مدريد: يعد فيلم «المملكة» للمخرج الإسباني رودريغو سوروغويين، ثالث تجاربه بعد فيلمي «ستوكهولم» 2013، و»ليسامحنا الرب» 2016، مع كاتبة السيناريو إيزابيل بينيا، حيث انتقلا في فيلم «المملكة» إلى تجريب عالم الحبكة السياسية، بعد أن خاضا تجربة الرومانسية في فيلم «ستوكهولم»، والتشويق الإجرامي في فيلم «ليسامحنا الرب».
يعكس فيلم «المملكة» الانشغال السياسي بقضايا راهنة، من خلال خوضه لمعركة الفساد السياسي الذي يؤرق إسبانيا دولة وشعبا، حيث يوظف المخرج منذ البداية مقولة «يتهاوى الملوك وتصمد الممالك»، ليعرض خبايا الفساد المالي والسياسي، الذي يعرفه حزب إسباني، بدون تحديد اسمه، باعتبار أن كل حزب معرض لهذه الآفة، ومن جهة أخرى ترك المجال مفتوحا لأفق المشاهد في حرية التأويل وتركيب الوقائع.
قصة الفيلم
يحكي الفيلم قصة مانويل لوبيث بيدال (أنتونيو دي لا توري)، مسؤول سياسي في إحدى الجهات الإسبانية، محبوب للغاية في الحزب الذي يناضل فيه، ذكي وماكر ويتميز بالوفاء لرفاقه، ويفعل المستحيل للذود عنهم إذا ما سقطوا في قضايا الفساد، معتمدا في ذلك على استقلاله الذاتي وشبكة العلاقات التي يتمتع بها.
يتقاسم مانويل مع رفاقه في الحزب حياة الرفاهية، الناتجة عن عائدات الصفقات المشبوهة، واختلاس المال العام، حيث تجمعهم الموائد الباذخة والاستجمام على متن القوارب الفاخرة. بعد تورط فرانسيسكو(ناتشو فريسنيدا)، أحد رفاقه في الحزب، في قضية فساد، يحاول مانويل أن يفعل كل ما بوسعه لكي ينقذه من ورطته.
تنكر الرفاق
تتوترعلاقته مانويل برفاقه عندما يجد نفسه متورطا في قضية فساد، تجعل قيادة حزبه تحمله المسؤولية كاملة، وتتبرأ منه حتى تستطيع المحافظة على مصالحها. وأمام تهرب رفاقه وتلكئهم في الدفاع عنه، يقوم مانويل بكل الوسائل لتجميع قرائن وحجج، تثبت تورط الآخرين معه قصد ابتزازهم وإجبارهم على التضامن معه وتهديدهم في حال تعرضه للمحاكمة، بنشر غسيل الحزب أمام القضاء. وسيشكل مقتل إحدى المحاسبات في الحزب صفارة إنذار، ستجعله يقدم على ترحيل أفراد عائلته إلى كندا ليواجه مصيره لوحده، بعد أن فعل المستحيل للعثورعلى أدلة تدين رفاق الأمس.
أدلة الفساد
يقنع أحد المحامين، الذي وعده بعدم التخلي عنه، بمرافقته إلى إحدى إقامات المسؤول عن مالية الحزب، حيث سيعثرعلى دفاتر حسابات سرية تورط عددا هائلا من الماسكين بزمام السلطة، ومالكي المؤسسات الإعلامية، عندها ينصحه المحامي بالاكتفاء بما يخدم ملفه القضائي، والابتعاد عن باقي الملفات، لأنه سيساهم في إرباك دولة بكاملها.
بعد اختفاء المحامي المفاجئ في إحدى محطات التزود بالوقود، سينجو مانويل بأعجوبة بعد تعرضه لمحاولة القتل العمد، ما سيدفعه إلى الاتفاق مع مقدمة أشهر برنامج تلفزيوني لتخصيص حلقة كاملة لبسط حججه أمام الرأي العام.
إيقاع الفيلم
يبدأ الفيلم بلقطة مفتوحة على شاطئ بحري، ويقترب من مانويل، وهو يُجري مكالمة هاتفية، حيث يتوجه مباشرة بعد إنهائها إلى أحد المطاعم الكبرى، لنتعرف على شلته الحزبية. يدخل مانويل عبر المطبخ، حيث يتنقل سريعا حاملا طبقا شهيا من الروبيان (الجمبري) إلى مائدة تضم ما لذّ وطاب. ونقاش صاخب بين الرفاق، وضحك حول دفتر حسابات في إشارة إلى الطريقة التي يشتغل بها المطبخ الحزبي.
يتميز الفيلم بالسرعة في الحوار بين شخصياته، حيث يجمع ما بين السخرية والتوتر، الذي تزداد حدته في أوقات الاختلاف العصيبة. وترافق الكاميرا تحرك الشخصيات التي تبدو وكأنها تسابق الزمن، متنقلة بين فضاءات متنوعة، ما يجعل الأحداث متسارعة تفرض تركيزا أكثر على المشاهد. كما توزعت لقطات الفيلم بين لقطات مقربة للتركيزعلى ملامح الشخصيات وأوضاعها النفسية، ولقطات عامة وبانورامية، عندما يتعلق الأمر بالفضاء الذي تدور فيه الشخصيات. وتصاحب الكاميرا (الترافلينغ) حركات الممثلين، خاصة في مشهد الاصطدام والمطاردة التي تعرض لها مانويل من طرف عصابة يشرف عليها النافذون في الحزب. واعتمد المخرج تقنيات تصوير البرامج الحوارية نفسها، عند حلول مانويل ضيفا على إحدى البرامج، حيث قربنا من كيفية التحكم في أداء مقدمة البرنامج المباشر عن بعد، وطيلة الحوار وظف لقطات متوسطة ومقربة، تهدف إلى رصد الصراع الدائر بين مانويل ومحاورت،ه التي تفقد أعصابها بعد كشفه عن حقيقة برنامجها.
عنف مبرر
تتنوع مشاهد العنف التي عرفها الفيلم، بين عنف لفظي صاحب حوار الشخصيات، حيث يقوم مانويل بتحذير أحد أصدقائه بالحرص على حفظ الأسرار، وتهديده له في مشهد آخر بأوخم العواقب. ثم المشاهد التي جمعت بين مانويل ومواطنين، بعد خروج ملف فساده للرأي العام. وتتحول تدريجيا لتصير عنفا جسديا عند مواجهته لقيادة حزبه، ويصل العنف ذروته عبر مشهد مطاردة ينتهي بمصرع المهاجمين.
محيط السياسي
عند طرحه للفساد المستشري داخل النخبة السياسية الإسبانية، لم يوظف مخرج الفيلم أسلوب الإثارة الفج، ليكسب تعاطف المشاهد، ولم يكن في حاجة إلى إقحام لقطات جنسية مجانية، بل سلط الضوء على حياة رجل السياسة الإسباني في حالة قوته وضعفه رفقة عائلته، وفي أحيان أخرى يقربنا من حياة أبنائهم وممتلكاتهم وأموالهم المخبأة في بيوتهم، حيث لا يتردد مانويل في الإعلان، بدون مركبات نقص، أن هدفه من ممارسة السياسة تحسين الوضعيته الاجتماعية والمادية لعائلته.
دفتر الحسابات
يظهر دفتر الحسابات السرية منذ المشهد الأول للفيلم رمزا لقوة الحزب، وضامنا لتلاحم أعضائه، لكنه سيصبح في ما بعد مرادفا للتطاحن الحزبي، عندما يخرج الفساد للعلن، وأداة في يد مانويل بعد عثوره على دفاتر أخرى لتوريط كل المؤسسات المالية والإعلامية، التي تدور في فلك الحزب.
التواطؤ الإعلامي
يكشف الفيلم أيضا عن المؤسسات التي يوظفها السياسي في خدمة مصالحه، وتلميع صورته، والتغاضي عن فضائحه، لذلك ينسج شبكة عابرة للفساد يتداخل فيها السياسي والمالي، ويرخي ظلاله على عالم الإعلام، الذي يصير تحت رحمة لوبيات مالية ويتحول الصحافي/مقدم البرنامج، إلى دمية في أيديهم.
برنامج خارج السيطرة
عند حلوله ضيفا على برنامج تلفزيوني مباشر، وبعد الاتفاق على محاوره، سيتفاجأ مانويل بأن مقدمة البرنامج باربارا ليني، تحاول أن تجره إلى أهدافها المسطرة لها سلفا، من طرف أرباب القناة المتواطئة مع الحزب السياسي. فيهددها مانويل بالانسحاب من البرنامج، وتركها تواجه الجمهور وحيدة، بعدما أعلن أن هدف حضوره يتمثل في نشر غسيل حزبه السياسي، وكل المستفيدين من الفساد المالي، حيث يدعو الكاميرا إلى العرض المباشر للحسابات السرية المسجلة في الدفاتر.
وبعد تغاضيها عن مطلب ضيفها، لم يتوان مانويل في تذكير صاحبة برنامج «صوت الشعب» بأن هدف الملاك الحقيقيين للقناة من وراء البرنامج، يتمثل في خلق التوتر لدى الناس من أجل الحفاظ على امتيازاتهم ومواقعهم، وأنه كان جزءا من الشبكة التي كانت تشجع منظومة الفساد في كل الميادين. بينما تتمادى الصحافية في طرح أسئلة خاصة على الضيف، تتعلق بمدى ندمه عن فساده المالي، وتسترسل في طرح أسئلتها التي تظل مفتوحة في وجه الضيف، ومن خلاله المشاهد، حيث يعلن الفيلم نهاية تربك كل التوقعات.
الجوائز
تم اختيار فيلم»المملكة» من أحسن الأفلام التي تم إنتاجها سنة 2018 في إسبانيا، كما تم تتويجة بـ17 جائزة من أصل 33 رُشح إليها ضمن جوائز مهرجان غويا. وقد حصل رودريغو سوروغويين على جائزة أفضل إخراج، وقد ألقى كلماته الساخرة قائلاً .. «لم يترك الفساد أي بلد جديرا بالاحترام.. باستثناء إسبانيا».
شكرا للسيد الكطابي على تقريب القراء من
.
من عوالم الفيلم و مشاهده بحرفية فنية
.
تحياتي
the name of the film is the candidate المرشحand not فيلم «المملكة with thanks للسيد الكطابي