إسماعيل عبد الهادي
لم تسعف الهدنة الإنسانية التي نجح الوسيط القطري في تثبيتها داخل قطاع غزة نهاية تشرين الثاني/نوفمبر الماضي والتي استمرت على مدار أسبوع، في استغلال التجار فترة الهدوء القصيرة لقطف ثمار الزيتون بشكل كامل من الأراضي الزراعية الواسعة والقريبة من المناطق الحدودية مع إسرائيل، حيث رفض الاحتلال تجديد الهدنة بعد مرور أيام قصيرة عليها، وأحبط ذلك التجار الذين استنفروا كامل طاقاتهم من الأيدي العاملة من أجل قطف كامل الثمار خلال الهدنة الإنسانية، لكن بعض الخروقات من جانب الاحتلال وانتهاء الهدنة وعودة التصعيد بدد آمال التجار والمزارعين الذين خسروا الموسم الذي يعتبر بالنسبة لهم مصدر رزق وفير وموسمي.
ووفق وزارة الزراعة في غزة، فإن موسم قطف ثمار الزيتون يبدأ من مطلع تشرين الأول/أكتوبر حتى منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام، وهذه الفترة هي الأفضل للقطف والتي تكون فيها الثمار قد اكتملت النضوج، لكن بعد انقضاء الفترة المعروفة، تبدأ الثمار بالتساقط والعفن ولا تصلح للأكل ولا حتى للعصر لإنتاج الزيت، وهذا أيضاً حرم السكان في قطاع غزة من الحصول على الزيتون الذي ينتظرون موسم قطافه بفارغ الصبر للتزود بالزيت الذي يزيد استهلاكه خلال فصل الشتاء.
خسائر مالية
تشتهر فلسطين بشكل عام بزراعة أشجار الزيتون التي تعتبر رمزاً للسلام، حيث يحرص كافة المزارعين على تخصيص مساحات زراعية شاسعة من أجل زراعة أشجار الزيتون من كافة أنواعه السُري وK18 والشملال، حيث أن ثمار كل نوع من هذه الأشجار له ميزة بالنسبة للمزارعين من حيث جودة الزيت وكمية عصره، كما تصدر فلسطين كميات من الزيت في كل عام إلى الضفة الغربية والأسواق العربية، وعملية التصدير تعود بالخير الوفير على التجار والمزارعين.
ولم تقتصر الخسائر على المزارعين والتجار فقط، بل أن أصحاب المعاصر والذين يعتمدون في كل عام على هذا الموسم باعتباره موسما ثمينا لكسب المال، هم أيضاً تكبدوا خسائر مالية، بعد أن باتت معاصرهم مغلقة بسبب استمرار الحرب على قطاع غزة، وتدمير الاحتلال عدداً من المعاصر المتواجدة على شارع صلاح الدين حيث تمركز جيش الاحتلال على هذه المناطق القريبة من الحدود مع الجانب الإسرائيلي، وصعوبة تحرك المزارعين نحو أراضيهم وقطف الثمار، والخوف من التحرك داخل الأراضي الزراعية، خشية من التعرض للاستهداف من قبل الطائرات الاستطلاعية والحربية.
يقول تاجر الزيتون عبد الحميد نصر تكبدنا كمزارعين خسائر كبيرة في قطاع غزة، من جراء استمرار الحرب وعدم قدرة المزارعين على استثمار موسم جني ثمار الزيتون الذي ننتظره بفارغ الصبر مع حلول شهر تشرين الأول/أكتوبر من كل عام، على اعتبار أن هذا الموسم مدر للمال وجميع السكان سواء في غزة أو الضفة الغربية وحتى في الدول العربية، يستعدون لشراء الزيت الذي تشتهر غزة بتصديره كل عام إلى بلدان عربية عدة.
ويقول لـ”القدس العربي” إنه وبالرغم من اشتهار بلدان عربية عدة بزراعة الزيتون، إلا أن الزيتون الفلسطيني يعتبر من أجود الأنواع من حيث شكل الحبة وكمية الزيت وجودته داخل الثمار، ويعود ذلك إلى مناخ فلسطين المعتدل وتربتها الخصبة، التي تعد من أساسيات نجاح زراعة الأشجار بشكل عام وجودة ثمارها.
وأوضح أنه حاول استغلال فترة الهدنة، من خلال بذل جهد بمشاركة عشرات العمال لقطف أكبر قدر من الثمار من داخل المساحة الزراعية التي تبلغ 21 دونما زراعيا والواقعة شرق مدينة غزة، لكن حجم الدمار الذي تعرضت له أرضه من جراء تعرضها للقصف الإسرائيلي، شمل العشرات من الأشجار عدا عن تساقط كميات كبيرة من الثمار التي وجدت فاسدة.
ولفت إلى أن رعاية أشجار الزيتون منذ بداية العام، من خلال رشها بالمبيدات الحشرية الخاصة بحفظ الثمار، إلى جانب استخدام أدوية مقوية أخرى، قد كبده خسائر مالية كبيرة تضاف إلى خسائر فشل موسم القطف، الذي عول من خلاله على تعويض تكاليف الأدوية والمبيدات، عدا عن نيته توسيع المساحة الزراعية.
استمرار الحرب
بدوره يقول المختص الاقتصادي محمد أبو جياب إن موسم الزيتون يعتبر من أشهر المواسم التي يهتم بها المزارعون في قطاع غزة، لما في هذا الموسم من خير وفير على المزارعين والتجار وأصحاب المعاصر، الذين يعتمدن على هذا الموسم والذي يمتد على مدار شهرين وهما تشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر من كل عام لما فيه من فرصة وفيرة لكسب المال.
وأوضح لـ”القدس العربي” أن فئة العمال هم أيضاً تضرروا من فشل الموسم، بعد أن كان ينتظر المئات من الشباب العاطلين عن العمل الموسم خوض مهنة قطف الزيتون بأجور مناسبة، عدا عن حصولهم على كميات الزيتون والزيت بشكل مجاني والتي تشهد أسعارها بشكل عام ارتفاع كبير.
ولفت إلى استمرار أمد الحرب قد أفشل الموسم من ناحية تساقط الثمار وفساده، عدا عن قصف الطائرات الحربية مساحات زراعية واسعة من قطاع غزة، وهذا الدمار أفرز خسائر كبيرة على المدى الزمني بالنسبة للمزارعين، بعد أن اقتلعت المئات من أشجار الزيتون المعمرة بفعل كثافة القصف الإسرائيلي، وعملية الزراعة مجدداً يتم جني ثمارها بعد مرور3 سنوات على الأقل، وهذا يؤثر على المزارعين والتجار، الذين يضطرون إلى استيراد الزيت والزيتون من خارج قطاع غزة بأسعار مرتفعة تؤثر على المواطن المستهلك.
ويواصل الجيش الإسرائيلي شن حربه المستعرة على قطاع غزة مع دخول شهرها الثالث على التوالي، محدثاً خراباً ودماراً كبيراً في كافة الممتلكات، حيث طال هذا الدمار حرق مساحات زراعية كاملة في مناطق غزة وشمالها، بعد تعمد الطائرات الحربية قصف الأراضي الزراعية بوابل كثيف من القذائف والصواريخ، ويزداد القلق من توجه الاحتلال لتوسيع نطاق الحرب على مناطق جنوب قطاع غزة والتي تضم مساحات زراعية شاسعة، حيث تعتبر هذه المناطق سلة غذاء قطاع غزة، ولاسيما مدينة خانيونس التي تزود أسواق القطاع بالخضروات على مدار العام.