في الذكرى 75 للنكبة… ماذا عن قضية اللاجئين؟

كان من أهم تداعيات إنشاء الدولة المارقة إسرائيل النكبة الكبرى قبل 75 عاماً، وبروز قضية اللاجئين الفلسطينيين التي تعتبر من أطول قضايا اللجوء في التاريخ الإنساني في التاريخ المعاصر، حيث أصدرت هيئة الأمم المتحدة أكثر من خمسين قراراً منذ عام 1948، وجميعها يقضي بوجوب عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم من جراء الطرد القسري وتدميرمدنهم وقراهم.

العدالة المغيبة

رفضت إسرائيل على الدوام تنفيذ القرارات الصادرة عن الشرعية الدولية، وفي الوقت نفسه لم يجبر المجتمع الدولي إسرائيل على تنفيذ تلك القرارات الدولية بشأن فلسطين، ومن أهم تلك القرارات ذات الصلة بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في الحادي عشر من كانون أول/ديسمبر عام 1948، وكذلك القرار 302 الصادر في 8 كانون الأول/ديسمبر 1950، والقرار 512 الصادر في 26 كانون الثاني/يناير 1952، إضافة إلى قرارات أخرى قريبة في بنودها لجهة تحقيق فرصة لعودة اللاجئين إلى ديارهم في أقرب وقت ممكن، وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم.
وفي عام 1948 تشكلت هيئة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين، وتولت أعمال الإغاثة لوكالات الأمم المتحدة المتخصصة والمنظمات غير الحكومية، بعد إمعان المنظمات الصهيونية في قتل وتهجير اللاجئين الفلسطينيين، تدخل المجتمع الدولي بزعامة الأمم المتحدة، وبدلاً من وضع حد للإرهاب الصهيوني، مع تزايد أعداد اللاجئين وتمركز معظمهم على حدود الوطن «بلدان الطوق» ومنع السلطات الصهيونية عودتهم، قامت الأمم المتحدة بإدخال تطوير على تلك اللجنة وتوسيع مهامها، حين تبين أن قضية اللاجئين لن تحل سريعا. فبدلا من وضع حد للإرهاب الصهيوني، حولت القضية من قضية سياسية «شعب يُطرد من أرضه غصباً» إلى قضية إنسانية «شعب يبحث عن مأوى وطعام».
وأنشئت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين في الشرق الأدنى عام 1949 وباشرت عملياتها في أيار/مايو 1950 ، ومع أنها اعتبرت وكالة مؤقتة فقد تم تجديد ولايتها بانتظام كل ثلاث سنوات، وتُعد تعبيراً عن مسؤولية المجتمع الدولي في إيجاد حل لقضية اللاجئين وفقا للقرار 194 الذي تم التأكيد عليه عشرات المرات في الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ صدوره في نهاية عام 1948، حيث اعتمدت وكالة الأونروا في عملها بين اللاجئين الفلسطينيين على أرضية تعريف صاغته للاجئ الفلسطيني، أي تعريف إجرائي وليس سياسيا يهدف إلى توفير معيار ومقياس لتقديم مساعدات الوكالة على النحو التالي:
اللاجئ الفلسطيني كل شخص كان مسكنه العادي في فلسطين لعامين سبقا نزاع 1948، والذي كان من نتائجه أن خسر منزله ووسائل عيشه ولجأ في عام 1948 إلى واحد من البلدان التي تقدم الأونروا فيها خدماتها، وينسحب هذا التعريف على أولاده وأحفاده وذرياتهم وأن يكون مسجلاً في مناطق عملياتها وهي خمس مناطق: الضفة الغربية، قطاع غزة، سوريا، لبنان، الأردن.

حجم القضية

تشير الإحصاءات إلى وجود نحو ستة ملايين ونصف المليون لاجئ فلسطيني مسجلين في سجلات الأونروا خلال العام الحالي2023؛ وثمة 41 في المئة منهم يتركزون في الأردن؛ و22 في المئة في قطاع غزة الذي يضم ثمانية مخيمات بائسة؛ في حين تستحوذ الضفة الغربية على 16 في المائة من إجمالي مجموع اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في الأونروا؛ في مقابل ذلك تستأثر سوريا بـ(10.5 )في المائة وكذلك هي الحال في لبنان لكن تغيرت النسبتان نظراً لهجرة آلاف اللاجئين من كلا الدولتين لعوامل سياسية واقتصادية وأمنية. واللافت أن إسرائيل أصدرت بعد إنشائها حزمة من التشريعات العنصرية لزعزعة الكيان الشرعي الفلسطيني وإقامة مؤسسات صهيونية قسرية على أنقاضه، وكانت وفق التسلسل الزمني على النحو التالي: إصدار»قانون أملاك الغائبين المتروكة» لعام 1950، وقد نص على وضع أملاك العرب تحت الحراسة، ويحق للحارس، أو القيّم على هذه الأملاك بيعها لقاء ثمن تحدده السلطات الرسمية، تلاه «قانون استملاك الأراضي» وصدر عام 1952، وهو يخوّل لسلطة الاحتلال، الاستيلاء على الأراضي العربية بحجة استخدامها في أغراض التعمير والتنمية والاقتصاد أو لأسباب تتعلق بأمن البلاد العام، وبعد ذلك قانون التصرّف، الذي صدر عام 1953، ويشترط على صاحب الملك، أن يتصرف في أملاكه تصرفاً فعلياً بشخصه هو مباشرة، ويمنح هذا القانون وزير مالية إسرائيل صلاحية إصدار قرار قاطع بأمر الاستيلاء على الأملاك المعنية وتسجيلها ملكاً للدولة باسم هيئة التعمير والتنمية، أما «قانون تقادم العهد» أو مرور الزمن فقد صدر عام 1957، فالمالك لأرضه لا يحق له الاحتفاظ بها متى قدّم إثباتات تؤكد تصرفاً لطيلة 25 عاماً، وبذلك تسقط حقوق المالكين العرب تحت ستار مرور الزمن؛ والملاحظ أن كافة القرارات المذكورة والتي صدرت عن السلطات الإسرائيلية قد عبّرت عن نزعة الفكر الاجتماعي الصهيوني لإضفاء الصبغة الشرعية على الاحتلال الذي سيطر على الأرض الفلسطينية بفعل القوة، وذهبت القوانين الإسرائيلية أبعد من ذلك، حين اعتبرت أصحاب الأملاك من العرب الذين أجبروا على الرحيل قسراً بقوة المجازر والإرهاب من الغائبين، حتى لو سكنوا في مناطق أخرى في الداخل المحتل.
امتدت صلاحيات القوانين الإسرائيلية العنصرية لتطال الوقف الإسلامي، حيث أصبح القيّم على أملاك الغائبين مسؤولاً عن تأجير واستخدام أملاك الوقف الإسلامي التي تبلغ حوالي 30 في المئة من مجموع أملاك الغائبين، ويبلغ مقدارها أكثر من ستة في المائة من مساحة فلسطين التاريخية ؛ ويُذكر أن يوم الأرض في 30 آذار/مارس 1976 كان رداً على مصادرة أراضي الفلسطينيين في الجليل وغيرها من المناطق العربية، وكذلك انتفاضة أم الفحم في عام 1998.
وتحاول السلطات الإسرائيلية من خلال سيطرتها على الأوقاف العربية بث النعرات الطائفية، كما جرى في الناصرة 1999. ولم تتوقف السلطات الإسرائيلية عند هذا الحد بل استصدرت قوانين عديدة خلال الفترة الممتدة بين الأعوام (2000-2023) لمصادرة مزيد من أراضي الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني، وخاصة منطقتي النقب والجليل تحت مسميات التطوير.
واللافت أن إسرائيل قامت بإحياء قوانين عنصرية وإصدار قوانين أخرى؛ وكان من أخطرها قانون الغائبين وقانون المواطنة والولاء وقانون «يهودية إسرائيل». وبالعودة إلى القرار 194، الصادر قبل خمسة وسبعين عاماً، فإن الجمعية العامة للأمم أصدرته بالتحديد في يوم 11-12-1948، وقد نصّ على عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى المناطق التي طردوا منها في عام 1948.
وفي عام 1949 أضيفت إلى القرار فقرة خاصة بدفع تعويضات اللاجئين. وكان من المفروض أن يرغم مجلس الأمن الدولي إسرائيل على تطبيق القرارات الدولية، غير أن اللاجئين ما زالوا ينتظرون في مخيماتهم تنفيذ تلك القرارات ليعودوا إلى ديارهم التي طردوا منها بقوة الإرهاب والمجازر.

كاتب فلسطيني مقيم في هولندا

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عامر عريم:

    من اجل الزام اسراءيل بتنفيذ قرارات الامم المتحدة آلتي تدعو الى انسحابها من الاراضي الفلسطينية المحتلة وعدم عرقلتها اقامة ألدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وكذلك اعادة اللاجئين الفلسطينين الى ديارهم يجب اصدار قرار من مجلس الامن للامم المتحدة ملزم. الا ان الحقيقة الثابتة هي ان مجلس الامن لن يصدر مثل هذا القرار. ولذلك يجب الإعتماد على الوحدة الوطنية الفلسطينية واستمرار النضال الفلسطيني السلمي وتعزيز التضامن العربي والاسلامي والدولي مع كفاح ألشعب الفلسطيني مما يوءدي الى عزل اسراءيل وارغامها على القبول بمطالب ألشعب الفلسطيني.

  2. يقول Shaker Jayab:

    بارك الله بكم وبجهودكم
    مهم جداً التوثيق والتعريف
    بالرغم من أن هذه العصابات الصهيونية لا تعترف إلا بالقوة.
    تحياتي وتقديري لجهودكم

اشترك في قائمتنا البريدية