باريس ـ «القدس العربي»: فرض التغير المناخي نفسه على فرنسا وبلدان أوروبا الغربية الأخرى خلال عام 2022 من خلال فترات القيظ والجفاف غير المسبوقة منذ عقود وربما منذ قرون. وأهم حدث سياسي تفردت به فرنسا على البلدان الأوروبية الأخرى خلال العام هو بلا شك إعادة انتخاب إيمانويل ماكرون رئيسا للجمهورية الفرنسية لفترة رئاسية ثانية تستمر خمس سنوات. وإذا كان الرئيس الفائز قد وجد نفسه في الدورة الثانية من هذه الانتخابات أمام مارين لوبين زعيمة اليمين المتطرف على غرار الانتخابات الرئاسية في عام 2017 فإنه فقد كثيرا من سمات الفوز الأول. بل بدا حاله في أعقاب الانتخابات التشريعية التي تلت الانتخابات الرئاسية كحال ربان سفينة تتلاطمها الأمواج من كل حدب وصوب، على خلفية فقدانه الأغلبية المطلقة في البرلمان الجديد.
المخاض العسير
لا بوصلة اليوم إذن بين يدي إيمانويل ماكرون الذي لا يملك أغلبية في البرلمان للمضي قدما في الإصلاحات التي بدأها خلال فترته الرئاسية الأولى. وبالتالي فهو مضطر إلى التعايش مع أحزاب لا تشاطره برنامجه السياسي ورؤيته، وهو حال اليمين المتطرف وغالبية أحزاب اليسار أو حزب «الجمهوريين» اليميني المحافظ الذي يبدو اليوم مستعدا لإبرام اتفاق لتقاسم الحكم مع ماكرون ولكن وفق شروطه لا وفق شروط ساكن الإليزيه. يعلم الرئيس الفرنسي أنه بإمكان المعارضة إسقاط الحكومة من خلال مذكرات حجب الثقة عنها والتي تصبح نافذة المفعول إذا صوتت عليها أغلبية النواب. ولذلك فإنه أوعز إلى رئيسة وزرائه إليزابيت بورن أن تستخدم عدة مرات المادة 49.3 من الدستور والتي تسمح بإقرار مشاريع القوانين في البرلمان دون المرور بالضرورة عبر التصويت.
إخفاق وانتصار
صحيح أن انتخابات عام 2022 فندت توقعات عدد من المحللين السياسيين بإمكانية وصول أول أمرأة إلى قصر الإليزيه في تاريخ الجمهورية الفرنسية عبر شخص فاليري بيكريس، ومع ذلك، فقد شهد هذا العام وصول امرأتين أخريين إلى مركزين مهمين في الخريطة السياسية الفرنسية، هما: إليزابيت بورن، كثاني امرأة تتولى رئاسة الوزارء، بعد إيديت كريسون في عهد الرئيس الراحل فرانسوا ميتران رئيسة الحكومة الحالية ويائيل براون بيفي رئيسة مجلس النواب، يائيل بروان بيفي، التي باتت أول سيدة تتولى رئاسة مجلس النواب.
الأزمة الأوكرانية
لا يمكن التطرق إلى حصاد عام 2022 في أي بلد كان دون التساؤل عن بصمات الأزمة الأوكرانية في الحياة الاقتصادية والاجتماعية في العالم. ونظرا لأن أوروبا لم تشهد منذ الحرب العالمية الثانية حربا شبيهة بالحرب الروسية على أوكرانيا، ومكانة فرنسا المهمة في أوروبا، فإنه من الطبيعي جدا أخذ فكرة عن تبعات هذه الحرب على هذا البلد. يمكن القول إن فرنسا استطاعت التكيف بشكل أفضل مع تبعات الأزمة الأوكرانية الاقتصادية، مقارنة بدول أوروبية أخرى، ولاسيما في ما يتعلق بإمدادات الغذاء والطاقة. فإذا كانت الأزمة قد تسببت في ارتفاع أسعار المواد الغذائية وأسعار الطاقة في بلدان أوروبية كثيرة، فإن الفرنسيين تمكنوا من حصر نسبة التضحم عندهم بين 6 و7 في المئة، ويرجع ذلك أن فرنسا منتج ومصدر كبير للحبوب وأن خطة الإنعاش التي وضعها الرئيس ماكرون لتجاوز تبعات وباء كورونا سمحت للبلاد بالثبات بشكل أفضل.
انتكاسة وتهدئة
في اب/ أغسطس عام الماضي، غادر آخر جنود قوة «برخان» الفرنسية مالي بعد مرور تسعة أعوام على وجودهم فيها. وأقدمت باريس على الخطوة بعد الانقلاب العسكري في مالي وتوتر العلاقات بينها وبين المجلس العسكري الحاكم في باماكو. أعلن ماكرون أن بلاده تدرس مع سلطات منطقة الساحل الأفريقي سبل التعاون المستقبلي لمواجهة الحركات الإسلامية المتطرفة التي تسعى منذ سنوات إلى اتخاذ هذه المنطقة قاعدة أساسية لأنشطتها الإرهابية. وانتقد التدخل العسكري الروسي في أفريقيا عبر مجموعة «فاغنر». لكن الانطباع السائد لدى الرأي العام في منطقة الساحل أن فرنسا تسعى منذ سنوات إلى الحفاظ على مصالحها في هذه المنطقة أكثر من سعيها إلى المساعدة على التصدي بنجاعة للحركات الجهادية التي تلجأ إلى الإرهاب لفرض نفسها على السكان وعلى السلطات المحلية.
مقابل هذه الانتكاسة الفرنسية في القارة السمراء، سجل العام انفراجا على مستوى العلاقات الفرنسية المغاربية على خلفية ما يعرف باسم «أزمة التأشيرات» أي إقدام السلطات الفرنسية خلال عام 2021 على خفض تأشيرات دخول الجزائريين والمغاربة والتونسيين إلى الأراضي الفرنسية على خلفية رفض سلطات البلدان الثلاثة التعاون بما فيه الكفاية مع السلطات الفرنسية بهدف ترحيل مواطنيها غير المرغوب فيهم على الأراضي الفرنسية. ولابد من الإشارة إلى أن العلاقات الفرنسية الجزائرية من جهة والعلاقات الفرنسية المغربية من جهة أخرى شهدت توترا بسبب هذا الملف وملفات أخرى من بينها فيما يخص الجزائر التصريحات التي كان الرئيس الفرنسي قد أدلى بها في تشرين الأول/أكتوبر عام 2021 وقال فيها إن «النظام السياسي-العسكري الجزائري قد أنشئ على ريع الذاكرة وعلى تاريخ رسمي يرتكز على كراهية فرنسا». وسعى الطرفان إلى إنهاء هذا التوتر وإعادة إطلاق العلاقات الثنائية خلال الزيارة التي قام بها ماكرون إلى الجزائر نهاية شهر اب/أغسطس الماضي.
أما الملف الآخر الذي ساهم في توتير العلاقات المغربية الفرنسية، بالإضافة إلى ملف التأشيرات، فهو ملف الصحراء. فالمغرب يرى أن على باريس أن تحذو حذو إسبانيا للاعتراف بمغربية الصحراء، بينما تنظر فرنسا إلى تطبيع العلاقات الإسرائيلية المغربية باعتباره خطوة من شأنها الحد من مصالحها الاقتصادية والتجارية في المغرب لصالح أطراف أخرى منها الولايات المتحدة. وعلى الرغم من عدم تغير هذين الموقفين، فإن الزيارة التي قامت بها وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا إلى الرباط منتصف شهر كانون الأول/ديسمبر ساعدت على ربط التواصل بين البلدين وتسوية مشكلة التأشيرات، في انتظار الزيارة الرسمية التي يفترض أن يقوم بها الرئيس الفرنسي إلى المغرب خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2023 لإيجاد أرضية جديدة للتعاون بين البلدين.
نوبل
من أهم الأحداث التي طبعت فرنسا عام 2022 في مجال العلوم والثقافة، حصول الفيزيائي الفرنسي آلان أسبي على جائزة نوبل للفيزياء، التي تقاسمها مع الأمريكي جون كلوز والنمساوي أنطون زيلنغر. وكانت جائزة أخرى هي جائزة نوبل للآداب في العام ذاته من نصيب الكاتبة الفرنسية آني إرنو التي تخصصت في التدريس الجامعي وفي الإبداع عبر الرواية.
راحلون
رحل خلال عام 2022 الفنان والرسام الفرنسي بيار سولاج الذي ولد عام 1919 وقال عنه الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا أولاند سنة 2014 إنه «أعظم فنان على قيد الحياة في العالم».
فنان آخر كان حاضرا بقوة في مخيلة الفرنسيين طوال عام 2022 هو جان باتيست بوكولان المعروف باسم «موليير» والذي يُعَدُّ أب المسرح في فرنسا. فقد تمت برمجة أعمال كثيرة له في المسارح الفرنسية وأقيمت بشأنه ندوات طوال العام المنقضي بمناسبة مرور أربعة قرون على ميلاده.
سنه 94.3 سعیده لکل الفرنسیین. التقاعد سیکون علی سن 65 بدل 62 سنه حالیا. یقول الفرنسیون : العمل یزید في الصحه. فهنیئا لکم.