الخطر يحلق منذ بداية الحرب في قطاع غزة: حادثة القتل الجماعي بالخطأ في مواجهة بين الجيش الإسرائيلي والمواطنين الفلسطينيين، التي ستؤثر على استمرار القتال وستقلص الإمكانيات المتاحة أمام إسرائيل. هذا سيناريو كفر قانا، الذي أدى في 1996 إلى نهاية مبكرة أكثر مما تم التخطيط لعملية “عناقيد الغضب” في جنوب لبنان. بعد مرور عشر سنوات، في حرب لبنان الثانية، حاول حزب الله تضخيم حدث له خصائص مشابهة، حدث في نفس القرية. في هذه الحالة، تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار مدته 48 ساعة، ثم استئناف المعارك مدة أسبوعين آخرين حتى التوصل إلى اتفاق أدى إلى إنهاء الحرب.
في بداية الحرب الحالية في القطاع، حاولت حماس القيام بمناورة كهذه حول حادثة قصف مستشفى في مدينة غزة. وبعد بضع ساعات تبين بيقين أن الحدث كان نتيجة خطأ إطلاق صاروخ فلسطيني سقط على المستشفى، وأن عدد القتلى يبدو أقل من عشر العدد الذي تم الإبلاغ عنه في البداية. الاهتمام الدولي فيما حدث خفت على الفور.
الحادثة التي جرت صباح أمس هي في المقابل حادثة حقيقية. فقد حدثت في إحدى النقاط الضعيفة الأكثر عرضة لحدوث أعمال الفوضى، وهي أحد الأماكن القليلة التي يمكن للمساعدات الإنسانية الوصول إليها في شمال القطاع. وحسب تقديرات مختلفة، هناك ربع مليون شخص في الشمال الذين ينتقلون بين البيوت والمباني العامة المدمرة في محاولة للعثور، بطريقة ما، على مأوى آمن والحصول على الغذاء لهم ولأبناء عائلاتهم. خلافاً لما يحدث في جنوب القطاع، تبدو سيطرة حماس في الشمال ضعيفة وتعم الفوضى هناك. في الأسابيع الأخيرة، جرت اتصالات محمومة بين إسرائيل والمجتمع الدولي في محاولة للتخفيف من الضائقة وترتيب حماية لتوزيع المساعدات. هنا تناقض ما: التوزيع منظم في المناطق التي تسيطر عليها حماس لكنها تسرق المساعدات، وإسرائيل (بدعم الولايات المتحدة) لا تريد أن تبقى حماس في السلطة. ولكن الفوضى ستكون أكبر بدون حماس.
لا تستطيع إسرائيل المساعدة في ذلك كما تبين أمس. وحسب الجيش الإسرائيلي، فإن الكارثة حدثت عندما انقض الفلسطينيون على شاحنات المساعدة في منطقة المرسى على شاطئ مدينة غزة، وتم سحق العشرات حتى الموت في ظل الاكتظاظ والتدافع. بعد ذلك، تم تطويق قوة صغيرة للجيش الإسرائيلي من قبل الجمهور، وقام طاقم دبابة بفتح النار من أجل النجاة بأنفسهم.
حسب الفلسطينيين، فإن أكثر من 100 فلسطيني قتلوا في سلسلة الأحداث التي نبعت من الاكتظاظ واليأس في القطاع، التي حدثت أثناء محاولة توزيع المساعدات على السكان. هذا الوضع قد يتكرر، بل وربما يتسع، مع ازدياد الفوضى في القطاع وعدم التوصل إلى تسوية سياسية تهدئ النفوس أثناء محاولة استعادة بعض النظام.
وقال الجيش أمس استناداً إلى تحقيق أولي، إن معظم القتلى والجرحى أصيبوا بسبب الاكتظاظ، وعدد صغير من المصابين كان نتيجة إطلاق الجنود للنار. يصعب أن نلوم قادة صغار في الميدان، الذين وجدوا أنفسهم حسب رأيهم، في وضع يعرض حياة الجنود للخطر. فيلم فيديو للحادثة، الذي تم تصويره من الجو، يظهر جمهوراً يتجمع حول الشاحنات. رواية إسرائيل عن الأحداث نشرت في وقت متأخر، بعد عشر ساعات على إطلاق النار.
هناك شك في أن التفسيرات الإسرائيلية ستغير رأي أحد. المشاهد الصعبة في غزة تندمج مع المعطيات التي نشرتها أمس وزارة الصحة في القطاع، التي تسيطر عليها حماس، والتي تفيد بأن نحو 30 ألف فلسطيني، بينهم 12500 طفل وفتى، قتلوا منذ اندلاع الحرب. ينظر إلى إسرائيل في العالم كمسؤولة رئيسة عن هذه الكارثة، رغم أن حماس هي التي بادرت إلى الهجوم الإرهابي القاتل في 7 تشرين الأول، وأسلوبها ومواقفها لا يثيران أي تعاطف كبير في الدول الغربية.
الخطر أكبر الآن. الفوضى واليأس في القطاع في ازدياد، وشهر رمضان يقترب، والأعمال الفظيعة أمس قد تشعل الأجواء في ساحات أخرى مثل الضفة الغربية. كل ذلك قد يتوسع أكثر ويصل إلى دول إسلامية وعربية مختلفة، التي أصبحت الآن تتهم إسرائيل بارتكاب مذبحة ضد المدنيين. إسرائيل في الحقيقة هزمت حماس عسكرياً في أجزاء كبيرة في القطاع، وأضرت بقدرتها العملياتية والتنظيمية، لكنها لا تسيطر على حالة الفوضى الناتجة عن هجومها. ليس لدى الجيش ما يكفي من القوات للسيطرة على النشاطات المدنية في أرجاء القطاع، وأي احتكاك طويل مع السكان قد يؤدي إلى مأساة أخرى.
أحداث أمس جاءت في ذروة جهود أمريكية لإخراج صفقة تبادل جديدة إلى حيز التنفيذ، تتكون من مرحلتين، يرافق المرحلة الأولى فيها حوالي ستة أسابيع من وقف إطلاق النار. إذا دخلت هذه الصفقة إلى حيز التنفيذ، فسيتم فحص خطتين لإرسال المساعدات الإنسانية، الأولى عبر شمال القطاع بصورة قد تقلص سرقة المساعدات التي تمر من مصر، ومعظم البضائع التي يتم نقلها فيها تختفي قبل وصول الشاحنات إلى الشمال (رغم أن حادثة أمس كانت في الشمال). الثانية عبر البحر من قبرص.
ربما تلجأ الولايات المتحدة إلى استغلال الكارثة لزيادة الضغط على إسرائيل لكبح نشاطاتها العسكرية والموافقة على تسوية سريعة. ولكن هناك لاعباً آخر في القصة وهو حماس، التي تدرك بأنها أصبحت تتمتع بقدر نادر من القوة على طاولة المفاوضات. في السيناريو المتشائم أكثر من وجهة نظر إسرائيل، فإنها قد تواجه طلباً دولياً شاملاً وحاسماً لوقف إطلاق النار دون التوصل إلى حل، حتى لو كان جزئياً، لمشكلة المخطوفين.
يواجه نتنياهو الآن صعوبة مزدوجة، بل ربما مضاعفة، وجد نفسه في زاوية يمارس عليه ضغط كبير لوقف العمليات الهجومية في القطاع. في الساحة السياسية الداخلية، انضم وزير الدفاع غالانت أمس لوزراء المعسكر الرسمي لنصب كمين لنتنياهو في مسألة قانون التجنيد. هذا من شأنه، للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب، أن يجعل الرياح تهب في أشرعة حركة الاحتجاج على خلفية القمع الصارخ لمن يتحملون عبء الخدمة مقارنة مع المتهربين المعفيين من الحريديم. تبدو وعود نتنياهو في نهاية الأسبوع بتحقيق النصر الكامل والسريع وعوداً جوفاء أكثر من أي وقت مضى.
من الذي يهدد هنا؟
روح اليأس، التي يصاحبها القلق الشديد، تسود كل حديث يجري في هذه الفترة في العاصمة الأمريكية ويتعلق بمستقبل الشرق الأوسط. ما زال الرئيس الأمريكي، جو بايدن، مؤيداً قوياً للصهيونية، لكن إدارته معادية للحكومة الإسرائيلية الحالية كما لم تكن أي إدارة أمريكية أخرى معادية لحكومة إسرائيلية. لا شك أن الولايات المتحدة وقفت إلى جانب إسرائيل بعد 7 تشرين الأول، لكن مرت خمسة أشهر تقريباً منذ اندلاع الحرب في القطاع، والآن يجد الأمريكيون صعوبة متزايدة في فهم التوجه الذي يسير إليه نتنياهو.
الهجمات على تصرفات رئيس الحكومة وسياسته باتت موضوعاً يومياً، جزء منه بالتسريب لوسائل الإعلام الأمريكية، وجزء منه بالتصريحات العلنية. الأسبوعان القادمان سيكرسان لجهد آخر من أجل التوصل إلى استكمال صفقة جديدة لإطلاق سراح المخطوفين، مع بداية شهر رمضان في 10 آذار. ولكن إذا لم يتم تحقيق أي تقدم فربما يوجه أصبع الاتهام إلى إسرائيل أيضاً. إذا كانت إسرائيل هي التي تصمم على وضع العقبات أمام إنهاء الصفقة فهذا الأمر قد يتمثل بتصريح صريح للرئيس الأمريكي يفيد بأن نتنياهو هو الذي أفشل المفاوضات. يجب عدم استبعاد إمكانية أن يقرر الأمريكيون وقف استخدام الفيتو على قرارات ضد إسرائيل في مجلس الأمن. وحذر بايدن هذا الأسبوع علناً بأن الحكومة إذا واصلت الخط الصقوري الحالي، فقد تفقد إسرائيل الدعم في أرجاء العالم.
خيبة أمل أمريكا تنبع مما اعتبرته الإدارة الأمريكية مزيجاً من الغطرسة ونكران الجميل من قبل إسرائيل، خصوصاً بعد وقوف الرئيس بايدن إلى جانب إسرائيل مع بدء المعركة، بل وإرساله تهديداً فورياً لإيران وحزب الله بعدم الانضمام للهجوم الذي بدأه السنوار. في الوقت نفسه، عني بايدن بملء مخازن سلاح الجيش الإسرائيلي بضع مرات بقطار جوي وبحري من الإرساليات.
بعض كبار القادة في إسرائيل يكثرون من التذمر من الأمريكيين الذين يتدخلون في شؤونهم ويزعجون الجيش الإسرائيلي في استكمال احتلال القطاع، وخلال ذلك شوشوا على نية إسرائيل شن هجوم مفاجئ على حزب الله في 11 تشرين الأول. أحياناً، عندما نصغي للمتحدثين الإسرائيليين يظهر أنه لو لم يبدأ الأمريكيون في التصرف بشكل جيد، لفحصت إسرائيل وقف المساعدات العسكرية بمبلغ 3.8 مليار دولار في السنة.
يبدو للأمريكيين أيضاً أن إسرائيل لا تقدر المخاطرة السياسية التي يأخذها الرئيس على مسؤوليته بدعمه للحرب رغم الدمار والقتل الكبير الذي تركته خلفها عملية الجيش الإسرائيلي في غزة. هذه الانعطافة ما زالت غير واضحة بشكل كاف في استطلاعات الرأي العام. ولكن الحزب الديمقراطي يحذر من تآكل دعم إسرائيل في أوساط الشباب على خلفية فظائع الحرب.
من المثير للاهتمام أن هذا التوجه يمكن الشعور به أيضاً بين بعض الناخبين الجمهوريين. مسألة المساعدات العسكرية السخية (التي تأتي بالطبع من الولايات المتحدة لإسرائيل وليس العكس) تفلت بالتدريج خارج حضن إجماع دافئ. وإذا تم انتخاب دونالد ترامب كرئيس في تشرين الثاني القادم، فليس من الواضح إذا كان سيوقع على اتفاقية مساعدات جديدة في غضون سنتين (الاتفاق القادم قد يدخل إلى حيز التنفيذ بعد سنتين، في 2028، ويكون ساري المفعول لعشر سنوات). التحرك الجمهوري لتأخير نقل المساعدات الأمنية الإضافية المقدمة لأوكرانيا، والذي تضررت إسرائيل أيضاً منه بسبب تشابك إجراءات التشريع المطلوبة –إشارة مثيرة للقلق بشأن ما سيأتي.
تدرك الولايات المتحدة عقلية إسرائيل التي تتخيل أن جيوب دول الخليج العميقة ستبقى موجودة لإصلاح الأضرار التي خلفتها الحرب في قطاع غزة والاهتمام بالفلسطينيين. وهذا الافتراض مقرون بالأمل الذي لم يتنازل نتنياهو عنه حتى الآن، وهو أن يسخر التطبيع المخطط له مع السعودية لإنهاء الحرب في المستقبل. عملياً، فقدت السعودية حماستها للمضي بالمبادرة.
المواجهة بين إسرائيل وحماس قلصت هامش مناورة ولي العهد السعودي وأجبرته على تعميق التزامه بنضال الفلسطينيين. وسيجد صعوبة في إطلاق التطبيع في الظروف التي نشأت، دون أن يشمل ضريبة كلامية من إسرائيل في صالح حلم مستقبلي لحل الدولتين.
بنظرة شاملة، الإسرائيليون الذين يصلون إلى واشنطن في هذه الفترة، حتى لو لم يكونوا مؤيدين لسياسة الحكومة، يعملون من خلال شعور بالذعر على خلفية تهديد المذبحة. قلق واشنطن حقيقي، سواء على سلامة إسرائيل أو إزاء خطر تدهور المواجهة مع حماس وحزب الله إلى حرب إقليمية تعرض المصالح الأمريكية وحياة الأمريكيين أيضاً للخطر.
عاموس هرئيل
هآرتس 1/3/2024
على عصابة البيت الأسود الصهيوني الأمريكي العار والدمار والبوار والخسران بإذن المنتقم الجبار الذي سينتقم لدماء أطفال غزة العزة منهم شر انتقام عاجلا غير آجل بإذن المنتقم الجبار الذي يمهل ولا يهمل 🇵🇸🤕☝️🚀🔥🚀🔥🚀🔥🚀🚀🚀🚀🚀