أصاب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عندما اعترف في أول تعليق له على الحرب التي اندلعت بـ«طوفان الأقصى» قبل شهرين بالضبط، يوم السابع من أكتوبر الماضي، وتدخل اليوم في شهرها الثالث، حيث قال: «ربما أخطأنا القراءة، حيث أن بوّابة النّظام العالمي الجديد ستكون غزة (فلسطين) وليست أوكرانيا».
صحيح أن لما ستنتهي إليه «العملية العسكرية الخاصة» التي شنّتها روسيا ضد أوكرانيا يوم 24.2.2022 بالغة الأهمية، لكنها لا تقود الى أكثر من فرض «نظام أوروبي جديد» له أثر بالغ على النظام العالمي، إلا أن أي تعديل على جوهر الوضع على أرض فلسطين، ينعكس بشكل مباشر وفوري وحاسم على النظام العالمي برمّته. ولعلّ في ذلك ما يفسر الاندفاع الأمريكي غير المسبوق في دعم العدوان الإسرائيلي، وما جعل أمريكا تحشد في شرق المتوسّط، وعلى مقربة من الشاطئ الفلسطيني، أكبر حشد عسكري أمريكي (وغربي) خارج حدود أمريكا.
تدخل حرب إسرائيل الدموية والهمجية على قطاع غزة شهرها الثالث اليوم. وكل حدث له بداية، له نهاية أيضاً، وبالتأكيد.
يُخطئ رجال السياسة الفلسطينيون، ومعهم الإعلاميون، عندما يعتقدون بأن الإسرائيليين يثقون بقولهم إن آخر ما يطالب به شعبنا الفلسطيني، ويناضلون من أجل تحقيقه، هو إقامة دولة فلسطينية فقط، على 22٪ فقط، من أرض فلسطين، وأن الفلسطينيين سيكفّون عن المطالبة بما هو أكثر من ذلك.
قبل الدخول في صُلب ما تطمح هذه الأسطر لشرحه وتوضيحه، أجد من الضرورة التذكير باجتماعات في واشنطن، دعا اليها وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، جون كيري، حضرها عن الجانب الفلسطيني د. صائب عريقات، ود. محمد اشتيّة، (وانسحب منها اشتيّة لاحقاً) وعن الجانب الإسرائيلي تسيبي لفني، والمحامي اسحق مولخو، (وهو قريب بنيامين نتنياهو، وممثله في العديد من اللقاءات) وكان عنوان تلك الاجتماعات: مفاوضات للتوصّل الى حل و«إنهاء المطالبات» (!!) نعم، إنهاء المطالبات، رغم أن إسرائيل ما تزال تطالب ألمانيا وبولندا وغيرهما بتعويضات، بعد مرور أكثر من ثمانية عقود على انتهاء الحرب العالمية الثانية. ولا يجوز لنا أن ننسى بأن للفلسطينيين، كشعب وكأفراد، حقوقاً لا تملك أي سلطة وأي فرد، مهما علا شأنه، أن يتنازل عنها، مهما طال الزمن، ومهما حاولت إسرائيل والحركة الصهيونية العنصرية التنصل وتجاوز هذه الاستحقاقات.
تعرف إسرائيل هذه الحقيقة. وتعرف أيضاً أن الفلسطينيين لم ينسوا ولن يتنازلوا عن أيٍ من حقوقهم الطبيعية والشرعية، السياسيّة العامة منها والماديّة كذلك. والكلام الفلسطيني الصريح، الصادق والواضح، هو الخطوة الأولى لدفع إسرائيل الى التخلي عن الطريق الذي تسلكه منذ إعلان إقامتها يوم 15أيار/مايو 1948 حتى اليوم، وبدء تقدمها على الطريق الأقصر والأيسر للوصول الى الهدف المنشود، هدف تحقيق السلام العادل والشامل.
ذلك لا يتعارض، مطلقاً، مع المطلب الفلسطيني المعلن: إقامة دولة فلسطينية مستقلة، كاملة السّيادة، على أساس خطوط الهدنة لسنة 1949، وعاصمتها القدس الشرقية، شريطة اعتباره الخطوة الأولى، والتي لا بد منها، على طريق إنهاء الصراع العربي الصهيوني، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
يعرف الإسرائيليون أنه لن يتبخّر نحو 7.5 مليون فلسطيني من «أرض فلسطين». ويعرف الفلسطينيون أنه لن يتبخّر نحو 7.5 مليون يهودي من «إيرتس يسرائيل». ويعرف العالم أن الصراع الدّموي العربي الصهيوني، والصراع الدّموي الفلسطيني الإسرائيلي، الذي نشهد هذه الأيام أحد أوجهه الأكثر دموية وهمجية وإجراماً ضد المدنيين من أطفالٍ ونساءٍ خاصة، في قطاع غزة، وفي الضفّة الغربية أيضاً، لن يكون الأخير في هذا الصراع، ما لم تتخلّ إسرائيل عن سياستها العقيمة، باعتمادها على ما تمتلكه من قوة عسكرية، وحماية أمريكية، لبدء التقدم على طريق الاعتراف بالحقوق الفلسطينية الوطنية المشروعة، وهي السياسة التى قادت الى ضربها، وإذلالها، في «طوفان الأقصى» يوم السابع من أكتوبر.
سؤالان مهمّان وجوهريّان لا يجوز تجاوز أيٍّ منهما في كل معالجة جدّية لما نشهده هذه الأيام:
ماذا بعد أن تصمت المدافع، وينقشع ضباب ودخان وغبار هذه الحرب الإسرائيلية على شعبنا في غزة، أساساً، وفي كل أماكن تواجد أبناء شعبنا في الوطن وفي الشّتات؟
السؤال الأول: كيف ستنتهي هذه الحرب الإسرائيلية الهمجية الإجرامية على غزة، وعلى الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس أيضاً، وعلى كل الشّعب الفلسطيني أيضاً؟
جوابي، باختصار شديد: ستنتهي بالمفاوضات. فقد ولّى، منذ قرون عديدة، زمن انتهاء الحروب بإبادة طرف من طرفي الحرب وبإفناء الطرف المقابل. ودليلي على ذلك ما جاء في دراسة أكاديمية مستفيضة، بالغة الجدّية، نشرتها مجلة «همزراح هحداش ـ الشرق الجديد» الفصليّة، الصادرة عن الجامعة العبرية في القدس، في عددين مُتتالِين، في النصف الثاني من القرن الماضي، ووثّقت فيها ما يُثْبِت أن جميع الحروب في الخمسمائة سنة الأخيرة، ودون استثناء، انتهت بالمفاوضات.
يقول إيهود باراك، رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، في مقال له في ملحق جريدة «هآرتس» عدد يوم 17.11.2023: «لا يوجد خطر وُجودي (على دولة إسرائيل) ولكن هناك خطرا حقيقيا لتآكل قدرة المجتمع الإسرائيلي على الصّمود» وكذلك: « لا الولايات المتحدة، ولا شركاؤنا في المحور العربي المعتدل (!) سيتجاوبون بشكل إيجابي معنا دون اقتناعهم بأن إسرائيل مستعدة لفتح فصل جديد يهدف الوصول الى تسوية سياسية مع الفلسطينيين». في مقابل ذلك يمكن لنا القول، بثقة كاملة: «لا يوجد خطر حقيقي على قدرة الشعب الفلسطيني على الصمود مهما بلغت القوة العسكرية الإسرائيلية على القتل والدّموية، ولا بد من أن تكون نهاية هذا الصراع قيام دولة فلسطينية، ولو مرحلياً». وهذه هي نفس معادلة: هل في هذه المنطقة شعب زائد (هو الشعب الفلسطيني) أم أن هناك دولة ناقصة (هي الدولة الفلسطينية) التي يجب أن تقوم؟ وزوال الشعوب، كما هو معروف، أمرٌ مستحيل.
أمّا السؤال الثاني، فهو: ماذا بعد أن تصمت المدافع، وينقشع ضباب ودخان وغبار هذه الحرب الإسرائيلية على شعبنا في غزة، أساساً، وفي كل أماكن تواجد أبناء شعبنا في الوطن وفي الشّتات؟
أستعين بالذاكرة لأُجيب على هذا التساؤل: كان ذلك في النصف الأول من عقد الستينيات من القرن الماضي، عندما تولّى صديقي الراحل، أوّل شعراء المقاومة، راشد حسين، ترتيب لقاء تعارف بيني وبين الصحافي اليهودي، الإسرائيلي، المستنير، أوري أفنيري، في أحد مقاهي شارع ديزنكوف في تل أبيب. قال لي أفنيري في ذلك اللقاء، الذي ترتبت عليه صداقة استمرت الى حين رحيله في صيف سنة 2018: مأساتنا المشتركة، نحن اليهود في إسرائيل، وانتم الفلسطينيون في فلسطين ودول اللجوء والشّتات، هي مأساة مشتركة معقّدة، وأنا ألخّصها بشكل تصويري على النحو التالي: يهودي في بناية عالية في برلين فوجئ بحريق شب في بنايته، وإذ وصل الدّخان وألسنة اللهب الى شقته في طابق علوي، اضطرّ واختار الهرب بالقفز من نافذة بيته الى الشّارع، وشاءت الصدف أن ارتطم جسده بجسد فلسطيني كان ماشياً على رصيف ذلك الشارع، فأُصيب الرجُلان بكسور بالغة، ولا بديل عن علاجهما.
قلت له: لكن اليهودي الألماني، في هذه المأساة المتخيّلة، تعافى، في حين أن الفلسطيني ما زال يعاني، بل وشبه معاق أيضاً، فما هو الحل؟
رد أفنيري: الحل، من وجهة نظري، أن يعتذر اليهودي الإسرائيلي عن حادث لم يقصده، وأن يقدّم للفلسطيني العربي ما يستطيع من دعم ومساعدة وتعويض لإعادة بناء بيته (وطنه) وعلى الفلسطيني العربي أن يقبل الاعتذار، وأن يتعايشا معاً.
قلت لأفنيري يومها: لكن، ماذا عن شهدائنا وبيوتنا وأملاكنا ومدننا وقرانا التي طُردنا منها بسلاح العصابات الصهيونية العنصرية؟
قال لي: الحياة أقوى من الموت، والحاضر والمستقبل أهمّ من الماضي ومآسيه، وانظر: ثلاث سنوات فقط فصلت بين كبرى مآسي اليهود في التاريخ، وقتل ستة ملايين يهودي، في الحرب العالمية الثانية على يد النازيين الألمان، وتمكن اليهود من إقامة دولتهم. وبعد ذلك بأربع سنوات بدأ العم الألماني لدولة اليهود، ليزدهر الاقتصاد والمجتمع الإسرائيلي، وانظر الى أين وصلنا.
تلت لقاء التعارف ذاك، صداقة متينة ربطت بيننا، وقد يكون أوّل لقاء لأفنيري مع الزعيم الفلسطيني الخالد، ياسر عرفات، في بيتي في بيروت، أثناء حصار العاصمة اللبنانية 1982، واحداً من أكثر لقاءاتنا حميمية.
كاتب فلسطيني
.*** نعم قد يكون هناك حوار و لكن في هذه المرة سيكون الحوار ليس من احل الحولر كما كان في الماضي خلاله الفلسطينيون مكبلون و بنيامين نتنيا هو يبني المستوطنات و لتنكبل بالشعب الفلسطيني . ففي هذه المرة سيكون مختلفا جدا
*** للأسف الحوار مع اسرائيل قبل 7 اكتوبر 2023 استمر اكثر من ستين سنة و لم يعطي و لو ذرة حق لاصحاب الارض اي الفلسطينيون
*** فاليهود بشر كغيرهم ، و ارض الله واسعة اينما وجدوا فهم مواطنون . فاحتلالهم لفلسطين لعبة من الامبربالية الغربية على راسها الولابات المتحدة لتكون لهم راس حربة للإستلاء على خيرات الدول العربية المجاورة بالقوة المفرطة و شيطنة الحكام لغ يهمهم قتل اليهود او المسلمبن او المسيحيين كبشر بل الاستلاء على خيرات هذه البلاد .
*** فمحور المقاومة من بينه حماس اقتنع ان مع مع نوع هذا التحتلال لا ينفع معه الا القوة و هكذا ا استعمال الحجارة انتقل إلى الكرتيوشا الى اسلحة متطورة من صواريخ و قدائف و مسيرات و من وسأئل اتصالات و اكثر من هذا العزيمة القوية و العقول العبقرية …
لن تتحقق فكرة التعايش السلمي بين الشعب الفلسطيني و الشعب اليهودي بوجود اليمين المتطرف في الحكم ، الذي يتميز بتطبيق سياسة الفصل العنصري ، لن تتحقق هذه الفكرة على طريقة جنوب أفريقيا أين ألغيت سياسة التمييز العنصري و عاشت جميع الأطراف في سلام . و لكن ربما تتحقق على الطريقة الجزائرية حيث لا حظ للمستعمر في إدارة الحكم مع السماح للمعمرين بالبقاء في البلاد ،، من بين ما جاء في إتفاقيات “إيفيان” بين فرنسا و الجزائر : السماح لكل الفرنسيين الذين ولدوا في الجزائر أو عاشوا فيها بالبقاء في الجزائر غداة الإستقلال و إعطائهم مهلة للتفكير مدتها 3 سنوات للإختيار بين الجنسية الجزائرية أو الفرنسية … إلا أن الفرنسيين أغلبهم رحلوا إلى فرنسا بعد الإستقلال إلا القلة القليلة ، خاصة الفئة التي تعاونت مع الثورة و التي ماتزال تعيش بيننا إلى يومنا هذا .