يظهر ان موقف النخب السياسية الفرنسية الحاكمة من الاسلام لا يختلف كثيرا بعضه عن بعض، سواء كان الحكم السياسي يمينيا او يساريا. أما الخلافات البسيطة التي تظهر في الحملات الانتخابية حول التعامل مع الاسلام والمسلمين فليست سوى زوبعة اعلامية مؤقتة تهدف لكسب اصوات المسلمين وبمجرد انتهائها تعود حليمة الى عادتها القديمة. وتبدأ السلطات بمناسبة او بغير مناسبة الهجوم على المعتقدات الاسلامية وعادات المسلمين من المأكل او الملبس. لقد استبشر المسلمون الفرنسيون خيرا عندما انبرى الرئيس الفرنسي الحالي فرانسوا هولاند، ابان حملته الانتخابية التي قادته الى سدة الرئاسة، الى تطرف وحقد الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي على الاسلام والمسلمين. وقام على اثرها اغلب اعضاء الجالية المسلمة بفرنسا بالتصويت لصالح الاول، اي هولاند، أملا بسلوكه طريقا مختلفا عن سلفه في طريقة التعامل مع المسلمين الذين يمثلون من حيث العدد الديانة الثانية في فرنسا بعد الكاثوليك. بدأ نذير الشؤم في عهد الاشتراكيين، عندما شرعوا قانونا يجيز للمثليين الزواج رسميا، متجاوزين في ذلك مشاعر اغلبية الشعب الفرنسي المعارض لهذا القانون، من كاثوليك ومسلمين وبروتستانت ويهود، غير عابئين بالمظاهرات الكثيرة والكبيرة في العديد من المدن الفرنسية الكبرى المنددة بهذا العمل الشنيع. كانت لي الفرصة في المشاركة بأحد تلك المظاهرات التي رفعت آنذاك شعارات كثيرة من بينها رجل + امرأة يساوي عائلة، او كما اذكر شعار آخر يقول الطفل صناعة من أبوين، لكن تلك المظاهرة وغيرها استغلت سياسيا من قبل اليمين الذي حوله ساركوزي الى يمين متطرف. لقد رفعت في المظاهرات الاعلام الزرقاء التي كان الرئيس الفرنسي الخاسر قد رفعها في حملته الانتخابية الاخيرة. مرت هذه العاصفة ولا تزال تداعياتها تضرب النسيج الاجتماعي الفرنسي، فبلدية باريس وحدها تفتخر بأنها حطمت الرقم القياسي في الشهر الماضي، عندما انجزت حوالي 217 حالة زواج لمثليين، مقارنة بالبلديات الفرنسية الاخرى. أما القضية الاخرى التي أثارت استغراب المسلمين الفرنسيين واستهجانهم بنفس الوقت عندما أثيرت قبل حوالي شهر مناقشة ورقة تضيق اكثر مما مضى على الحجاب، ليس فقط على طالبات المدارس الابتدائية والثانوية، انما على امهاتهن اللاتي يأتين لمرافقتهن كل يوم دراسي في بداية الدوام ونهايته. يجري الان العمل على منعهن من تخطي عتبة المدرسة العلمانية العتيدة المقدسة، من خلال التشريعات الجديدة المقترحة. لتصبح العلمانية الفرنسية دينا جديدا اخر يعادي الاسلام ولا نظير له في أوروبا. اذ ان التعامل مع الجاليات الاسلامية في الولايات المتحدة الامريكية او دول اوروبا الغربية، كبريطانيا وهولندا وبلجيكا والسويد والدنمارك وسويسرا واسبانيا والمانيا وايطاليا افضل بكثير والحمد لله من فرنسا. لقد سوقت لنا بعض القيادات الاشتراكية ابان حكم الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي، بأن العلمانية التي يريدون تطبيقها عندما سيفوزون بالانتخابات محايدة مع جميع طبقات المجتمع الفرنسي، بغض النظر عن العرق او الدين او الطبقة. وهي ايضا ايجابية لانها تمنح الحرية لممارسة العبادات أيا كانت، شرط الا تتدخل الاديان في الشأن السياسي. سبق ان جرب الاشتراكيون حظهم العاثر مع المسلمين في فرنسا. فليتذكروا قبل اكثر من عقدين عندما قننت حكومتهم الاشتراكية انذاك مسألة الحجاب وسط ضجة مفتعلة لم يحصدوا منها غير الخيبة من جميع النواحي. فرهان كسب اصوات اليمين قد فشلت تماما، وبالتالي فشلوا في الانتخابات فشلا ذريعا. وعاد اليمين الى السلطة منتصرا بقوة، وحكم الرئيس الديغولي اليميني جاك شيراك فرنسا لولايتين متتابعتين. وليتذكر الاشتراكيون ايضا أن قانونهم السيئ الصيت لم يحد من منع انتشار الحجاب، بل العكس هو الصحيح. لقد كان المسلمون انذاك في فرنسا اقل عددا ولا يعرفون اهمية وقيمة البطاقة الانتخابية، ويجهل الكثير منهم طلاسم طائفة كبيرة من السياسيين الفرنسيين ولغتهم الدبلوماسية، التي تشبه في تعاطيها مع الشأن الاسلامي من يدس السم في العسل. أما اليوم وبطبيعة الحال فالحزب الاشتراكي الحاكم يدرك قبل غيره قوة المسلمين الفرنسيين الحالية، وثقافة أجيالهم الجديدة المتنورة ومعرفتهم التامة بقواعد لعبة الانتخابات، ولولا مساندتهم له باصواتهم لما تمكن من الفوز بالانتخابات الاخيرة. ان كان اليمين الساركوزي قد فشل في كسب اصوات اليمين المتطرف في الانتخابات الرئاسية الاخيرة للفوز على خصومه الاشتراكيين، على الرغم من تقاربهم الايديولوجي وتطابق برامج الطرفين في عدائهم المشترك للاسلام. فلا يدري احد فحوى لعبة السياسة الفرنسية الجديدة للاشتراكين الجدد، لاعادة ملف قضية الحجاب من جديد واشهار عدائهم للاسلام والمسلمين القاطنين على التراب الفرنسي، بصورة متناقضة مع المواقف العلنية المحابية للاسلام من قبل رئيس الجمهورية ووزير داخليته. هل يريدون مغازلة اليمين واليمين المتطرف تحضيرا لانتخابات عام 2018 ان كان ساركوزي اليميني قد عجز عن جذب اصوات ناخبي اليمين المتطرف للفوز بالانتخابات السابقة. فان هولاند الاشتراكي أعجز من سابقه لنيل رضى منتخبي اليمين واليمين المتطرف لانتخابه تارة اخرى في عام 2018. اضافة الى هذه المقامرة الخاسرة غير المحسوبة النتائج، فانه سوف يخسر كذلك اصوات الملايين من المسلمين الفرنسيين الذين رجحوا كفته في الانتخابات الماضية.