرابلس ووجدنا أن هؤلاء الأشخاص هم دجالون. وفي الأيام الأولى استطاع بعضهم وضع أيديهم على مال كثير”. وأشار الكاتب إلى ما فعله المنسلي وهو مركزة البحث عن المال المنهوب والتخلص من الباعة المتجولين، وما حققه من نجاحات وإن قليلة.
وجرت مقابلة مع تيم لورنس، 52 عاما، بنوتردام والذي عمل سابقا كملحق عسكري في سفارة واشنطن بإسرائيل، وبعد تركه العسكرية انتقل إلى تونس لتقديم النصح لحكومات شمال أفريقيا حول مكافحة الإرهاب. وقال “ليبيا في فوضى ونزاع أهلي وعدد آخر من النزاعات المسلحة منذ سقوط القذافي” و”لديهم رئيس وزراء في الشرق وآخر في الغرب، إنها مثل مبارزة بيانو”. وعندما نقلت الولايات المتحدة سفارتها إلى تونس أصبح لورنس في المقعد الرئيس للجنون، وبعد سنوات من ملاحقة الإرهابيين بات يساعد لارمو مكتب لاستعادة المال المسروق. وقال “وصفت هذه العملية بقوس قزح، فلربما كان هناك كنز ذهب في نهايتها”.
وأشار لاتصال كندي يعرفه به للمساعدة في عملية بغانا واسترداد 60 بالة محفوظة في مخازن بمدينة أكرا العاصمة الغانية والتي يقول إن شخصا من الطوارق أمين عليها، وبعلامة “أشياء ثمينة لعائلة القذافي” وبعد حسابات حول كيفية نقل كل بالة ووصول فريق أمريكي إلى هناك لم يستطيعوا تحديد مكانها، مع أن الطوارقي دخل المخزن واستخرج مالا للتأكيد أن المال المحفوظ حقيقي. وبعد ذلك يشير الكاتب لمسيرة القذافي وكيف عرف بداية حكمه بأنه “فيدل كاسترو الشرق الأوسط” حسب جوناثان واينرـ مبعوث باراك أوباما لليبيا وكيف أن القذافي كان يريد تصدير الاشتراكية للعالم العربي ومثل كاسترو فشل في كل مكان و”على خلاف كاسترو لم يكن بحاجة لدولة راعية، فقد كان لديه النفط وهو بهذه المثابة كاسترو بمال وبتعليم أقل”.
وعند اندلاع الربيع العربي ركزت إدارة أوباما على إخراج القذافي من ليبيا حسب بن فيشمان، الذي خدم بمجلس الأمن القومي بإدارة أوباما. وعندما اتضح أنه لا يريد ورفض الاستماع ومقابله المبعوثين الأمريكيين جمدت الإدارة الاتصالات معه. وأشار الكاتب للتطورات التي أعقبت سقوط القذافي وتنافس القوى على ليبيا وظهور تنظيم الدولة وما آل إليه الحال الآن بحكومتين واحدة بزعامة عبد الحميد الدبيبة وأخرى برئاسة فتحي باشاغا. وعين الدبيية المنسلي لإدارة مكتب استرداد الأصول الليبية، مع أن شخصا آخر اسمه أنور عارف واصل العمل من مكان آخر، حتى كانون الأول/ديسمبر حيث تم استدعاؤه إلى ليبيا واحتجازه.
كما التقى الكاتب مع أورين ورشافسكي، الشريك في مكتب المحاماة المعروف “بيكر هوستيتلر” والذي يعمل فيه آلاف المحامين وأسهم في استعادة ربع مبلغ 19.2 مليار دولار الذي سرقه بيرني مادوف في ما سمي بحيلة بونزي. ولهذا كانت الاستعانة به ذات معنى حيث فجر في ديسمبر قنبلة بمحكمة منطقة جنوب نيويورك وطالب فيها ثمانية بنوك بالكشف عن بيانات حول حركة أموال القذافي. وقال “التفويض من مكتب استرداد الأصول الليبية هو استعادة أي شيء سرق أو اختلس من ليبيا. وبدأنا بإضافة أمور بناء على المصادر العامة، ويكيليكس وأوراق بنما وأوراق براديس وعملنا مع محققين تابعوا ليبيا ونثق بهم. وهناك من قال إنه تم سرقة 300 مليار دولار. وأشارت مصادر إلى أن عائلة القذافي تملك ما بين 40- 200 مليار دولار”.
وبعد أيام من دعوى ورشاكفسكي اعتقل أنور عارف مع أن هناك أسئلة أثيرت حول اعتقاله، وقالت مسؤولة أمريكية إن دعوى شركة المحاماة كانت لفتة للنخبة الحاكمة في ليبيا، التي خافت من الملاحقة لأن عددا منهم عمل مع القذافي. وقال مصدر غربي “لو استمر عارف بمهمته من خلف الأضواء لما اعتقل”. وأفرج عن عارف بعد شهرين من الاحتجاز، حيث رفض التعليق على القصة. وهناك من تساءل في الخارج عن سبب تغيير الحرس في مكتب استرداد الأصول الليبية وإدارتها. وبعيدا عن تداخلات السياسة الليبية التي تعني أن من يتحكم بالمال يفرض القواعد، فلا يزال ورشافسكي يمثل مكتب الأصول حيث يراها قضية “تحدث مرة في العمر” مثل قضية مادوف. وهي “عن بلد يعتبر من أغنى بلدان العالم من ناحية المصادر الطبيعية والأكثر فسادا”.
وسواء نجح ورشافسكي ونظيرته “هولاند أن نايت” بالحصول على الوثائق من بنك أمريكا، سيتي غروب، جي بي مورغان جيس، يو بي أس، أتس أس بي سي، كريدي سويس، بي أن وي ميلون ودويتشه بانك، أم لا فهذا أمر نتنظر حدوثه. ويشير الكاتب إلى أن صعود الدبيبة للسلطة كان مفاجئا، فهو بدون خبرة سياسية ولم يتوقع أحد فوزه وكان انتصاره “بهامش ضيق” كما قال دبلوماسي غربي، مضيفا أن اتهامات الرشوة لم تثبت ولكنها فرضية قائمة، مشيرا لابن عم رئيس الوزراء علي دبيبة الذي خدم نظام القذافي. ونفى محام يمثل علي دبيبة في تصريحات للغارديان الاتهامات وأن العائلة ليست مطلوبة لأي شيء.
وبالعودة إلى غانا لم ينجح فريق لورنس رغم مغامرات في عدة أماكن بالعثور على البالات، فهي إن وجدت فارغة وتبين أن القصة خدعة. وقال جوناثان واينر “هل سمعت عن ذهب سوكارنو؟” زعيم الاستقلال الإندونيسي الذي انتشرت شائعات عند وفاته عام 1970 عن سبائك الذهب التي تعود إليه واحتفظ بها بخزائن البنوك الأوروبية. وظهر عدة أشخاص زعموا أن لديهم الأدوات المناسبة لاختراق الخزينة. ولم يقتنع واينر بها أبدا و”لا أعرف كم الأرصدة المخفية للقذافي وإن كانت كذهب سوكارنو، ولا المفتاح لتابوت العهد المفقود لهذا النوع من المال، وبعضه حقيقي لا يزال موجودا ويمكن استعادته في النهاية ومن يدري؟”، لكن الأرصدة الحقيقية التي يمكن استعادتها هي الآثار المسروقة. ففي الوقت الذي شددت فيه اليونان وتركيا ومصر على المهربين وتهريب الآثار باتت سوريا وليبيا واليمن مناطق يهتم بها المهربون للآثار.
وبالعودة إلى قضية شكري غانم، يعتقد أنها رسالة تحذير. وقال شخص وصف نفسه بصديق غانم إنه ربما قتل لإسكاته و”قبل شهر من وفاته” قال المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته “أخبرني (غانم) مع آخرين أنه كتب مذكراته” والتي قد تفتح الباب لمعرفة الحقيقة عمن انتفعوا من النهب و”كانت هذه هي النهاية”. ولا يختلف المنسلي مع هذا التفسير “فهذا عمل خطير، حياة أو موت وتتهم بالسرقة ومحاولة أخذ المال الأسود (المسروق) وليس لدي أوهام”. لكنه واثق من تحقيق أهداف استعادة المال الليبي المسروق.
ألا لعنة الله على حلف الشمال الأطلسي والدول الغربية والعملاء والخونة الذين شاركوا في تدمير ليبيا وأدخال أهلها في حرب أهلية وجعلوا من أرضها وشعبها وثرواتها لقمة سائغة لعرّة خلق الله !
قتل الرجل ولم تنفعه أمواله ولا الذهب،. ألا يتعظ في ذلك بقية البشر أم صارت قلوبهم من حجر ?
لكن هدف هؤلاء الأوغاد والأشرار والخونة الذين اجتمعوا تحت لواء الحلف الأطلسي لم يكن هدفهم قتل القذافي لأنه صنيعتهم وكانوا قادرين على اغتياله في فرنسا أو إيطاليا ويخلصوا الشعب الليبي منه ، فهدفهم كان قتل ليبيا وتدميرها وقتل الشعب الليبي وإذلاله وإشغاله بالحروب الأهلية والفتن لينهبوا ثرواته وأرضه وبحره !
لم يشهد العالم من الاساطير والاكاذيب والدعاية المضللة كتلك التي يشهدها العالم على هامش الحرب في أوكرانيا. ويميل الراي العام العربي الى تصديق كل ما يقال من مديح الرؤساء مثل القذافي وصدام حسين وبن علي وصالح. رؤساء العرب نهبوا الاموال وينهبون حتى الساعة. انظروا ما حدث في لبنان الدولة افلست وزعماء المليشيات في السلطة جالسين على قلوب الناس.