لندن– ” القدس العربي”: تساءل جيمس ميلوراد، أستاذ التاريخ في كلية الخدمات الأجنبية بجامعة جورج تاون، ومؤلف كتاب “يوريشيا على مفترق طرق: تاريخ تشنجيانغ”، عن الطريقة التي يمكن فيها للعالم وقف قمع بيجين للمسلمين الأيغور.
وقال، في مقال نشرته دورية “فورين أفيرز”، إن الصين بدأت حملة جديدة في الإقليم، وإن المنفيين الإيغور والقزق بدأوا، بداية 2017، بسماع قصص مروعة من أقاربهم وأصدقائهم في الإقليم شبه المستقل، كما بدأوا بفقدان الصلة المطلقة مع أقاربهم وأصدقائهم.
وفي عام 2018 بدأ الباحثون بتشكيل صورة عما يحدث في المنطقة الواسعة وسط آسيا، التي ضمتها الصين عام 1949، وتُعرَف بين المنفيين أيضاً بتركستان الشرقية، وأن الحكومة تقوم باعتقال السكان الذين لا ينتمون لإثنية الهان، بمن فيهم الإيغور والجماعات الإثنية التركية، وتضعهم في المعسكرات.
وفي ذروة عملها استوعبت المعسكرات هذه ما بين مليون ومليوني معتقل عانوا من التعذيب النفسي والجسدي والاعتداءات الجنسية وتناول الحبوب المانعة للحمل والجوع المستمر والحرمان من النوم. وبعد إنكار متواصل من الحكومة اعترفت بأن الوثائق الحكومية المعلمة بعلامات “محتشدات للتحول التعليمي” هي في الحقيقة “مراكز تدريب مهني”، كما قال المسؤولون تهدف، حسب زعمهم، لمكافحة التطرف وتخفيف الفقر.
في ذروة عملها استوعبت المعسكرات ما بين مليون ومليوني معتقل عانوا من التعذيب النفسي والجسدي والاعتداءات الجنسية.
ونظراً للصدى الذي أحدثته هذه المعسكرات فقد أدت إلى حملة شجب دولية من منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الدولية والحكومات التي فرضت عقوبات على الشركات الصينية المتورطة بالإبادة والمسؤولين الصينيين.
ورغم رفض الحزب الشيوعي الصيني للاتهامات، ووصفها بـ “الأكاذيب”، إلا أنه كان يرد على ما يبدو على الاتهامات. وبحلول عام 2019 نقلت السلطات معظم المحتجزين، قائلة إنهم “تخرجوا”، أو أنهوا دراستهم، مما يقترح أن الحزب الشيوعي الصيني يهمه الرد الدولي والعار الذي تسببت به المعسكرات. ولا يغرك الرد، فالتغيير كان تجميلياً، فلم يطلق سراح المحتجزين، بل وصدرت أحكام بالسجن على مئات الآلاف من غير الهان، في المعسكرات التي تحولت الآن إلى سجون رسمية. وتم نقل أكثر من 100.000 محتجز للعمل في المصانع في تشنجيانغ ومناطق أخرى.
وقالت بعض العائلات الإيغورية في المهجر إن أقاربها عادوا إلى بيوتهم، ولكنهم يعيشون تحت الإقامة الجبرية. وربما زاد عدد الصينيين من غير الهان الذين أجبروا على السخرة على عدد المعتقلين في مراكز الاحتجاز ما بين 2017- 2019. وتظل المعسكرات جزءاً صغيراً من حملة أوسع قام بها الحزب الشيوعي الصيني ضد الإيغور، فقد هاجم الحزب وقيّد استخدام لغة الإيغور، ومنع ممارسة الشعائر الدينية، وهدم المساجد والمزارات والمقابر، وأعاد كتابة تاريخ المنطقة لإنكار قدم المجتمعات الأيغورية وتميزها عن الثقافة الصينية، ومحا الأدب المحلي الإيغوري من المقررات المدرسية. ولا تزال هذه الندوب واضحة على المشهد الثقافي. وأضاف الكاتب أن القوانين الغامضة لمحاربة الإرهاب والتطرف التي بدأ العمل بها عام 2014 لسجن الأشخاص بسبب تعبيرهم الديني والثقافي واليومي لا تزال موجودة.
وأدت بنية التحكم التي أقامتها الصين لتحويل جنوب تشنجيانغ إلى محور حرب: فسياسات التدخل في الحياة اليومية والدوريات العسكرية ونقاط التفتيش لم تعد واضحة اليوم مثل الماضي، وهذا بسبب نظام الرقابة القائم على الهواتف النقالة وتقنية التعرف على الوجه والبيانات البيومترية وشفرات كيو أر “الرد السريع” والأدوات الأخرى التي تحدد مكان السكان، والتي أثبتت نجاعتها في الرقابة والتحكم بالسكان المحليين. وتقول الدعاية التابعة للدولة بحفز النساء الأيغوريات للزاوج من الهان، من خلال سياسة الزواج المختلط. وكان من النادر زواج الإيغورية من الهان قبل هذه الأزمة.
وتم وضع الأطفال الإيغوريين في مراكز داخلية يجبرون فيها على استخدام الصينية وتبني ثقافة الهان. ولا تتوفر إلا بيانات قليلة عن هذه المدارس، ولكن الأطفال الهاربين تحدثوا عن الضرب وساعات من الحجز الانفرادي بسبب التعبير عن ثقافتهم. وإذا كانت “مراكز التحول التعليمي” تذكرنا بمعسكرات الاعتقال بالقرن العشرين، فالمدارس الداخلية في تشنجيانغ تذكرنا بالمؤسسات التي خصصت لاقتلاع السكان الأصليين في أستراليا وكندا والولايات المتحدة. وتسهم هذه بالسياسة الاستعمارية الصينية الهادفة لإضفاء ثقافة الهان ونقلهم إلى المنطقة وتخفيض معدلات الولادة بين الإيغور.
ويقول الكاتب إن الانتهاكات المستمرة لم تلق اهتماماً كبيراً من العالم. وبدلاً من التركيز على تشنجيانغ، فقد تم التركيز على الأخبار المتعلقة بسياسة الصين من كوفيد-19، واستطاعت بيجين في عام 2022 تنظيم الألعاب الأوليمبية الشتوية وانتخب شي جينينغ كأمين للحزب الشيوعي وملأ اللجنة السياسية بالمؤيدين له. كما التقى مع قادة عالميين مثل جو بايدن.
هاجم الحزب وقيّد استخدام لغة الإيغور، ومنع ممارسة الشعائر الدينية، وهدم المساجد والمزارات والمقابر، وأعاد كتابة تاريخ المنطقة لإنكار قدم المجتمعات الأيغورية، ومحا الأدب المحلي من المقررات المدرسية.
وفي الوقت الحالي، أفلت شي من العقاب وتداعيات سياساته، لكن المحكمة في المنطقة مستمرة. ويرى أن العقوبات الأمريكية والأوروبية يمكن أن تؤثر على الاقتصاد الصيني لو تم تنفيذها بقوة. وسيأتي الثمن الاقتصادي إلى جانب السمعة السيئة التي حصلت عليها بيجين في علاقاتها مع الدول الأوروبية وأمريكا أيضاً. ولا يعرف إن كانت العقوبات هذه ستهم شي، فهو يتحكم بسلطات سياسية غير مقيدة ولديه استعداد لتعريض بلده لمصاعب اجتماعية واقتصادية في سبيل تحقيق أهدافه. لكن شي مستعد لتصحيح أخطائه لو تبين له أن سياساته الكارثية أصبحت مكلفة. فلو واصل الغرب عقوبات الاقتصادية وخطابه فإنه قد يدفع بيجين لإنهاء سياسات دمج غير الهان في ثقافة الهان بتشنجيانغ.
وقال الكاتب إن الولايات المتحدة كانت بطيئة في الرد على التقارير التي خرجت عن معسكرات الاعتقال، فمع التقارير الصحافية ودراسات الباحثين وشهادات الهاربين من القمع من القزق والإيغور فشل الكونغرس في تمرير قانون يعالج حقوق الإنسان للإيغور. وبحسب صحيفة “ذا ساوث تشاينا مورنينغ بوست” لم يكن وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين راغباً بأن تتأثر القرارات بشأن تشنجيانغ على المفاوضات مع الصين حول التجارة. كما أوردت صحيفة “نيويورك تايمز” فقد قامت شركات مثل أبل وكوكا كولا ونايك بالضغط لتخفيف قانون العقوبات حماية لمصالحها. إلا أن الخطأ الأكبر جاء من الرئيس دونالد ترامب نفسه، فبحسب مستشار الأمن القومي السابق، ففي حزيران/ يونيو 2019 وفي ذروة حملات الاعتقال، أخبر ترامب شي شخصياً بأن المعسكرات “هي بالضبط الموقف الصائب”. ويجب تذكر كلماته هذه إلى جانب دعمه لمغامرات بوتين في أوكرانيا وابتزازه لرئيسها من بين أكبر آثامه. وربما كانت تصريحاته لشي سبباً في إطالة أمد التطهير العرقي للإيغور. لكن الإدارة قامت بمعاقبة مسؤولين واستحضرت قانون ماغنستكي العالمي، ومرر الكونغرس في النهاية قانون سياسة حقوق الإنسان للإيغور عام 2020، وفي آخر يوم لإدارة ترامب في البيت الأبيض اتهم وزير الخارجية مايك بومبيو الصين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في تشنجيانغ. وأكد خليفته أنطوني بلينكن في كانون الأول/ ديسمبر 2021 القرار ووقع قانون عقوبات قوياً: “قانون منع العمالة القسرية للإيغور”، وتم بموجبه منع استيراد أي بضائع أدوات وأجهزة مصنعة كلياً أو جزئياً في الإقليم، إلا في حالة ثبت أنها لم تنتج عبر عمالة قسرية. واليوم هناك 100 عقوبة متعلقة بالمنطقة ضد الشركات والمسؤولين والأجهزة الصينية والأفراد.
تم وضع الأطفال الإيغوريين في مراكز داخلية يجبرون فيها على استخدام الصينية وتبني ثقافة الهان.
وتبعت دول أخرى مثل كندا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي حملة أمريكا، حيث فرضت عقوبات على مكتب الأمن العام في تشنجيانغ ومؤسسة الإنتاج والإنشاءات في تشنجيانغ. وتبعت بلجيكا ودولة التشيك وفرنسا وليتوانيا هولندا كندا وبريطانيا وأمريكا بتصنيف ما يجري للإيغور بأنه إبادة. وتوصلت منظمات غير حكومية ومنظمات حكومية متعاونة إلى نتيجة أن ما يجري للإيغور هو إبادة، وتضم محكمة الإيغور الجنائية والتحالف البرلماني عن الصين. ولسوء الحظ، فقد كان موقف أكبر منظمة دولية، وهي الأمم المتحدة مزيجاً من الشجب والتعاون، ففي آب/ أغسطس 2018 أجبرت لجنة محو التمييز العنصري مسؤولين صينيين على شرح ما يجري بشنجيانغ ولأول مرة. وأنكر متحدث صيني بعد يومين وجود معسكرات إعادة تعليم والموثقة بشكل واسع. ولكن المنظمة الدولية مارست الحذر حول الموضوع، ففي كل مرة كان على دول المنظمة اتخاذ مواقف مما يجري، انتصرت الصين. ووقعت 22 دولة ( 18 أوروبية إلى جانب اليابان وكندا ونيوزلندا واستراليا) طالبت فيه مفوضية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة دعوة الصين التوقف عن الاعتقالات الجماعية، لكن الصين سارعت وحشدت 37 دولة للتوقيع على رسالة مضادة.
وفي حزيران/ يونيو صوت 19 عضواً في مجلس حقوق الإنسان ضد مناقشة محتويات تقرير للمجلس عن الإيغور، وامتنعت 11 دولة وصوتت 17 أخرى لصالح النقاش. وتستخدم الصين عدم استعداد الدول التي لديها سجل فقير لحقوق الإنسان، كما تستغل مخاوف الدول التي تعتمد على استثماراتها، وصوتت كوبا ضد مناقشة التقرير، وحتى أوكرانيا امتنعت عن التصويت.
وتمارس الصين ضغوطاً من خلف الأضواء لكي تشكل مواقف الأمم المتحدة من الإيغور. وأشار الكاتب لزيارة مفوضة حقوق الإنسان الكارثية للصين في أيار/مايو 2022، حيث رددت بعد زيارة استمرت خمسة أيام مقولات الصينيين من أن المعسكرات هي لمكافحة الإرهاب وبرامج تدريب. ولكنها أصدرت التقرير كمفوضة لحقوق الإنسان، وكان واضحاً في شجبه للصين وانتهاكاتها لحقوق الإنسان. وشمل على مقابلات مع 40 شاهداً من الإيغور والقزق والقرقيز. إلا أن التقرير لم يطبق تعريف الأمم المتحدة للإبادة على شنجيانغ.
تستخدم الصين الدول التي لديها سجل فقير لحقوق الإنسان، كما تستغل مخاوف الدول التي تعتمد على استثماراتها.
ومن الصعب معرفة أثر العقوبات على الاقتصاد الصيني والمسؤولين في تشنجيانغ. فالواردات من الإقليم تباع في آسيا وشوهدت فواكه ومكسرات في محلات بواشنطن. مع أن سلطة الجمارك قامت بمصادرة شحنات من التمر الأحمر القادم من الإقليم وتباع في نيوجرسي، هذا الشهر. وتركز الجمارك على اكتشاف الملابس الصينية، إلا أن القطن القادم من تشنجيانغ يختفي وسط سلاسل إمداد ويعالج في دولة ثالثة ويحول إلى ملابس تباع في المحلات الأمريكية. وربما كانت عقوبات قاسية مؤثرة وقت كوفيد-19 إلا أن الحزب الشيوعي الصيني أظهر أنه لن يتوانى عن مواصلة سياساته، كما أن تحويل المنطقة إلى سجن كبير وإلى منطقة للهان مكلف، إلا أن الحزب مستعد لدفع الثمن.
ويرى الكاتب أن العقوبات بعد رفع قيود كوفيد قد تترك أثرها وتجبر الشركات المتورطة في سياسة الحكومة بالمنطقة على مراجعة سياساتها. ولم تدفع الصين ثمن سياسة الإبادة في تشنجيانغ من خلال العقوبات. وكان لدى بيجين فرصة لإصلاح علاقتها مع أوروبا بعد سنوات من إدارة ترامب لكنها ضيعت الفرصة بسبب سياستها القائمة على الرد بالمثل. وتأثرت سمعة الصين في علاقتها مع تايوان التي أصدر برلمانها قانون حول إبادة الإيغور، إلى جانب سمعتها الدولية. ولأن الصين تحولت اليوم إلى ديكتاتورية متجسدة بشي، فهو الوحيد القادر على عكس السياسة في تشنجيانغ، وهو ما لا يدعو على التفاؤل.
اذا كانت لا تحصى بانتباه المسلمين للاسف فكيف نلوم الآخر