فلسطين والإنجاز القطري يتوجان في مونديال 2022

حجم الخط
0

بعد المونديال انكسرت معادلة القطب الأوحد لكاس العالم وسياسة الاحتكار الكروي. لقد استمتع العالم بأسره باللقاء الرياضي لكرة القدم في قطر والذي اعتبره بعض المراقبين في الشأن الرياضي أنه أفضل نسخة لكأس العالم منذ بداية تدشينه قبل حوالي قرن من الزمن.
الحدث الرياضي في الدوحة هو حدث سياسي إذا ما استبعدنا الرياضة، إذ تناجى الغرب في فترة المونديال وتهامسوا حول الإنجاز العمراني والقدرة الفائقة على تنظيم مونديال 2022. هل هذه هي البداية لسحب السجادة من تحت اقدامهم؟ هذا بالطبع مرهون بالاستمرارية بالوتيرة نفسها، كما أن البعد الأمني منقطع النظير في المونديال إذ كان له حضوره القوي، وهذا جانب مهم لا يجب إغفاله البتة. حتى نهاية المونديال سار الاستقرار الأمني على ما يرام، أي دون أن تسجل أي خروقات أمنية تذكر.

صفعة للاحتلال

فلسطين التي كانت تحتل الصدارة على مدرجات الملاعب في قطر شكلت صفعة لإسرائيل التي هرولت تطبّع مع بعض العرب مما جعلها تعيد حساباتها جيداً. صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية كتبت تقول: «المنتصر الحقيقي في مونديال قطر هو فلسطين بغض النظر عن الدولة الفائزة بالبطولة». مراسل القناة 12 العبرية «بالنسبة للجماهير العربية الحاضرة في قطر، كانت فلسطين أهم شيء في المونديال، جاؤوا من أجله لا من أجل البطولة، حيث تراهم منشغلين بالمشاركة في التظاهرات المؤيدة لفلسطين خلال اليوم الذي ستلعب به منتخباتهم، عدا عما يقومون به على المدرجات من رفع شعارات داعمة للفلسطينيين».
الشعب العربي الذي وصف زورا بأنه جرى وراء بعض حكوماته قطع الشك باليقين ونبذ التطبيع، فهذه الصورة التي نقلها شاب سعودي عندما قال للصحافي الإسرائيلي «لا يوجد هناك إسرائيل بل فلسطين» تعبر عن حضور القضية الفلسطينية في الوجدان العربي والإسلامي.
نستطيع القول بأنها صفعة من الصفعات التي تلقاها الإعلام الإسرائيلي في الدوحة. وثمة عينات أخرى أجريت عليها دراسة استطلاعية إسرائيلية قصد منها الإعلام الإسرائيلي محاولة للوقوف على مدى ما حققه التطبيع من نتائج تتوافق والهدف الإسرائيلي. وكانت ردة الفعل القاسية بعد جولة من الاستطلاعات حيث رفضت عينة البحث المقابلات مع التلفزيون الإسرائيلي، وبالتالي «أنتم غير مرحب بكم هنا على الإطلاق». هذه كانت رسالة المستوى الإعلامي الإسرائيلي لقيادته السياسية بأن هذه العينة يمكن أن تعمم على الشعوب العربية قاطبة حسب أبجديات البحث العلمي.
على الجانب الآخر استدعى الغرب أبواقه الإعلامية لكي يصطاد في الماء العكر. ورغم محاولة الماكنة الإعلامية الغربية المستميتة لدس السم في العسل بين حين وآخر، لكنه فشل وتبددت نظرة الاستعلاء عنده، ووقفوا على أعتاب الحقيقة المرة. إنه، أي الغرب، لم يعد بعد اليوم رائد الحضارة والمدنية التي نقلوها من العرب والمسلمين منذ قرون. لقد عادت الأمانة لأصحابها بعد طول انتظار، فأتت الرياح بما لا تشتهي سفنهم. وهذا يعني أنه دخل في مرحلة الصدمة النفسية وتفاجأ كثيرا بالعقل العربي المدبر والذي إذا قال فعل، فالرياضة التي جرت منافساتها في قطر ساهمت بشكل كبير في تأكيد أن العالم العربي لم يمت اكلينيكيا بل هنالك صحوة حضارية تسير بسرعة أحدثت صدمات كثيرة مزعجة تلقاها الغرب والاحتلال الصهيوني الذي يجمعهم مع بلاد العم سام في رؤيته عن العرب.
كأس العالم القطري غيّر الصورة البشعة عن الشعوب العربية التي يحملها المستعمر القديم الذي ينعت العرب بأنهم متخلفون يرعون الإبل في الصحاري ويعتمرون الكوفية ومتعطشون للدماء، وهم بالتالي رفاق الصحراء وضد المدنية.
الحملات الصادرة من عدة دول أوروبية لها خلفيات سياسية محضة ولا علاقة لها بكرة القدم. ولكن أكثر هذه الحملات ضد قطر انطلقت من بريطانيا ثم ألمانيا بل واشتركت فيها حتى فرنسا، التي تربطها علاقات اقتصادية وتجارية ورياضية وأمنية متقدمة مع الدوحة. وانضم إلى جوقة المحرضين الرئيس السابق للاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» السويسري جوزيف سيب بلاتر. لقد تفنن الإعلام الغربي في كيل التهم وشن الهجمات على قطر، إلى الدرجة التي دفعت وزير خارجيتها محمد بن عبد الرحمن إلى القول إن الحملة التي واجهتها بلاده «لم تواجهها أي دولة أخرى حظيت بحق استضافة هذه البطولة». وهذا اعتراف أيضا بأن قطر فازت بكل شيء وظفرت بالسياسة والعمران والمدنية والحضارة. ولقد بدأ الغرب يعترف بذلك ضمنيا رغم أنه يقولها بالإيحاء لكنه لا ينكر حجم ذلك الانتصار.
وتتجلى هذه الصورة العدائية النمطية من خلال صور كاريكاتيرية، تظهر إحداها قطر رجلا يخفي تحت ردائه إرهابيا. وأخرى ترينا لاعبين قطريين في شكل إرهابيين. وثالثة قطر تتقاتل مع جيرانها بالسيوف، وإيران في الطرف الآخر من الخليج تتربص بالجميع، بينما «الفيفا» تحت الصدمة. وثمة صور عديدة عن استعباد قطر للعمال، وأن المونديال سينظم على أنقاض العمال.

فشل الإعلام الغربي

ومن شأن المونديال أن يغيّر هذه الصورة النمطية المفزعة عن قطر، ودخول أكثر من مليون مشجع من مختلف قارات العالم، سيسمح بالتعرف على حجم التقدم الذي وصلت إليه قطر في مختلف المجالات من مطار حمد الدولي في الدوحة، الحاصل على أعلى الجوائز، إلى الفنادق الفخمة وشبكة الطرقات الحديثة، والتطور العمراني الرهيب، الذي ينافس عواصم أوروبية عريقة، خاصة من حيث نظافة الشوارع والمحيط، ناهيك من توفر الأمن وسماحة شعبها. ومن شأن نجاح قطر في تنظيم المونديال تحويلها الى علامة تجارية واستثمارية وسياحية تستقطب السياح والشركات العالمية من مختلف أرجاء المعمورة.

كاتب عراقي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية