فلسطين: السيطرة أمُّ التطرف؟
رياض أبو بكرفلسطين: السيطرة أمُّ التطرف؟ حينما تكون فلاحاً بسيطاً لا تعرف سوي حدود أرضك الجميلة وبساتينك الزاهية، ويأتيك قدرٌ يرسلك الي عالم المدينة، فانك ستواجه أزمة التأقلم وتجابه متطلبات الحياة الجديدة، قد تُصاب بالصدمة الثقافية أو ستحاول التنازل عن العديد من الصفات التي تأصلت ونبتت جذورها في أرض فكرك وتصرفك، قد تعجب بحياة المدينة بضوضائها، وقد تضطر أحياناً للتخلي عن سلوك تكون مدركاً لأفضليته، كلّ هذا فقط لكي تحترم حياة الآخرين في المدينة، ولكن في لحظة ما تجد نفسك أمام خانة الاتهام بالتخلف والرجعية اذا تمسكت ببعض سلوك الفلاحين أو ألقيت التحية في مكانٍ عام، وتجد أنك بالرغم من احترامك لجلّ صفات المدينة لم تحترم شطحات أو بقايا من صفاتك، وفجأة تنفض الغبار عن الحقيقة وتصرخ بوجه الجميع قائلاً هاأنذا ولن أتغير ، وقد يؤرقك استياء الفلاحين المقيمين في المدينة من تمسكك بأفكارٍ قد تكون قاطنةً في عقولهم لكنهم لا يستطيعون التعبير عنها، فيزداد تعلقك بحياتك الريفية التي كنت قد تخليت عنها، وتزداد ارتباطاً بأفكارك التي نشأت مع المحراث ومع زقزقة العصافير ورقصات السنابل.لن يختلف الحال كثيراً بين القرية مع المدينة والعالم الثالث مع الولايات المتحدة، فالولايات المتحدة بعد تفرّدها بالسيطرة علي دول العالم نتيجة قوتها الاقتصادية عملت علي ترسيخ وجهات نظرها عن طريق عصا العولمة، وتعتقد هذه الدولة أن الديمقراطية التي تلبسها داخل أراضيها هي المرآة التي تعكس أعمالها في الخارج، لكن ليس هناك وجه مقارنة بين السماح للشاذين جنسياً بالخروج في مظاهرات احتجاج ومطالبة بحقوقٍ لهم وبين منع الشعوب في حرية التعبير عن أحلامها بالاستقلال والسيادة، وهذا التعدي الأمريكي علي أخص ما يخص الدول يضعها في خانة التمسك بكلّ ما ترفضه الولايات المتحدة وما تروّج لعدم استهلاكه واستهلاك بضاعة الكلام الفاسد.فقد دأبت الولايات المتحدة علي شنّ حرب ضروس ضد أفكار الحركات التحررية العربية والاسلامية ومدت يد العون للأنظمة كي تتمكن من قمعها وبالتالي ما نتج عن هذا القمع الا المزيدٌ من الاصرار الاسلامي والعربي علي استقلالية الفكر، والصراع الفكري يختلف عن الفيزياء، فلكلّ فعل ارهابي تقوده الولايات المتحدة أو اسرائيل ردة فعل تعاكسه بالاتجاه ولا تساويه في المقدار، فمهما عظمت قوة المقاومة العربية والاسلامية فانها ستبقي في حيّز الدفاع وليس الهجوم وهذا نابع من معناها كمقاومة وليست قوة، فلمْ تتدخل أي جهة عربية في الانتخابات الأمريكية أو الاسرائيلية أو الألمانية أو الفرنسية، لكن يُلاحظ أن كلاً من هذه الدول تترقب بقلق فوز ونجاح الحركات الاسلامية سواء في فلسطين أو مصر أو غيرهما.فمن معاني الديمقراطية التي تريدها الولايات المتحدة منع حركة حماس من المشاركة في الانتخابات الفلسطينية، وطردها من المجالس البلدية، فكيف ينطق بهذا رجلٌ يدّعي الاتجاه الديمقراطي، ألم تكن الديمقراطية تمثل قرار الأغلبية وحرية الرأي والتعبير؟ لذا فان الغاء قرار أغلبية الشعب الفلسطيني يعني الغاء رأيه ما يساوي نقيض الديمقراطية.اذاً السيطرة واستخدام القوة بشكليها العسكري والاعلامي لنزع الفكر من ذويه يعني خلق التطرف وانجاب التعصب لذاك الفكر، وهذا ما يضع المواقف الاسلامية ليس في خانة الدفاع عن كونها متطرفة أم لا، بل في خانة البحث عن أسباب التطرف والعوامل النفسية التي زرعتها الولايات المتحدة لخلق بيئة مناسبة لنمو وتكاثر التطرف.وعادة ما يكون الأقوي رحبَ الصدر ومرناً نتيجة عدم الخوف من القوي الأخري اذا تم الحصول علي قوته بطرق مشروعة، وهذا ما جري حقاً في ظلّ الدولة الاسلامية، لكن علي العكس تماماً ما يحدث اليوم فالأقوي عسكرياً والمتمثل بأمريكا لا يحترم الضعيف من ناحية وليس مرناً من ناحية أخري، ويخاف كلّ هبة ريح بسبب عدم مشروعية الوسائل التي أوصلته الي حاله الحاضر، فالفكر الذي تتصرف بموجبه الولايات المتحدة متطرف لعناصره، وأحياناً ليس في حدود الولايات المتحدة بل تعداهـــــا الي ساحل أستراليا الأسبوع الماضي، فماذا تتخيل الولايات المتحـــدة اذا تبدلت موازين القوي وأصبحت دول المركز أو الدول الصناعية الكبري مكان الدول الاسلامية؟ هل ستنادي بالديمقراطـــية والتعايش مع الأفكار الاسلامية والعربية اذا تم قمــــعها من قبــل تلك الأفكار؟لدي اجتماع الهيئة العامة للأمم المتحدة في نيويورك 15/9 اتفقت معظم الدول علي مكافحة الارهاب، والآن تجري عدد من رحلات المسؤولين الأمريكيين بين أوروبا والولايات المتحدة لوضع الخطط الأمنية المناسبة لتلافي خطر الارهاب كما سنّت ادارة الرئيس الأمريكي جورج بوش قانوناً جديداً بهذا الشأن، فلماذا كل هذا التخبط؟ فالدول التي تتفق ضد الارهاب تذهب الي الاعتقاد بأن الارهاب حركيّ يتمثل بأحزابٍ أكثر منه دولي أو اقليمي، لكن اذا اجتمعت الأحزاب مع الدول ستتفق أيضاً علي رفض الارهاب، وسيتجه وقتئذٍ العالم كله باتجاه تصنيف الارهاب الي أنواع ومسميات جديدة لتكريس الفوارق بين بلدانه، وهذا هو واقع الأمور، فللارهاب أشكال عدة علي رأسها الارهاب الأمريكي والارهاب الاسرائيلي وهما سببان لكل الأشكال الأخري التي تجتاح العالم.فاليوم تثير قضية الديمقراطية في فلسطين أزمة خانقة لدي الدول التي تعتقد بأنها ديمقراطية وتطالب السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس بقمع ارادة الشعب أو أغلبيته، فلو افترضنا جدلاً أن السلطة خضعت لتلك الأصوات الداعية لتصنيف البرلمان الفلسطيني وفق وجهة نظرها، فما النتيجة؟ هل تتخيل أنظمة تلك الدول أن هناك ارهاباً فلسطينياً وسيزول حالما تم قمعه؟ بالطبع سيبقي خيار الشعب الفلسطيني خياره مهما تم قمع ذاك الخيار بل علي العكس سيتجه نحو الفكرة الممنوعة لأنه يؤمن بصلاحيتها نحو كرامته وحريته، وبالتالي تكون تلك الدول داعياً أساسياً للتعصب الفكري والتطرف في معالجة الضغوط.فلو تم انهاء الاحتلال الأمريكي للأراضي العربية والاسلامية والاحتلال الاسرائيلي كذلك واُحترمت حرية الأحزاب العربية والاسلامية كما يتم احترام الولايات المتحدة أو اسرائيل لمواطنيها بالتعبير عن أدني متطلباتهم الفيسيولوجية لظهر عالم جديد بزيّ مختلف وحينئذ سيتضح التطرف علي وجهه الحقيقي ومن نافلة القول أنه لن يعود الي المنطقة العربية الا محمولاً علي اكتاف الدبابات وفوهات الأسلحة الغربية ليس من الضروري أن تشتعل نار الخلاف بين التطرف من جهة والاسلام الذي يدعو الي الوسطية فكراً وممارسة من جهة أخري، فالخلاف الجوهري بين السيطرة الأمريكية والاسرائيلية المتمثلة بالاحتلال والقمع من جهة وكافة أطياف الفكر العربي والاسلامي صاحــبة الحق المشروع من جهة أخري.ہ كاتب من فلسطين[email protected]