عشرون عاما مرّت على أكبر عدوان في التاريخ الحديث، بمآلاته القاسية وانكساراته الحادة على العراق، الذي كان ينعم بأحد أقوى النماذج التنموية في الوطن العربي، فجاءت آلة الحرب الأمريكية في 19 مارس/آذار 2003 لتنسف كل حضارة العراق، كما فعل التتار في 13 فبراير/شباط عام 1258.
والمؤسف أن العدوان الأمريكي أحدث خرقا للنظام الدولي وتجاوزا للمجتمع الدولي، بعد محاولات تزييف قام بها وزير خارجية أمريكا آنذاك كولن بأاول، أمام مجلس الأمن الدولي، بحجة امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، وهو ما ثبت كذبه لاحقا عبر وثائق ويكيليكس ووثائق عُرضت في مجلس العموم البريطاني أثناء استجواب رئيس وزراء بريطانيا توني بلير، الذي ساند بوش الابن في تلك الحرب الظالمة التي خلّفت الكثير من التداعيات المأساوية على العراق برمته .
كان يراد للعراق أن يتحول من دولة حضارية قائدة، إلى دولة فاشلة، ناهيك عن حالة الفساد المستشري والمحاصصة الطائفية المؤسسة دستوريا في العراق الجديد
الحرب الأمريكية على العراق جاءت بقرار أمريكي خارج إطار النظام الدولي، ولكن كيف للعالم أن يتصرف أمام تلك القطبية الأحادية، التي قررت منذ بداية الإعداد للحرب مبدأ خطيرا في سياقات القانون الدولي، والقانون الإنساني الدولي جاء على لسان الرئيس الأمريكي وقتها: «من لم يكن معنا فهو ضدنا» وهذه لغة تنم عن بلطجة وإرهاب دوليين، وقد وجهنا حينها رسائل عبر وسائل الإعلام وصحيفة «الوطن» العمانية قبل الحرب وفي بدايتها محذرين الولايات المتحدة من هذا الانفلات اللامحدود، الذي يزعزع السلم والأمن الدوليين، ولكن للأسف انزلقت أمريكا إلى المستنقع العراقي، الذي خلّف حتى عام 2011 (461) ألفا من الضحايا الأبرياء، وفي بعض التقديرات مليون بين قتيل ومصاب، إضافة إلى ملايين المشردين، وخسائر مادية تقدر بثلاثة تريليونات دولار، وانزلقت البلاد في حالة عنف طائفي، إذ فُقدت كل وسائل الحياة الكريمة لدى الشعب العراقي، الذي كان يعتبر من أكثر الشعوب تقدما ورقيا وعلما، هذا غيض من فيض عما خلفته تلك الحرب الظالمة .الانكسارات في العراق لم تقف عند هذا الحد فبعد سقوط بغداد في 9 أبريل/نيسان أو بالأحرى مطلع مايو/أيار بعد هزيمة الجيش العراقي وإسقاط نظامه السياسي، بدأت سلسلة الكوارث تتوالى على العراق، فقد اجتاحت البلاد حالة من العنف الطائفي، وأصبح القتل على الهوية في بلد كان يمثل نموذجا وطنيا لا تعلو فيه إلا لغة الوطن، فتشكّل العديد من الميليشيات، وبرزت حالة تشبه الحرب الأهلية، من خلال تلك المواجهات، خاصة بعدما قرر الحاكم الأمريكي للعراق تسريح الجيش العراقي، وإزالة أي أثر للدولة الوطنية، واجتثاث حزب البعث الحاكم، وتصفية كل الرموز العراقية، ولم تسلم حتى الآثار العراقية، وتم وضع قائمة من المطلوبين من قيادات الدولة العراقية من وزراء وقادة عسكريين وعلماء، في حالة تصفية بشرية لأي كادر بشري كان يمثل العراق، ومن المآسي كذلك استهداف علماء العراق بالخطف والقتل، وقد هاجر بعضهم لينجو بحياته ونسفت كل أواصر المجتمع العراقي، وعانت البلاد من مخلفات اليورانيوم ومخلفات الحرب التي سببت بعض الأمراض لاحقا حتى التربة في العراق لم تسلم من السموم والإشعاعات، بعد تجربة كل أنواع الأسلحة، وقد زادت المآسي كذلك في المعتقلات والسجون الأمريكية في العراق والانتهاكات اللاإنسانية، التي حدثت على مرأى ومسمع وسائل الإعلام، وسجن أبو غريب شاهد عيان عما حدث في تلك المرحلة الحالكة من تاريخ العراق .
وضعت الولايات المتحدة على رأس العراق حاكما مدنيا هو بول برايمر واستقطبت بعض الأسماء التي أرادت العمل مع الاحتلال، وجاءت على ظهر الدبابة الأمريكية لتقود العراق الجديد، والعراقيون اليوم شهود على كل تلك الانكسارات التي حدثت بفعل الحرب الأمريكية على بلادهم، فقد كان يراد للعراق أن يتحول من دولة حضارية قائدة، إلى دولة فاشلة وهو ما ورد في بعض تقارير الأمم المتحدة، ناهيك عن حالة الفساد المستشري والمحاصصة الطائفية المؤسسة دستوريا في العراق الجديد، ولا نستطيع أن نغفل الدور الصهيوني والاختراق الذي وجد فرصته لتأجيج حالة الطائفية والعبث بالعراق، وتعززت حالة المآسي في قضايا أخرى مثل شكل الدولة المختلف عليه بهدف تقسيم العراق، أو ما يسمى فدرلة العراق، وغيرها من تلك المآسي التي قررت تصفية العراق والسيطرة على ثروته وتركه يعيش في العصور الوسطى في نكبة لا تختلف عن نكبة التتار التاريخية .عشرون عاما من تلك الانكسارات الحادة التي تعرض لها العراق الشقيق، والتي عانى فيها الشعب العراقي الويلات من مواجهات طائفية وهجرات قسرية واستهداف لكوادره، وفشل حكوماته التي جاءت بعد الاحتلال في حالة عجز وفساد مستشر لم يمكن من تحقيق أية نتائج إيجابية في بناء الدولة، وحاول العراقيون انتشال الدولة من تداعيات تلك الحالة لعودة العراق، قوة حصينة وبلد الحضارة وسندا عروبيا في قضايا أمته العربية، والعراق قادر بعون الله أن يعود الى واجهة الحضارة بإمكانات أبنائه وما ذلك على الله بعزيز .
كاتب عماني
شكرا للكاتب الكريم على هذا الوضوح في الرؤيا وعلى مشاعره تجاه شعب العراق وليسمح لي بإضافتين. الاولى، نعم ان غزو واحتلال العراق يعد اكبر جريمة في عصرنا الحديث قامت بها الولايات المتحدة وبريطانيا وبعض الدول الأخرى التي ساندتها وهذه الجريمة لا تسقط بالتقادم ومن حق الشعب العراقي المطالبة بمحاسبة مرتكبيها من دول وأشخاص سواء كانوا أجانب أم عراقيين ارتضوا أن يكونوا عملاء للغزاة والمحتلين، وسيأتي حتما ذلك اليوم الذي يحق فيه الحق. الثانية، إن الدور الذي لعبته ومازات تمارسه ايران في تمزيق وتشتيت شعب العراق والهيمنة على على البلاد هو امتداد لجريمة الاحتلال ويعدخطرا كبيرا ليس على العراق فحسب بل على كل المنطقة العربية. ولكي يرجع العراق الى حضنه العربي ويبني نفسه من جديد لا بد من انهاء هذه الهيمنة الايرانية عليه.
مقال طافح بالعروبة التي افتقدناها.شكرا السيد خميس على روحك الأصيلة.
صدقت
العفو أيها السادة لا شك كلنا في الهم شرق ..
كلما أن جرح في العراق
ردد الشرق جرحه في عمان
خالص تحياتي وتقديري
خميس بن عبيد القطيطي