تعمد وزير خارجية أمريكا ضمن جولته المكوكية العاشرة، أوائل يناير/كانون الثاني الماضي، الهادفة لوضع خارطة طريق تفضي ـ كما تتوهم الإدارة الأمريكية – إلى إعلان دولة فلسطينية بعد ثلاث سنوات او عشر سنوات، ان يمضي وقتا أطول بالعاصمة الأردنية لكي يطلع الملك عبد الثاني على جانب من محاولته إقرار ‘إطار اتفاق’ بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، لعدة أسباب يأتي في مقدمتها المسؤولية التاريخية للمملكة، في ما يتعلق بالقضية ككل، وكذا بحكم إشرافها على الأماكن المقدسة بمدينة القدس العربية بكاملها وليس بشرقها فقط، وأيضاً سيادتها الرسمية والاستحقاقية على الأغوار التى تمثل حدوداً مشتركة بينها وبين الدولة الفلسطينية المزمع إنشاؤها.
الدور الأردني في هذه المفاوضات كان مطلوباً، ليس فقط لأن الجانب الفلسطيني تمسك بذلك منذ البداية، ولكن لأن إسرائيل تدرك عن يقين أنه دور فعال ويمكن أن يكون إيجابياً في كل الأحوال.
تفيد التقارير التي نشرت خلال شهر يناير الماضي، بأن محادثات كيري تناولت جميع الملفات الشائكة التب تدخل فيها المملكة طرفاً أصيلاً، مثل الحدود والأمن والقدس واللاجئين والنهر والوادي، وتؤكد أنه اصطدم بأمرين على جانب كبير من الأهمية.
رفض عمان لمقترح أن توجد قوات عسكرية لإسرائيل في منطقة الأغوار بهدف السيطرة عليها أمنياً لمدة تتراوح بين 3 إلى 5 سنوات، على الرغم مما أعلنه، جون كيري، من موافقة أبو مازن المبدئية على المقترح، بشرط ان يدوم فقط لثلاث سنوات.
ورفض الموافقة على أن تكون ‘إسرائيل دولة لليهود فقط’.
الهواجس الأردنية حيال هذين الأمرين لم تنبت فجأة، بل هي مطروحة منذ بضعة أشهر، في ضوء التخوف من أية مفاجآت سياسية قد تنطلق قذائفها من ناحية دولة الإحتلال العنصرية. ومن المؤكد أن هناك رؤية جيوـ إستراتيجية للضفة الغربية من وجهة النظر الأردنية تخالف تماما وجهة النظر الإسرائيلية، خاصة في ظل حالة الاضطراب وعدم الاستقرار التي تهيمن على أكثر من جبهة على مستوي الحدود الجغرافية للأردن، بالإضافة إلى أهمية الوادي بأغواره الشمالية والوسطى وما تحتويه من أراض زراعية شديدة الخصوبة. في موازاة زيارة جون كيري، لم يكن جديداً أن يركز الدكتور صائب عريقات على التنسيق التام بين الجانبين الفلسطيني والأردني في كل ما يتعلق بقضايا ‘إطار الاتفاق’، لأن المملكة من وجهة النظر الفلسطينية الثابتة ‘صاحب مصلحة حقيقية وراسخة ‘ في كل ما يتعلق بتلك الملفات عن طريق أكثر من قناة، وكذا لجنة المتابعة العربية للسلام.
إلى جانب الرفض الأردني على اكثر من مستوى، أكدت المؤسسات السياسية والأمنية في عمان على ضرورة أن تعرض مجمل الافكار التي قدمتها واشنطن في ما يتعلق بإطار الاتفاق على كل من له صلة بالملف الفلسطيني، خاصة ان قضايا الوضع النهائي لا تهم فقط المملكة الأردنية، ولكنها تهم كافة الدول العربية بلا استثناء.
بعد زيارة كيري لعمان بعدة أيام أشارت بعض وسائل الإعلام الأردنية الى ان ميل القيادة الفلسطينية كما تشير بعض التحليلات الغربية لقبول أنصاف الحلول التي يوالي وزير خارجية أمريكا طرحها، لن يُلزم المؤسسات الأردنية بالموافقة عليها، خاصة في ما يتعلق بالحدود والأماكن المقدسة في القدس الشرقية. واستخلص بعض السياسيين الأردنيين ان ما تسرب من تلميحات حول النقاط الأساسية التي يدور حولها إطار الاتفاق، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك ‘أن إسرائيل لا ترغب’ في التوصل إلي حل لمشكلتها الاحتلالية مع الشعب الفلسطيني.
عند هذه النقطة، نجد لزاما علينا بعد مضي حوالي خمسة أشهر منذ بدأت هذه المساعي، أن نكرر مرة أخرى ما قلناه من قبل على هذه الصفحة، من أن الإدارة الأمريكية ‘ترتكب نفس الخطأ’ الذي دأبت عليه منذ سنوات طوال.. وربما نتابع عن كثب نفس الفشل والخزي الذي بدأ بالقول ان الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني جاهزان للدخول في اطار تسوية يقود إلى اتفاق سلام، وينتهي بالترويج الى أن الجانب الفلسطيني هو السبب الرئيسي في تعويق إدارة الرئيس الأمريكي عن تحقيق هدف إقرار السلام في الشرق الاوسط. وأولى مراتب هذا الفشل تتصل بتحديد مسبق لشهر إبريل/نيسان القادم موعداً للتوافق على ‘ إطار الاتفاق’ من دون توفير لما يحتاجه الجانب الفلسطيني من تأكيدات أو ضمانات ترسخ آليات التقدم في مسيرة اتفاق السلام المرتقب. وثانيها، تعمد الغموض والمناورة في ما يتعلق بكافة القضايا، بينما الأمر في مرحلته الحالية يحتاج لعدد من التفاصيل الضرورية. وأخيراً، الإصرار على استغلال نقاط الضعف التي يعاني منها الجانب الفلسطيني ومداومة الضغط عليه وتهديده، وفي نفس الوقت انكار حقه في الاعتراض والرفض والتنسيق مع من يراه أفضل الحلفاء، كالمملكة الأردنية الهاشمية.
التحرك الأردني الرسمي جاء على مستويين:
الأول.. تصريح ناصر جودة وزير الخارجية أمام جلسة مجلس النواب التي خصصت لمناقشة نتائج زيارة وزير خارجية أمريكا لعمان، أن بلاده ترفض الاعتراف بـ’إسرائيل دولة يهودية’ وانها لن تقبل بأي شكل من الأشكال ‘أية ترتيبات أو أطر لا تلبي بشكل كامل مصالح الشعب الأردني العليا’، وتأكيده من ناحية أخرى على ضرورة أن تتضمن ترتيبات ‘إطار الاتفاق’ بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي السيادة الكاملة للدولة الفلسطينية على أراضيها والحقوق الكاملة لكل مواطنيها’.
الثاني.. تأكيد مجلس النواب الكامل للثوابت الأردنية حيال القضية الفلسطينية ورفضه المطلق لمبدأ يهودية دولة إسرائيل وتبنيه لحق الشعب الفلسطيني في تأسيس دولة مستقلة ذات سيادة، ورفضه لأي حل نهائي لا يشمل معالجة قضايا الحدود والقدس واللاجئين والتعويضات والمستوطنات والمياه ‘وضرورة مراعاة المصالح العليا للشعب الأردني.
هذا الموقف الأردني الرسمي يدعمه موقف شعبي يدافع عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى قراهم ومدنهم التي هجروا منها منذ عام 1948، وحق الشعب الفلسطيني في اقامة دولة على حدود الرابع من يونيو/حزيران عام 1967، وسيادته على القدس الشرقية ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، وعلى رفضه التام لمطلب يهودية الدولة الإسرائيلية.
إصرار الموقف الأردني بمستوييه الرسمي والشعبي على رفض يهودية دولة الاحتلال والعنصرية، جاء في توقيت مناسب وملائم لما ينتظر أن يتقدم به وزير خارجية أمريكا خلال الأيام القليلة القادمة من أفكار جهنمية أخرى، كلها تتعلق بأمن إسرائيل وضرورات ضمان استقرار وسلامة مجتمعها.. وهو رافض في نفس الوقت لمخطط توسيع إسرائيل لمساحات الاستيطان في مستعمراتها بالضفة الغربية.. ومعترض على كافة محاولات نتنياهو الإستفزازية لزرع الفتنة بين الأردنيين والفلسطينيين داخل المملكة، كل ذلك في إطار الثقة بأنه أي الشعب الأردني – لن يقف مكتوف الأيدي إزاء أي عملية يتم من خلالها التعدي على مصالحه الحيوية، وأيضاً على استعداده لأن يضع اتفاقية وادي عربة التي وقعتها حكومته مع إسرائيل عام 1994 في كفة، ومحاولات وضع غور الأردن تحت سيادتها في كفة أخرى.
من هنا يأتي تساؤلنا..
متى تعلن القاهرة عن موقفها الرافض ليهودية دولة إسرائيل؟
ومتى تكشف عن تضامنها الكامل مع الشعب الفلسطيني بكل طوائفه، وما يحاك ضده من مؤامرات وسلب لحق الحياة، وتأييدها في نفس الوقت للموقف الأردني الرسمي والشعبي؟
ومتى تعلن رفضها كافة الألاعيب السياسة التي تتبعها واشنطن لإغلاق ملف القضية الفلسطينية مرة واحدة وأخيرة عن طريق القضاء المبرم على حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة؟
ونتمني ألا يطول انتظارنا..
‘ استشاري إعلامي مقيم في بريطانيا