رام الله – “القدس العربي”: حسب التقويم الاعتيادي لدى وزارة التربية والتعليم الفلسطينية فإنه بقي تسعة أيام فقط على نهاية العام الدراسي الحالي لكن مستقبل هذا الفصل أصبح في مهب الريح بعد أكثر من 60 يوما على إضراب المعلمين الفلسطينيين.
ولا يلوح في الأفق أي حل جدي لحلحلة الأمور وفك الإضراب الذي بدأ بتاريخ 19 نيسان/ابريل الشهر الماضي واستمر حتى اللحظة. فالأمل بعودة مئات آلاف الطلبة إلى مقاعد الدراسة وصل طريقا مسدودا في ظل أن طرفي الأزمة الحالية كلاهما متمسك بوجهة نظره، وسط غياب أي جهود أو مبادرات يمكن أن تقود لاختراق في الملف التعليمي الذي ينظر إليه الفلسطينيون على أنه خط أحمر.
وتتضاعف المشكلة أمام محاولات تسييس الإضراب وربطه من جهات حكومية وأخرى محسوبة على اتحاد المعلمين بأجندات حزبية “وانقلابية” رغم أن حراك المعلمين الموحد يقول إن ما يزيد على 60 – 65% من المعلمين يشاركون فيه، وأن الأرقام في تصاعد مستمر.
فئة مظلومة
يوم أمس الأول لجأ حراك المعلمين الموحد إلى أهالي الطلبة وأولياء الأمور حيث أعلن الأهالي عن وقفات احتجاجية أمام مديريات التربية والتعليم في مدن الضفة الغربية. ولوحظ أن وقفة أولياء أمور الطلاب أمام مكتب مديرية التربية والتعليم في الخليل كانت الأكبر والأكثر زخما شعبيا والأعلى صوتا في مطالبة المسؤولين بإنصاف المعلمين. ورفع أولياء الأمور شعارات مكثفة بمجملها تطالب الحكومة بإنصاف المعلمين وعدم كسر إضرابهم كما حدث معهم في الإضراب الموحد عام 2016. وبرأي المحتج صهيب زاهدة فإن الإضراب محق للغاية، معتبرا أن الجميع عليه العمل في سبيل أن يحصل المعلمون على حقوقهم. وشدد على أن ما يحدث من طرف الحكومة من ممارسات ضد المعلم فيها الكثير من الاستهتار بحقوقه هو الذي جعل المسيرة التعليمية تعاني من تراجع كبير جدا. وأكد أن كل المطالب عادلة ومحقة، وحمل الحكومة مسؤولية الطريق المسدود الذي وصلت إليه الأمور، إلى جانب الاتحاد الذي يتعامل مع المعلمين على أنهم خصم له. ويرى أن الحكومة تدير الأزمة بطريقة لامبالية، “لا نرى تعاملا جديا من الحكومة، حتى تصريحات الوزير ركزت على الخصم والعقاب، وهي أمور سطحية ولا تأخذ الأمور على محمل الجد ولا تقود لحل”. وختم أن الإضراب جعل الأطفال في الشوارع بدلا من مقاعد الدراسة، ولهذا الأمر تبعات خطير وتتحمل مسؤوليتها الحكومة.
يذكر أن الفترة التي سبقت عيد الفطر شهدت استعانة من جانب مديريات التربية والتعليم وحراك المعلمين بالأهالي وأولياء الأمور من أجل الضغط على المعلمين للتراجع عن إضرابهم.
عيد حسونة، عضو المجلس الموحد لأولياء الأمور، يؤكد أن هناك جهات كثيرة تبذل جهودا وتقدم مبادرات في سبيل فك إضراب المعلمين، لكن ما يجعل عدم التوصل إلى حل هو أن الجميع صعد على الشجرة ويتمترس خلف موقفه. ويقود حسونة ومجموعة المجلس الموحد جهودا واجتماعات مع الجهات الحكومية، ويرى أن الأزمة سببها أن المعلمين قبل شهرين رفعوا مطلبا واحدا تمثل في التزام الحكومة في صرف الراتب الشهري، لكن المعلمين أصيبوا بالإحباط في ضوء الاتفاقية التي وقعتها التربية والتعليم مع اتحاد المعلمين وهو ما جعلهم يستمرون بالإضراب.
وتبادل المعلمون والاتحاد الاتهامات عبر وسائل الإعلام الفلسطينية ومنصات التواصل الاجتماعي إثر رفع سقف مطالب المعلمين بعد أن جدد الحوار بين الاتحاد والوزارة شهيتهم لمطالب كثيرة لم يحققوها في إضرابهم التاريخي عام 2016.
ويرى حسونة أن المعلمين أحبطوا من اتفاقية الاتحاد مع الوزارة، “ربما حدث ذلك عن حسن نية، رفعوا سقف المطالبات، لكن موقف التربية والتعليم المتمثل في أرسال كتب الخصم بحق المعلمين المضربين أجج الموقف وصعده”. ويؤكد حسونة أن المعلمين في طلباتهم محقون، وهم فئة مظلومة، فهم منذ أكثر من 20 سنة لم يحصلوا على حقوقهم المالية.
ويشير حسونة إلى أن الحكومة تقول إنها تتعامل بإيجابية مع مطالب المعلمين، لكنها ترى أن موضوع الأموال لا يجب الاقتراب منه، والأخير هو جوهر مطالب المعلمين المضربين.
ويختم حسونة حديثه أنه “حتى اللحظة لم نأخذ من الحكومة مبادرة حسن نية أو شيئا ملموسا يجعلنا نجلس فيه مع المعلمين للتفاوض”.
وكان يأمل مهتمون في مجال التعليم أن دخول إجازة عيد الفطر ستكون فرصة مثالية للتفاوض والبحث عن حلول للمشكل الحاصلة لكن المسألة لم تجد أي حلول لها خلال العطلة وهو ما نقل الإضراب إلى الفترة الحرجة مع نهاية الفصل الدراسي.
وكان حراك المعلمين قد أعلن يوم الخميس الماضي عن استمرار خطواته الاحتجاجية على أن يبدأ الإضراب منذ الصباح ويغادر المعلمون مدارسهم عند الساعة 11 ظهرا، ويغادر الموظفون مكاتبهم في الوزارة والمديريات عند الساعة 12 ظهرا. ويضم حراك المعلمين الموحد مئات المعلمين وتتمثل مطالبهم برفع علاوة طبيعة العمل، ورفع علاوة غلاء المعيشة، وإنصاف المعلمين المفصولين من حراك عام 2016، وتعديل قانون التقاعد، وتشكيل نقابة لهم، إضافة إلى مطالب أخرى لها علاقة بمعلمي العقود والمياومة.
ورغم قيام اتحاد المعلمين بتوقيع اتفاقية مع وزارة التربية والتعليم قبل ثلاثة أسابيع إلا أن جانبا كبيرا من المعلمين لم يروا في هذه الاتفاقية “ما يحقق مطالبهم وتطلعاتهم” وهو ما دفع المعلمين للاستمرار في الإضراب. وتتمثل الخطوات الاحتجاجية بتوجه المعلمين يوميا للدوام المدرسي والتوقيع على الحضور والمغادرة عند الساعة 11 ظهرا.
وحسب الحراك فإن المعلمين يتقاضون رواتب بطبيعة عمل تصل حتى 50 – 55%، لكن هذه النسبة بالمقارنة مع المهندسين والأطباء الذي يتقاضون رواتب بطبيعة العمل تتراوح من 150 – 200% نسبة قليلة، وبذا فهم يطالبون بعلاوة عمل بحدود 100% . أما علاوة غلاء المعيشة التي تعتبر علاوة سنوية فهي متوقفة منذ 2013، حيث يطالبون بتفعيل علاوة غلاء المعيشة بأثر رجعي مع الحفاظ على رصيد السنوات التي تجمد فيها صرفه، وجعلها بنسبة تتوافق مع النسب التي يصدرها مركز الإحصاء الفلسطيني.
ويطالب الحراك بإنصاف المعلمين المفصولين من إضراب عام 2016 وعودتهم إلى عملهم، معتبرين الفصل جاء بدون وجه حق ومن دون أن يستند إلى نص قانوني. ولا يرى الحراك سوى طريقة وحيدة لحل الأزمة وانتظام التعليم وهي الاستجابة لمطالب المعلمين، معتبرين أي تمديد للعام الدراسي دون تحقيق مطالب المعلمين سيكون بمثابة تمديد للإضراب وفعالياته.
اللواء توفيق الطيراوي، مفوض المنظمات الشعبية في منظمة التحرير الفلسطينية، اعتبر في تصريحات صحافية أن موضوع الإضراب عولج بطريقة خاطئة خلال الفترة الماضية وما زال. وأضاف: “المعلم صاحب حق، وعليه واجبات، أما الحقوق فعلينا دوما أن نبذل أقصى الجهود لتأمينها بما يكفل حياة كريمة للمعلمين”. واستدرك: “الحقوق لا تعطى مرة واحدة، فالمهم هو الاستمرار بالمطالبة حتى نيل الحقوق وصولا إلى أن ينال المعلم أفضل راتب، ومع ذلك على المعلمين واجبات، ففي سبيل المطالبة بتحقيق المطالب لا يجب أن يدفع ثمن ذلك الطالب، عند ذلك يصبح الإضراب متجاوزا لمصلحة الوطن والطالب والتعليم”. وأكد أن الحكومة الفلسطينية مارست تقصيرا في الفترات السابقة، لكنها اليوم تعاني من ظروف مالية صعبة، وهو ما يفرض على المعلمين تقدير الوضع الحالي حيث يفرض الحصار المالي على الفلسطينيين. وشدد على أن الاتحاد العام للمعلمين يعتبر اتحادا تاريخيا ولا يجوز لأي حزب أن يقوم بتشكيل اتحاد آخر أو أن يطالب بتغيير قيادات الاتحاد من خلال الإضراب، رافضا مطالب بعض المعلمين بتشكيل نقابة لهم، معتبرا أن تغيير الاتحاد لا يكون من داخله. وأكد أنه لن يسمح لأحد بالمطلق العمل على تشكيل اتحاد آخر أو نقابة للمعلمين. وأضاف: “يكفي التشرذم الحزبي، التشرذم النقابي سيقود إلى تخريب البلد”.
وناشد الطيراوي كل معلمي “فتح” العودة للدوام، مؤكدا أنه لحظتها سيكون أول من يقاتل من أجل حقوق المعلمين، كما طالب الأهالي بالضغط على المعلمين للعودة للدوام. وأكد: “أنا سيف المعلمين ضد الحكومة من أجل تحقيق مطالب وحقوق المعلمين، لكن يجب أن نحترم الظروف”. وشدد على أنه لن يسمح بعمل أي اتحاد مواز، وأن التغيير لا يكون إلا من خلال الأطر الشرعية، رافضا الاضراب جملة وتفصيلا عندما يكون بمطالب حزبية”.
لا يجب انتظار معجزة
الدكتور فيصل صباح المهتم بشؤون التعليم قال لـ”القدس العربي” إنه لا يجب انتظار معجزة حتى يعود المعلمون من تلقاء أنفسهم الى الدوام، فهم مستمرون وعودتهم فقط عندما يكسب الجميع وأولهم المعلم. وأكد أن الرأي العام في معظمه داعم لمطالب المعلمين، وإن لم يكن على علم ودراية تامة بها، فالرأي العام يعتقد بأن المعلم على حق، وهو أمر نابع من تلمس المجتمع بشكل مباشر لما يعانيه المعلمون من تحديات فلا يخلو بيت في فلسطين إلا وفيه معلم متقاعد أو منتظم في العمل.
ويرى صباح أن الخبرة مهمة في التعامل مع الإضراب الحالي، ففي عام 2016 قاد المعلمون إضراباً استمر عدة أسابيع وشهد تعاطفا كبيرا من المجتمع، استخدمت فيه الحكومة الفلسطينية عصا الأمن الغليظة، والفصل من الوظيفة لقادة الإضراب، ولكن صمد المعلمون في إضرابهم حتى خرج الرئيس وألقى خطاباً عاد المعلمون بعده فوراً للعمل منشرحة صدورهم الى مدارسهم إلا من غصة فصل زملاء لهم. وشدد أن خطاب الحل الجذري يقوم على قاعدة المعلم أولاً، واليوم بات السيناريو، وربما الوحيد، لحل الأزمة حلاً مستداماً واضحاً وعنوانه “تدخل الباب العالي، فلا بد من خطاب رئاسي ليس كسابقه بل ما يمكن تسميته بخطاب البندين.
وحسب صباح فإن البند الأول يتقدم فيه خطوة نحو الاستجابة لمطالب المعلمين الحالية ولو جزء منها، والثاني: يقدم فيه حلاً جذرياً لا ترقيعياً كي لا يعود المعلمون للإضراب في السنة التالية، وهذا يكون من خلال توجيه الحكومة نحو اقتراح نظام مالي جديد ينعم في ظله المعلم فيه وينعم فيه مجتمعه كاملاً، ويكون فيه سيدا في بلده.