فرنسا: انتقادات لإدارة الحكومة لأزمة كورونا وجدل خارجي بعد تصريحات ماكرون عن الرسوم الكاريكاتيرية

آدم جابر
حجم الخط
0

خرجت مظاهرات حاشدة ضد قانون “الأمن الشامل” وعنف الشرطة، تخللتها بعض مشاهد العنف والتخريب، التي ذكرتنا بأعمال التخريب التي شهدتها مظاهرات السترات الصفراء.

باريس-“القدس العربي”: على غرار غالبية بلدان أوروبا الغربية ولاسيما المتوسطية، فقد فرضت جائحة كوفيد-19 نفسها كأبرز حدث طبع فرنسا في 2020. حيث أصيب بالفيروس نحو 2.5 مليون شخص، بمن فيهم الرئيس إيمانويل ماكرون، وتوفي أكثر من 60 ألفا من جراء الفيروس، بمن فيهم الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان في الثالث من كانون الأول/ديسمبر، عن عمر ناهز 94 عاماً.

وما يشد الانتباه أكثر هي الطريقة التي أدارت من خلالها الحكومة الفرنسية أزمة جائحة كورونا والتي عرضتها إلى انتقادات حادة لأسباب عديدة من أهمها عدم التزام الشفافية مع الفرنسيين لاسيما خلال اذار/مارس ونيسان/أبريل أي خلال الفترة التي بدأ فيها فيروس كورونا يتفشى في البلاد بشكل غير مسبوق. فالعديد من الفرنسيين يعتبرون أن تمسك الحكومة بالإجراءات البيروقراطية كان عائقا كبيرا من عوائق فشلها في إدارة ملف الاختبارات التي طال انتظارها أكثر من اللزوم ولم تعد متوفرة بالقدر الكافي حتى النصف الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. وعلى الرغم من المآخذ الكثيرة على السلطات الفرنسية في إدارة أزمة كورونا، فإن ما يقره مندوبو وسائل إعلام دول الاتحاد الأوروبي المعتدومون في فرنسا أن هذا البلد كان بحق أكثر سخاء من باقي الدول الاتحاد في ما يتعلق بالمساعدات المالية التي قدمها للفرنسيين وخاصة العاملين والتجار للحد من مضاعفات الأزمة الاجتماعية.

وكما هو الحال في السنوات الأخيرة، لم يسلم عام 2020 من الاعتداءات الإرهابية التي هزت فرنسا وبلغت ذروتها عند المدرس الفرنسي سامويل باتي منتصف تشرين الأول/أكتوبر بعد عرضه رسوماً كاريكاتورية مسيئة للنبي محمد عليه الصلاة والسلام. ثم الاعتداء الإرهابي الذي ارتكبه شاب تونسي مهاجر في كاتدرائية مدينة نيس والذي راح ضحيته رجل وامرأتان. وقد أثارت عملية اغتيال المدرس باتي بشكل وحشي من قبل شاب مهاجر شيشاني ردود فعل كثيرة داخل فرنسا دفعت بالرئيس ماكرون إلى شن حملة على ما وصفها بـ “الانفصالية الإسلامية” حيث شدد على أن الدولة الفرنسية تقف إلى جانب حرية التعبير حتى وإن كان ذلك على حساب المقدسات الدينية لأن من خصوصية مبادئ العلمانية على الطريقة الفرنسية أن حرية التعبير أهم من المقدسات الدينية باعتبار أن القوانين الفرنسية لا تجرم التجديف.

الرسوم الكاريكاتيرية

ولكن دفاع الرئيس الفرنسي بقوة عن هذا المبدأ وتصريحه “لن نتخلى عن الرسوم الكاريكاتيرية”؛ تسببا بموجة غضب في الدول العربية والإسلامية، دفعته لاحقاً إلى تخصيص مقابلة حصرية مطولة لقناة “الجزيرة” القطرية، ثم توجه وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إلى بعض الدول العربية للتأكيد على أن فرنسا ليست ضد الإسلام والمسلمين بل ضد التطرف الصادر عن أشخاص أو مجموعات تتبنى التطرف والإرهاب باسم الدين.

في هذا السياق، لابد من وضع بعض الانتصارات المهمة التي حققتها القوات العسكرية الفرنسية المرابطة في الساحل الأفريقي ضد تنظمي “القاعدة” و”الدولة” والمجموعات المحلية الموالية لهما. وفي هذا الإطار تندرج عملية القضاء على زعيم تنظيم القاعدة في بلدان المغرب العربي عبد المالك دروكال يوم 3 حزيران/ يونيو الماضي.

عنف الشرطة

وشهدت نهاية العام جدلاً داخليًا واسعا أثارته المادة 24 من مشروع قانون “الأمن الشامل” الذي طرحته الحكومة وبموجبه تمنع تصوير عناصر الشرطة خلال أدائهم مهامهم، وهو اعتبره معارضون مساسا بحرية الصحافيين وحقهم في كشف الحقائق وسيجعل من الصعب محاسبة أفراد الشرطة على أي انتهاكات محتملة، بما في ذلك الاستخدام المفترض للقوة، الذي يثير انتقادات متزايدة من الجمعيات والمنظمات الحقوقية وبعض الشخصيات السياسية. وجاءت واقعة ضرب عناصر من الشرطة لمنتج موسيقي أسود البشرة لتعيد موضوع عنف الشرطة إلى الواجهة، بعد موجة التنديدات التي تبعت الكشف عن هذه الواقعة. بعد ذلك، خرجت مظاهرات حاشدة ضد قانون “الأمن الشامل” وعنف الشرطة، تخللتها بعض مشاهد العنف والتخريب، التي ذكرتنا بأعمال التخريب التي شهدتها بعض مظاهرات “السترات الصفراء”.

 الانتخابات البلدية والأوروبية

جرت الدورة الأولى من الانتخابات البلدية في 15 اذار/مارس وتأجلت الدورة الثانية حتى 28 حزيران/يونيو بسبب كورونا. ومن دروس هذا الاستحقاق بلوغ نسبة العازفين عن المشاركة في الانتخابات 40 في المئة وهي غير مسبوقة ومؤشر على استمرار انعدام ثقة الفرنسيين في الطبقة السياسية بشكل عام. كما أن هذه الانتخابات شهدت موجة خضراء (المدافعون عن البيئة) غير معهودة بدليل أن مدنا كبرى مثل ليون ثاني مدن البلاد أصبحت بيد الخضر. والاستنتاج ذاته ينطبق على  الانتخابات البرلمانية الأوروبية التي جرت 23 ايار/مايو. فقد عززت هذه الانتخابات موقع الخضر في دول الاتحاد الأوروبي.

وفي فرنسا حل الخضر في أعقابها في المرتبة الثالثة، بينما حل في المرتبة الثانية حزب “الجمهورية إلى الأمام” الحاكم الذي كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أطلقه في شكل حركة سياسية جديدة عام 2016. أما الفائز بالمرتبة الأولى فهو حزب “التجمع الوطني” المنتمي إلى اليمين المتطرف والذي تتزعمه مارين لوبين.

رئيس وزراء جديد

وعقب هذين الاستحقاقين الانتخابيين اضطر الرئيس

 الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى تعيين رئيس وزراء محل إدوار فيليب هو جان كاستيكس الذي لم يكن الفرنسيون يعرفونه قبل تعيينه في هذا المنصب باعتباره كان كوظفا ساميا. أما مساره السياسي فهو في غالبه مسار شخص منتخب على المستوى المحلي في جنوب فرنسا الغربي، علما أنه كان مساعد الناطق باسم الرئاسة الفرنسية في نهاية الفترة الرئاسية لنيكولا ساركوزي -أي من شباط/فبراير عام 2011 إلى ايار/مايو 2012. وعلى ذكر الرئيس اليميني الأسبق ساركوزي، فقد شهدت الفترة الممتدة بين الثالث والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر والعاشر من كانون الأول/ديسمبر، محاكمته بتهمة الفساد واستغلال النفوذ في ما يعرف بـ”قضية التنصت” التي اتهمه الادعاء بموجبها، هو ومحاميه تييري هرتزوغ، بمحاولة رشوة القاضي جيلبر أزيبير، للحصول على معلومات داخلية حول تحقيق بشأن الاشتباه في تلقيه أموالا أثناء حملته الانتخابية.

وطالب المدعي العام بإصدار حكم بسجن ساركوزي لمدة  أربع سنوات، اثنتان منها مع وقف التنفيذ. ولكن طاقم المحامين المدافعين عن الرئيس الأسبق فندوا التهمتين الموجهتين لموكلهمها وطلبوا تبرئته بينما، اعتبر المعني بالأمر أن القضاء كان يرغب في تضييق الخناق عليه بدون سبب، فلم ينجح عندما كان رئيسا للدولة وأنه ما يزال يلاحقه بتهم كثيرة ولكن دون إثبات هذه التهم بالحجج الدامغة.

ولابد من الإشارة هنا إلى أن فرضية تبرئة ساركوزي من القضايا المرفوعة ضده من شأنها أن تفتح له الباب للعودة إلى الحياة السياسية وربما الترشح إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة التي ستجري عام 2022 والتي يرغب ماكرون في قرارة نفسه في أن يتنافس في دورتها الثانية في حال بقائه إلى هذه الدورة مع مارين لوبين على غرار ما حصل في عام 2017.

المبادرة الفرنسية في لبنان

والملاحظ أن أهم ما طبع العلاقات الفرنسية العربية خلال عام 2020 هو انخراط الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مبادرة باتجاه لبنان للمساعدة على إنقاذه من أزمته الحادة التي لم يشهد لها مثيلا من قبل. وطرح ماكرون هذه المبادرة خلال الزيارة المفاجئة التي قام بها إلى بيروت في السادس من اب/أغسطس عام الماضي أي بعد يومين على الانفجار الكبير الذي هز ميناء بيروت. واشترط الرئيس الفرنسي على الطبقة السياسية اللبنانية تشكيل حكومة من خارج الأحزاب السياسية التي يتهمها ناشطو الحراك اللبناني كلها بالفساد مقابل العمل على مساعدة لبنان على الحصول على أموال تساهم في تعزيز العمل الإصلاحي المنشود. ولكن ماكورن اهتدى شيئا فشيئا إلى أن الملف اللبناني أكثر تعقيدا مما كان يتصور.

ولم يمنعه الشعور بالإحباط أمام الطبقة السياسية اللبنانية المتهمة بالفساد بالعمل على تنظيم مؤتمرين دوليين افتراضيين انطلاقا من باريس بالتعاون مع الأمم المتحدة والبنك الدولي لمساعدة المتضررين من انفجار مرفأ بيروت. وتمكن المؤتمر الأول الذي عقد في 9 اب/أغسطس من جمع 280 مليون يورو بينما توصل مؤتمر المانحين الثاني لفائدة لبنان من إطلاق صندوق بإشراف الأمم المتحدة والبنك الدولي يعنى بجمع المساعدات الإنسانية لمصلحة لبنان شريطة أن تُسلم الأموال إلى المنظمات الأهلية اللبنانية في كنف الشفافية وألا تسلم إلى السلطات الرسمية.

راحلون

شهد العام 2020 رحيل الفنان الفكاهي غي بيدوس في 28 ايار/مايو، عن عمر ناهز 85 عاماً. وقد عرف بحبه للجزائر التي ولد فيها، وبنضاله ضد كافة أشكال العنصرية والتمييز.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية