رغم أنني بحثت بعض الشيء في الموضوع وقرأت حول سيكولوجية العقل الانتقائية والقدرة البشرية على تبرير الوسائل السيئة التي تحقق الغايات الأسوأ، إلا أن هذه الظاهرة لا تزال مبهرة في رأيي، خصوصاً حين تتعلق بالأشخاص المتدينين الذي يعتقدون جزماً بالعقاب الأخروي الشديد، وببعض العقوبات الإلهية الدنيوية التي قد تضرب ما ومن يحبون، وبعذاب القبر الذي لربما في صوره التقليدية وتفصيله المتعارف عليه يفترض أن يكون مصدر الرعب الأشد والرادع الأكبر، والأهم لما يعتقده المؤمن معصية أو ذنباً.
تذكرت موضوع هذه القدرة البشرية العجيبة على تفادي التفكير في صنوف العقوبات وأساليب التعذيب الدنيوية والأخروية، بل واستمراء ما يظنه المؤمن عصياناً والإمعان في ما يعتقده ذنباً إذا ما وجدهما متوافقين ورغباته وشهواته سواء الجسدية أو النفسية. أقول تذكرت هذا الموضوع فيما أتحدث مع مجموعة من الأصدقاء عن نتائج العقوبات الشرعية، من قطع يد، إلى رجم، وصولاً إلى حد القتل، التي تعتبر في عرف الزمن المعاصر متشددة وغير مقبولة في المنظومة «التعاملية» الإنسانية الحديثة. تدلل العديد من الدراسات والإحصائيات على العلاقة العكسية بين العقوبة المتشددة والأمن الإنساني، حيث يبدو أن الجرائم ترتفع في الواقع في الدول التي تتشدد في عقوباتها أو حتى تلك التي تطبق عقوبة الإعدام، حيث تنتشر في البعض من هذه الدول أخطر أنواع الجرائم من تجارة مخدرات، إلى التحرشات الجنسية، ونهاية بالإرهاب. لماذا إذن لا تستطيع هذه العقوبات المرعبة، من قطع ورجم وقتل… الحد من معدلات الجريمة؟ لماذا لم تتمكن شروحات صنوف عذابات القبر، ثم لاحقاً عذابات الجحيم، من الحد من عصيان المؤمن وإلزامه بالقواعد الأخلاقية المنصوص عليها في الدين المعني؟
في أحد الحوارات مع إحدى القريبات، وكان ذلك إبان فترة الانتخابات في الكويت، سألتها إن كانت ستعطي صوتها لأحد أقربائنا الذي كان قد رشح نفسه لتلك الفترة، لتؤكد هي لي أنها ستفعل. سألتها: تصوتين له رغم معرفتك بأنه غير مناسب؟ قالت: نعم هو من الأهل ومساندته واجبة. سألت مجدداً ولربما بشكل مباشر وخشن: ألا تخافين من الله؟ فردت، على ما أعتقد دون تفكير أو تمعن فيما تقول: وما علاقة الله بالموضوع؟ نظرت لها مبتسمة، وانطلقت هي بشروحاتها حول مقصدها متجهمة، إلا أن الفكرة الأساسية كانت قد وصلت: هناك فصل تام في عقول الأغلب الأعم من الناس ربما، حتى المؤمنين المتدينين منهم، بين الخالق بصفته إلهاً يعبدونه، والممارسات الدنيوية التي تخص حياتهم اليومية. يقلق هؤلاء حول أدائهم الديني التعبدي، حيث يخافون الله في عدد ركعاتهم ودقة وضوئهم وصحة صيامهم، أما التصويت في الانتخابات، والالتزام بساعات العمل، والأدب في القيادة في الشارع، والتأدب في الحديث عن «الآخر»، فتلك لا يبدو أن للخالق، في عقولهم، علاقة مباشرة بها.
اليوم، ومع موجة العنصرية التي رسخها ترامب في ضمير العالم أجمع، أصبح الحديث النابذ تجاه «الآخر» مقبولاً، لتتحول العنصرية إلى وطنية، والكراهية إلى دفاع عن الحقوق. حين سألتها، تلك الورعة الملتزمة دينياً، عن سبب تساهلها في الحديث عن جنسية معينة من المقيمين في منطقة الخليج بهذا الكم من الكراهية والسلبية وعما إذا كانت غير قلقة من تقييم الخالق لها بسبب تعليقاتها العنصرية، لم أستطع الوصول معها إلى نقطة التقاء، حيث لم تكن فعلياً قادرة على تصور العلاقة بين الخالق ورأيها «العادل والمنصف» في هذه الفئة من الناس. وحين مازحتها، تلك الأخرى المتدينة المتشددة، حتى تجاه الأغاني والبعض من مباهج الحياة الأخرى حول تبريرها لنفسها شراءها للفراءات الباذخة الثمن التي يتم صنعها بعملية تعذيب وقتل بشعتين للحيوانات البريئة، رفعت كتفيها استغراباً من تعليقي، ما علاقة فرائها الأبيض الجميل بتقييم الله لها؟
طبعاً، لست أرمي هنا إلى رمي الملتزمين دينياً تحديداً بهذا النوع من التناقض النفسي، كلنا-بني البشر-نأتي بتصرفات مريبة ولا أخلاقية وبتلذذ غريب أحياناً رغم ما يفترض من امتلاكنا لضمير ووعي متطورين، ورغم وجود منظومات عقابية مخيفة في القوانين الدينية والمدنية. في الواقع أستغرب هذه الظاهرة الإنسانية العامة التفافاً حول الخوف، والتي نلاحظ اشتدادها مع ارتفاع نسبة التهديد بالعقوبات الرادعة المخيفة، فكما أن التهديد بالرجم أو القطع أو القتل أو السجن لم يخفف نسب الجرائم في يوم، هو كذلك التهديد بالعقوبات الأخروية أو بصنوف المعاناة في القبر (في كل الأديان الحديثة والقديمة) لم يلزم إنساناً بضمائرية وأخلاقية التصرف في زمن ما، حيث تتغلب الشهوة للفعل على الخوف من العقوبة، تدعمها انتقائية العقل في تذكر ونسيان ما يحوط هذا الفعل من حقائق وما ينتج عنه من تداعيات، وتخفف من القلق تجاهها التبريرات والتطمينات التي يقدمها الإنسان لنفسه مخدراً بها ضميره ووجدانه.
إذن يبقى السؤال، إذا لم تكن هي العقوبات التي يمكن أن تحمي المجتمع الإنساني وتردع «العصاة» ومرتكبي الجرائم، فما الذي يمكنه أن يفعل؟
سيد تونسي تحية لك تسألني لماذا امثلتي تدور حول الاغتصاب القتل والسرقة الموضوع يتعلق بالرادع الأخلاقي ومشكلة الأخلاق ودور الوازع الديني والإنساني بتشكيل المنظومة الأخلاقية فهل لديك صديقي اللدود اقتراح لامثلة أخرى تتعلق بالضبط الأخلاقي هي أمثلة اما نحن فلسنا بريئين تماما لكني ازعم انه من حيث الامان الأخلاقي بعيدا عن الردع القانوني نحن الافضل وما لدينا من جريمة هي نسبة ناتجة عن أن منظومة الإعلام لا تتعامل بذكاء مع الهدف الأخلاقي مثال عندما يدعو الإعلام إلى الإباحية ويعرض بطل فيلم على انه ذكي عبقري لكنه قاتل متسلسل مت الذي يمنع شابا بلا اي وازع أخلاقي ذو بعد انساني او ديني أن يحاول التقليد نحن بخير لا زال لدينا عائلة وام تربي ومجتمع يستنكر الكحول وهذا ليس نفاقا هذا معتقد عقلي وروحي ولهذا لست مقتنعة أن نسمح بكل مقدمات الجريمة ثم ندين المجرم هذا ظلم فلنتظاهر بغض النظر عن مرجعياتنا نحو تقتين أخلاقي في الإعلام فإذا اختلفنا حول المرجعية الثقافية فلن نختلف مثلا في أن الكحول هي السبب الأول الجريمة والإعلام الفلتان الذي يروج لجرائم كثيرة تحت مسمى ليبرالي يسيء لمفهوم الحرية ببعدها الإنساني ويمنحها بعدا غبيا غابويا متوحشا يصفق لها بغض انظر عن نتائجها جكارة في الأديان!
هناك اختي غادة فرع في فلسفة القانون. ..يتمحور مجاله الموضوعي حول الفلسفة الجنائية التي يقابلها عندنا الفقه الجنائي. …وتتضمن كثيرا من النظريات حول الدافع إلى الجنوح وارتكاب الجرائم. …ومن أشهر النظريات تلك التي قال بها الفيلسوف باكاريا. ..الذي يعتبر أن المجرم …هو مجرم بالفطرة ولاتنفع معه اية وسائل توجيهية لتغيير سلوكه. ..ولذلك فقد وجب معاقبته بأشد العقوبات التي تتمركز أغلبها حول الإعدام. …وبطبيعة الحال لن تجدي عندنا من غير المختصين من ينتقد هذا التوجه المتطرف. …بينما لازمة الشريعة والحدود لاتفارق ألسنتهم. ..!!!!.
تعقيبا على الأخ سلام عادل،أرى أن مشكلة الإلحاد المنتشرة في عالمنا العربي ناتجة عن غياب التربية الإسلامية ،داخل بيت الأسرة وفي إطار التربية والتعليم.تصور أن العدو الإسرائيلي يعطي لدينه الثوراتي التلموذي المحرف 13 ساعة أسبوعيا يدرسها لتلامذته وطلبته حتى يكبروا وهو متطرفون اتجاه العرب وخاصة الفلسطينيون منهم أما نحن فلا نعطي للتربية الإسلامية اهتماما
يذكر مادة التربية الإسلامية تضرب في معامل 2 تدرس مرة أسبوعيا مقابل الفزياء والرياضبات التي تصل لمعامل 7 أو 8. فانظر الفرق، وحبذا لو تعطينا أنت رأيك.وعلى كل حال هذه حرية اعتقاد وكل واحد يتحمل مسؤوليته أما خالقه.ولن ينقص في الإسلام شيء،فهناك آلاف الملاحدة بالغرب يرجعون للإسلام بعد اقتناعهم بأنه دين صحيح لا غبارعليه ويمكن لي أن آتي لك بلائحة لا حصر لها من العلماء.
الست ابتهال
يقول سبحانه وتعالى ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب
ولكن عدم تطبيق القانون على السارق مثلا خاصة المبالغ اللي بالي بالك وسوء نظام التقاضي يؤدي الى نتائج عكسية فلا داعي للمز في شرع رب العالمين
بونسوارين غادة, أنا طرحت الفكر المعتزلي كمرجع لفكرة الأخلاق في مجتمع دو أغلبية مسلمة, حيث النسق الفكري يظل منسجما وفكر الأغلبية يمشي على الجميع و يا ويل من يسترجي يعارض… يعني بأختصار, غادة, لا لزوم لأقحام فكرة نسبية الأخلاق, أنا ما حكيت من خارج حدود الثقافة العربية الأسلامية والخصوصية تبعاتها..بس أحكي عن إيسلندا ساعتها يحق لك حشر موضوع نسبية الأخلاق
طيب ولا يهمك خيي أيدي ٣ بنسوارات بس بالفكرة لم تصلك ما أردت قوله أن الدين ليس بالضرورة اسلام او مسيحية او يهودية بل هو مجموعة معتقدات تشكل قناعات كل فرد ومصدر رؤيته للاشياء بما فيها الأخلاق لهذا بالضبط انا أضع مفخخة على فكرة أن الدين لا علاقة له بالأخلاق الدين هو الذي يحدد الفلسفة الأخلاقية للمجتمعات الإنسانية وهذه المعتقدات سواءا كانت ارضية او سماوية علمانية ام اسلاما مطلق معتقدات لا ترتبط بالسماء او باله هي في النهاية دين اي معتنق وعقيدة وفكرة لهذا هذه الجملة am sorry I can’t by it لا يمكنني شراء هذا التنظير الذي لا يمكن أن يكون صحيحا بحال !
استمتعت بالمقال و التعليقات، و كنت أود المشاركة لكن لم تسنح الفرصة اليوم.
.
لكن أود بعجالة تلخيص راي و لو أنني كنت أود ان اغوص في تحليل جملة “وما علاقة الله بالموضوع؟”. هذه الجملة تعبر فعلا عن
مفهوم الدين و التدين عند شريحة واسعة في مجتمعاتنا بحيث تعلمنا و علمونا أن الله يوجد في مواضيع معينة و لا يوجد في
مواضيع أخرى .. هذه هي الحالة فعلا. و بهذا، افرغنا الدين من مضمونه الروحي المتواجد في كل موضوع. هنا انوه بتعليق الاخ إدي.
.
العبادة و للاسف في مخيال المسلمين توجد في المساجد و الطقوس. لكن في المسجد لا توجد ظروف و إمكانية السرقة و لا نسرق (و لو أنه هناك سراق الاحدية) .. أن نأخد رشوة و لا نفعل .. ان نقوم بعمل ضد الإنسانية و لا نفعل .. ان نلوث البيئة و لا نفعل …
المسجد هو مكان الطقوس و الحياة هي مجال العبادة. و لو أن قريبة د. ابتهال فهمت هذا لما سألت سؤالها، و لتجلى لها الله في
تصويتها لقريبها لأنه من الاهل … لان تصويتها هو عبادة، و بالتالي العبادة (من عباد احرار و ليس عبيد) هي ممارسة حياة تسودها
أخلاق معينة، و هنا بيت القصيد حيث يلعب الدين دورا كبيرا في تخليق حياة المجتمع قبل القانون.
.
لعمري أنه الدور الرئيس للدين … كل الديانات. ذلك البعد الروحي الدي يلازم المرأ أينما كان. حتى لو لم يكون هناك شرطي.
العبادة المتجلية في كل مناحي الحياة والنشاط الإنساني هو جوهر ما يدعو إليه ويكرسه الإسلام أخي ابن الوليد. …وتعبيرك هنا رائع. …أما بالنسبة إلى التعليق السابق. ..فأعتقد ان من الأمور التي تعودنا عليها من طرف البعض. ..إقحام ما لايجوز القياس عليه كنموذج سياسي أو ثقافي …وعندما ترد الأمور إلى نصابها يواجهك بامور لانختلف عليها كمغاربة ومنها قضية الصحراء التي تشكل مفخرة لنا في هزم الاستعمار. ..والمؤامرات الإقليمية التابعة له…وكذلك على مستوى التطور السياسي الذي لازال البعض يراه في استبدال اسماء المحنطين…والتطاول على عقيدة الناس. ….ومحاولة استغلال أي موضوع لممارسة نوع من التدليس الساذج….في عالم أصبح أصغر من القرية….ورمضان مبارك أخي العزيز.
استاذي الفاضل مغربي لدي اقتراح انا فعلا مؤمنة بقلمك الذي يحمل ميزة حضارية تجمع بين الانفتاح على ثقافات إنسانية متنوعة وبين النقد الموضوعي دون تنميط اتمنى عليك أن تكتب لنا ….ان هناك تطرفا ضد الأديان هذا لا ينتج حقيقة نتبناها الموضوعية المفقودة والمصلوبة على خشبات التصلب الفكري والعدائية للذات الحضارية لا يمكن أن تنتج اصلاحا انسانيا لان النقد مؤدلج وليس نزيها وهذه اكبر غلطة يرتكبها باحث مؤتمن على الوعي العام انتظر من حضرتك مقالا تنقلنا فيه إلى عوالم ال٤كر الإنساني بتنوعه وبحثه عن الصلاح في كرتنا الأرضية مذيلا بتحليلك الذي احترم واشعر أن حضرتك مختص بالموضوع
انا متفق معك اختي غادة في أن هناك توجها مركزا نحو تهميش دور الأديان في المجتمعات والحياة العامة. ..وتكريس بديل لها من خلال توجهات ظاهرها الإستناد إلى العلم …وباطنها السعي إلى خلق آليات مكيافيلية لتحويل بني البشر إلى قطيع مادي غرائزي. ..يسهل التحكم فيه وفق ارادات من يخطط ويصنع الأحداث والتفاصيل والسياسة. …وبطبيعة الحال فان في مقدمة المستهدفين الإسلام الحقيقي الذي له خاصية غير محددة في تطوير الإنسان فكرا وحضارة وسلوكا . ..وليس المذهبي أو البدعي. …؛ واقترح عليك الاطلاع على تسجيلات نادرة موجودة في اليوتوب للدكتور المهدي بن عبود رحمه الله الذي كان مبكرا موسوعيا جمع بين الطب والفكر والدبلوماسية وإتقان اللغات …وشكرا.