لندن- “القدس العربي”:
نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” مقالا للمعلق جدعون راتشمان قال فيه إن إدارة بايدن كافحت على مدار العام المنصرم لمنع حرب إقليمية في الشرق الأوسط، خوفا من أن تجر الولايات المتحدة أو تسبب ضررا للإقتصاد العالمي.
مضيفا أن هذه السياسة أصبحت الآن قريبة جدا من الفشل. فللمرة الثانية هذا العام، أطلقت إيران صواريخ على إسرائيل، وساعدت الولايات المتحدة إسرائيل في التصدي لها. ووعد جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي، بأنه ستكون هناك “عواقب وخيمة” على إيران وقال إن الولايات المتحدة “ستعمل مع إسرائيل” لضمان حدوث ذلك. يبدو هذا وكأنه تهديد بعمل عسكري أمريكي- إسرائيلي مشترك ضد إيران.
وقال راتشمان إنه تم إقناع إسرائيل في نيسان/ أبريل، بالحد من ردها إلى مستوى يمكن للإيرانيين قبوله ضمنيا – وتوقف تبادل الضربات. هذه المرة، يبدو من غير المرجح أن يتم منع تبادل الضربات بين إيران وإسرائيل من التصعيد أكثر.
تم إقناع إسرائيل في أبريل، بالحد من ردها إلى مستوى يمكن للإيرانيين قبوله ضمنيا – وتوقف تبادل الضربات. لكن هذه المرة، يبدو من غير المرجح أن يتم منع تبادل الضربات بين إيران وإسرائيل من التصعيد أكثر.
وأضاف أن إسرائيل فتحت جبهة ثانية في حربها مع أعدائها الإقليميين، بتوغل بري في لبنان في أعقاب الضربات المدمرة التي وجهتها بالفعل إلى حزب الله، القوة المسلحة المدعومة من إيران. وأنه من الواضح أن حكومة بنيامين نتنياهو تشعر بأن أعداءها في حالة ضعف. وربما ترغب في الرد بقوة على إيران، على أمل إلحاق ضرر دائم بالجمهورية الإسلامية وربما ببرنامجها النووي المثير للخوف.
ووفق الكاتب فلا شك أن الإيرانيين أدركوا المخاطر المترتبة على التصعيد المضاد الإسرائيلي، وربما يخشى البعض في طهران أن يقعوا في فخ بإطلاق الصواريخ مرة أخرى على إسرائيل. ولكن الفشل في الرد على الهجمات الإسرائيلية على حزب الله ــ التي أعقبت اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في طهران في تموز/ يوليو، سيبدو أيضا وكأنه خطر جدي بالنسبة لإيران.
ويعلق راتشمان أن المنطق القاسي للحرب والردع يشير إلى أن القوة التي تعجز عن الدفاع عن أصدقائها، أو الرد على الهجمات في عاصمتها، تبدو ضعيفة. والضعف من المحتمل أن يدعو إلى المزيد من الهجمات، في حين يؤدي أيضا إلى خسارة النفوذ والهيبة.
لكن خلف هذا الكلام القاسي، ربما لا يزال البيت الأبيض يحث إسرائيل على ضبط ردها وعدم الرد بقوة حتى تشعر إيران بأنها مضطرة إلى رفع مستوى الرهانات مرة أخرى. فبعد الانسحاب من أفغانستان، لم تعد إدارة بايدن ترغب في الانجرار إلى صراع آخر في الشرق الأوسط.
ومع انشغال القوات الإسرائيلية بالفعل في القتال في غزة ولبنان، ربما يكون لدى حكومة نتنياهو أسبابها الخاصة لعدم تصعيد الصراع المباشر مع إيران الآن.
ولكن إذا قرر الإسرائيليون أنهم يريدون اتخاذ إجراءات مباشرة أكثر صرامة، فقد أظهروا بالفعل أنهم سعداء تماما بتجاهل دعوات إدارة بايدن لضبط النفس. وربما يأمل البيت الأبيض أنه من خلال العمل مع إسرائيل، يمكنه ممارسة المزيد من النفوذ على قوة وطبيعة الرد الإسرائيلي.
كانت الولايات المتحدة تحث إسرائيل منذ أشهر عديدة على عدم شن هجوم على حزب الله. وبعد أن بدأت إسرائيل الأعمال العدائية الشهر الماضي، انضمت إدارة بايدن إلى المملكة المتحدة وفرنسا ودول أخرى في حثها على وقف فوري لإطلاق النار في لبنان. ولكن تم تجاهلها مرة أخرى.
ويقول الكاتب إن استعداد حكومة نتنياهو لتجاهل رغبات أقرب حلفائها وضامن أمنها ينبع من مفارقة في قلب السياسة الأمريكية. إذ تستطيع إدارة بايدن أن تحث إسرائيل على ضبط النفس في غزة ولبنان، وهي تفعل ذلك بالفعل. لكنها ستحمي إسرائيل دائما من عواقب التصعيد، مستشهدة بالالتزام الشامل بالدفاع عنها ضد إيران وأعدائها الإقليميين الآخرين.
ونتيجة لهذا، تدرك الحكومة الإسرائيلية أن تحدي إدارة بايدن يكاد يكون خاليا من المخاطر. بل قد تكون هناك بعض الفوائد إذا جرّت الولايات المتحدة إلى نشر قوتها العسكرية ضد إيران.
مع كل انتخابات رئاسية في أمريكا، هناك تكهنات حول “مفاجأة أكتوبر” التي تقلب السباق قبل التصويت. وقد قدمت إسرائيل وإيران للتو هذه المفاجأة، وقد يكون ترامب هو المستفيد.
وتتضاءل احتمالات رفض أمريكا دعم إسرائيل في الأزمات ــ وهي احتمالات ضئيلة دائما ــ بسبب حقيقة أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية لم يتبق عليها سوى شهر واحد. وقد قدمت كامالا هاريس فكرة اتخاذ موقف أكثر صرامة مع نتنياهو بشأن غزة. لكنها سترغب أيضا في الظهور بمظهر المتشدد والداعم الكامل لإسرائيل في وقت الخطر. ولا يمكنها أن تخاطر بالظهور بمظهر المتساهلة مع إيران، التي للولايات المتحدة تاريخها الطويل من العداء معها، والذي يعود إلى أزمة الرهائن في الفترة 1979-1981.
ومع ذلك، فإن الوضع الخطير الحالي قد يكون بمثابة أخبار سيئة لهاريس. يحب دونالد ترامب أن يزعم أن العالم كان في سلام خلال فترة رئاسته، لكن “ضعف” إدارة بايدن أدى إلى حروب في أوروبا والشرق الأوسط. وهذا التصعيد الأخير يناسب روايته تماما.
ويخلص الكاتب إلى أنه في كل مرة تنظم قد انتخابات رئاسية في أمريكا، هناك تكهنات حول “مفاجأة أكتوبر” المحتملة التي تقلب السباق قبل أسابيع فقط من التصويت. وقد قدمت إسرائيل وإيران للتو مفاجأة أكتوبر لهذه الانتخابات، وقد يكون ترامب هو المستفيد.