فوضى الغرام البغدادي

حجم الخط
1

ملك العراق في آخر الليل

قالت مس بيل «إنه بلد صعب» فاختارت له ملكا عربيا قال «إنه بلد صعب». مات الملك مسموما ومن بعده قُتل ابنه وحفيده. الأول التحق به إلى المقبرة الملكية في الأعظمية والثاني لم يبق منه أثر بسبب جنون شعبي لم توقفه دموع صدام حسين وهو يقرأ كتاب «أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث». عثر نوري السعيد ذات مرة على صياد يشرب العرق في قاربه فقال له «ما رأيك في أن تأخذني بجولة في نهر دجلة؟» وافق الصياد وفي بدء الجولة قدم الصياد كأسا من العرق لرئيس الوزراء من غير أن يتعرف عليه. حين احتسى السعيد كأس العرق قال للصياد «لم تسألني عن شخصيتي؟» فقال له «مَن تكون؟» قال له «أنا نوري السعيد رئيس وزراء العراق» فضحك الصياد ساخراً وقال «إذا كنت في الكأس الأولى قد أصبحت نوري السعيد، فمن المؤكد أنك ستكون الملك في الكأس الثانية». كان نوري السعيد ملك العراق غير المتوج.

خريطة لا تقود إلى الجنة

ما بغداد إذن؟ أما مدفع ابو خزامة أو محل جقمجقي. الحرب أو الموسيقى. «الرشيد» ليس شارعا، بل هو كون تمتزج فيه الأمزجة والنكهات والروائح. يضحك ابن سمينة وهو يرى جلال الحنفي قد سبقه إلى المقعد الفارغ في الحافلة. لقد أخبره أحمد سوسة ذات ظهيرة فيما كان يتناول القوزي، وهي وجبته المفضلة، أن الخريطة التي سرقها الحنفي ذات يوم من مكتبه تحتوي على معلومات خاطئة عن خط سير الحافلة التي تنقل ركابها إلى الجنة. قال «ستصل تلك الحافلة إلى مكان ما لكنه لن يكون الجنة بالتأكيد». في سوق الغزل فيما كنت أتأمل غزالا معروضا للبيع رأيت الشيخ جلال الحنفي خارجا من جامع الخلفاء فركضت وراءه. صرخت «يا شيخ» لم يلتفت. صرخت «جلال» وقف والتفت. قلت له «أين يقع خان اجغان؟» قال مبتسما «في المكان الذي لا يجيد فيه الشعراء عروض الشعر». ومشى.

درس النحت الأخير

تقع مقبرة الشيخ عمر في الرصافة فيما تقع مقبرة الشيخ معروف في الكرخ. من أجل أن أصل إلى باب بغداد الوسطاني كان عليّ أن أمر بجامع الشيخ عمر السهروردي. أما حين أرغب في أن أرى ضريح السيدة زبيدة، الذي تعلوه منارة مخروطية الشكل فقد كان علي أن أمر بقبر المتصوف البغدادي معروف الكرخي. في امتحان درس النحت الفخاري قرر إسماعيل فتاح الترك وكان معلمنا أننا لا نستحق النجاح. قال «من أجل أن تعوضوا خسارتكم عليكم أن تزوروا قبر جواد سليم لربما غفر لكم». في اليوم التالي ذهبنا إلى مقبرة الخيزران التي تحيط بمرقد أبي حنيفة النعمان في الأعظمية، ووقفنا أمام قبر سيد النحت والرسم الحديثين في العراق. بعد أن قرأنا الفاتحة على روحه دعونا الله أن يجنبنا مصيره.

النائم الأبدي

في محطة غرب بغداد التقيت رجلا آسرا، كان يعمل في ما مضى مفتشا في القطارات الذاهبة جنوبا وشمالا. مرة يجد نفسه في البصرة وأخرى في الموصل. قال لي «كنت أطلب من المسافرين تذاكرهم ولم أكن أوقظ مسافرا من نومه لأقول له جملة سخيفة هي من فضلك تذكرتك. غير أنني صدمت ذات مرة حين صعدت إلى قطار صاعد من البصرة إلى بغداد فوجدت كل ركابه نياما. كانوا جنودا عائدين في إجازاتهم من الحرب. فعرفت حينها أن وظيفتي قد تم الاستغناء عنها»، صمت غير أنه استأنف حديثه حين شعر بأنني سأسأله. قال «منذ أن تركت الوظيفة وأنا أجلس هنا منتظرا عودة إبني من الحرب. لربما كان نائما ولم يستيقظ حين وصل القطار إلى بغداد فلم يغادره».

كاتب عراقي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول زينب جلبي:

    مقال ثري وكثيف ومشوق ، بقلم عاشق بغداد

اشترك في قائمتنا البريدية