فعلها كثيرون مع «الجزيرة» قبل نتنياهو

فعلها نتنياهو بعد أن فعلها قبله عرب كثيرون.
قرار الحكومة الإسرائيلية المتطرفة إغلاق مكتب قناة «الجزيرة» بعد طول تذمّر وامتعاض من تغطيتها لعدوانها على غزة لم يكن أكثر من استنساخ رديء لسوابق عربية، وتقريبا بنفس التبريرات، وحتى المفردات من قبيل «التحريض» و«المس بالأمن القومي» وغير ذلك.
نسيت هذه الحكومة ورئيسها ما كانت تتغنى به، ومن سبقوها، من أن دولتهم هي «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط» فاقترفت ما لا تسقط فيه عادة «ديمقراطيات عريقة» مفضّلة في المقابل أن تكون أقرب إلى سياسات منطقة كانت تعيّرها بانعدام الحريات. وبذلك، أثبت نتنياهو انتماءه إلى رقعة من العالم بينها وبين حرية الصحافة عداء قديم ومستحكم، فصار أخيرا لحكومة الاحتلال أن تقول إنها لم تفعل في الحقيقة غير ما ألفت عليه القوم حولها.
بصيغ وسياقات مختلفة فعلها قبلها كثيرون. كانت تونس آخرهم حين قامت السلطات بغلق مكتب القناة بمجرّد إعلان الرئيس قيس سعيّد في 25 يوليو /تموز 2021 سلسلة من «الإجراءات الاستثنائية» دون أن يعرف بالضبط من اتخذ القرار رسميا، حتى وإن لم يشمل ذلك منع مراسليها من العمل أو سحب تراخيصهم وإن دفعوا دفعا إلى العمل من مقر نقابة الصحافيين أو من بيوتهم أو من المقاهي إلى اليوم.
فعلتها مصر حين داهمت قوات الأمن المصرية مكتب القناة منتصف أغسطس/ آب 2013 وحاصره الأمن لمنع العاملين من دخوله، بعد أيام قليلة من اعتقال بعض مراسليها هناك. وقد كانت السلطات هناك قد صادرت قبل ذلك كافة الكاميرات والمعدات وأجهزة البث الخاصة بالمكتب منذ مداهمته في الثالث من يوليو/ تموز الماضي بعد بيان الجيش بعزل الرئيس محمد مرسي مباشرة. وما زال المكتب مغلقا.
فعلتها السلطات السورية بعد فترة وجيزة من اندلاع الثورة السورية منتصف مارس/ آذار عام 2011 رغم أن مكتب القناة في دمشق صمد لفترة وكان يستضيف شخصيات موالية للنظام لتدافع عن وجهة نظره لتصبح الشاشة لاحقا في تغطية متواصلة دون حضورهم. وما زال المكتب مغلقا.

قرار الحكومة الإسرائيلية المتطرفة إغلاق مكتب قناة «الجزيرة» بعد طول تذمّر وامتعاض من تغطيتها لعدوانها على غزة لم يكن أكثر من استنساخ رديء لسوابق عربية، وتقريبا بنفس التبريرات

فعلتها السلطات اليمنية كذلك في نفس الشهر من نفس العام، فبعد يومين من تعرض مكتب القناة للنهب على يد مسلحين، قررت هذه السلطات إغلاق هذا المكتب وسحب تراخيص مراسليه، في أوج احتجاجات عارمة تطالب بتنحي الرئيس علي عبد الله صالح ما حرم أنصاره في النهاية من منبر للدفاع عنه. وعاد المكتب للعمل بعد أن صارت صنعاء غير صنعاء.
فعلتها السلطات العراقية مرتين الأولى في أكتوبر/ تشرين الأول 2004 حين أصدرت الحكومة العراقية المؤقتة قرارا بإغلاق مكتب القناة في بغداد مدة شهر طالبة منها إعادة النظر في الأخبار والصور التي تنقلها من العراق بحجة أنها «تحرض على الكراهية» كما سحبت منها تراخيص مراسليها، متهمة إياها بـ«مخالفة الضوابط الحكومية».
وبعد عودة المكتب للعمل عادت السلطات عام 2016 إلى سحب ترخيص شبكة الجزيرة وأغلقت مكاتبها في بغداد متهمة إياها بمخالفة الضوابط الحكومية الصادرة في 2014 لتنظيم وسائل الإعلام «في زمن الحرب على الإرهاب». وعاد المكتب للعمل في ما بعد.
فعلتها السلطات الكويتية مرتين أيضا عام 2002 و2010 حين قررت إغلاق مكتب القناة وسحب التراخيص والاعتمادات الممنوحة لمراسليه «بسبب ما قامت به الجزيرة من نقل بعض الأحداث الأخيرة». وما قالت «إنه تدخل في الشأن الداخلي الكويتي، وعدم التزام القناة بتعليمات الوزارة» حسب ما جاء في رسالة من إدارة الإعلام المرئي والمسموع الكويتية بعد أن كانت أوقفت جهاز البثّ الفضائي للمكتب. وعاد المكتب للعمل لاحقا.
فعلتها السلطات المغربية في أكتوبر/ تشرين الأول 2010 حين قالت وكالة الأنباء الرسمية إن وزارة الإعلام قررت تعليق نشاط قناة الجزيرة في المغرب ووقف العمل بالاعتمادات الممنوحة لطاقمها. وأضافت وقتها إنه ترتب على ما سمته «المعالجة الإعلامية غير المسؤولة للقناة إضرار كبير بمصالح البلاد العليا ووحدتها الترابية». وقد جاء القرار بعد سنتين تقريبا من وقف بث «النشرة المغاربية» من الرباط. وعاد المكتب للعمل بعد ذلك.
ومن طرائف الإغلاق ما أعلنته في مايو/ أيار 2010 البحرين من تجميد مكتب قناة «الجزيرة» بصفة مؤقتة بسبب «إخلال القناة بالأعراف المهنية، وعدم التزامها بالقوانين والإجراءات المنظمة للصحافة والطباعة والنشر» وفقاً لما نقلت وكالة الأنباء الرسمية، إذ أعربت الجزيرة وقتها عن دهشتها واستغرابها لهذا القرار، قائلة إنها ليس لها مكتب من الأساس في المملكة!! وما زال الوضع كذلك.
أما في الجزائر فلم يكن للقناة مكتب أو مراسل هناك طوال فترة حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة وهو أمر يعود لسبب واحد هو غضب بوتفليقة من المحطة حين قطعت لقاء مباشرا معه على الهواء عام 1999، ولم يكن وقتها سوى مرشح للرئاسة، وانتقالها لبث وتغطية خبر عاجل هو بداية الحرب في كوسوفو مع بداية هجوم طائرات الحلف الأطلسي. ولم يصبح للقناة مكتب إلا بعد رحيله عن السلطة وعن هذه الدنيا الفانية.

كاتب وإعلامي تونسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سامح// الاردن:

    *ستبقى الجزيرة منارة وهرم إعلامي مميز
    على رغم أنف ( النتن ) وكل الحاقدين والفاسدين..

  2. يقول هاشم:

    الفردوس المحترق وشهود الأرض من عرب وعجم في متاهة الضائعين… طاف رجل معظم بلاد العالم, و رأى كثيرا من الكوارث, الا أنه لم يرى شعبا بأكمله يغرق في الحزن كهذا الشعب… كل العيون هنا مكلومة وحزينة فأسنان الخراب والمآسي قد غزت المدينة، أصبح أهل المدينة لا يسمعوا أصواتهم ولا يروا وجوههم إلا في بشر قد رحلوا… ومن قد يبقى من أهل المدينة حيا فسوف يحمل سنوات عمره كالجثامين فوق ظهره… الضحية واحدة والجلادون كثر… الأمل بحد ذاته موجع حينما لا يتبقى سواه… الله غالب

  3. يقول هاشم:

    يبدو أن العصر الذهبي للإنسانية كان في الماضي، وربما دوما هو في الماضي… الضحية واحدة والجلادون كثر…

  4. يقول عبد المالك عمر وعلي:

    بدون شك أن الجزيرة نزيهة تماما في نقل الاخبار لذا يريد نتانياهو الملطخة يده بدم الفلسطنيين أن يخفي ما يمكن اخفاؤه لانه مطالب دوليا بكونه مجرم حرب

اشترك في قائمتنا البريدية