في حماة.. أصبح سكانها قادرين على تذكر مذبحة ارتكبها النظام قبل 40 عاما والذكريات مؤلمة

إبراهيم درويش
حجم الخط
2

لندن- “القدس العربي”: نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا أعدته لويزا لافلاك من مدينة حماة التي عاشت في الثمانينات من القرن الماضي مجزرة رهيبة على يد قوات حافظ الأسد، والد الرئيس المخلوع بشار.

وقالت فيه إن الناجين من أول مذبحة لعائلة الأسد يتذكرون الآن ما حدث ويتحدثون بحرية وبدون خوف.

وقالت إن المذبحة هذه كانت بمثابة النموذج الذي قام عليه القمع في نظام الأسد بسوريا.

مذبحة حماة التي حدثت عام 1982 كانت بمثابة النموذج الذي قام عليه القمع في نظام الأسد بسوريا

واليوم وقد هرب الأسد الإبن أصبح بمقدور الناس حكاية قصصهم. وتقول لافلاك إنه وعلى مدى أربعة عقود، تأكدت عائلة الأسد من أن الرعب الذي ارتكبته ظل مخفيا وصامتا، فقد قامت قوات الأسد وعلى مدى شهر من الحصار بقتل عشرات الآلاف من سكان المدينة ثم تصيدت من حملوا ذاكرتها.

وقد ترددت قلة من سكان المدينة في غرب سوريا وصف ما حدث في عام 1982، ونظروا من خلف ستار النوافذ حيث راقبوا الجنود وهم يفصلون الرجال عن النساء لإعدامهم. وحاولوا نسيان مجموعات الكلاب التي انتشرت في شوارع المدينة بعد ان مزقوا الأجساد.

فقد كانت حماة التي قام من خلالها حافظ الأسد بتعزيز وحشية عائلته من خلال سحق انتفاضة للإخوان المسلمين.

وفي هذا الشهر انهار حكم العائلة في سوريا وانزاح جدار الصمت الذي بنته على المجزرة، وفي مدى أيام قليلة.

فقد قادت قوات المعارضة التي خاضت حربا استمرت لمدة أكثر من عقد حملة عسكرية خاطفة من معقلها الرئيسي في شمال البلاد إلى العاصمة دمشق، وتفوقت على دفاعات قوات بشار الأسد التي انهارت معنوياتها واستولت على العاصمة، بينما فر الرئيس إلى روسيا.

وعلى قمة تلة مغطاة بأشجار الصنوبر بالقرب من حماة، حيث خسرت القوات الحكومية معاركها الأخيرة مع مقاتلي المعارضة، كانت الأرض مغطاة بالزي العسكري الأخضر والطعام الذي حملته القوات معها إلى الجبهة وكانت أجسادهم مرمية على العشب حيث سقطوا.

ويقول سكان المدينة إن الخسارة الفادحة تضخمت بحجم صدمة المذبحة المخفية والتي جعلت روح حماة فارغة.

ومن نواح عديدة، كانت حملة حافظ الأسد هنا بمثابة المخطط الذي استخدمه ابنه لسحق المظاهرات المناهضة للحكومة في عام 2011، مما أدى إلى انزلاق البلاد إلى حرب أهلية.

كانت حملة حافظ الأسد في حماة بمثابة المخطط الذي استخدمه ابنه لسحق المظاهرات المناهضة للحكومة في عام 2011، مما أدى إلى انزلاق البلاد إلى حرب أهلية

وعلى الرغم من أن معظم السوريين لم يعرفوا أبدا تفاصيل ما حدث هنا، إلا أنهم فهموا أن حماة كانت مرادفا للمذبحة، وبمثابة تحذير من أن الموت أو السجن هو ثمن الوقوف في وجه النظام.

وقبل ظهور سجن صيدنايا سيء السمعة، كان هناك سجن تدمر حيث سجن رجال حماة وأعدموا فيه. ووصف أحد السجناء السابقين وهو شاعر ما جرى في السجن بأنه “مملكة الموت والجنون”.

ولدت ميساء زلوخ في عام 1982 في ظل الحصار الحكومي. أخبرتها عمتها أن والدها كان حنونا واجتماعيا، لكن الرجل الذي رباها لم يكن لديه أصدقاء على الإطلاق. لقد قتل أو اختفى أولئك الذين نشأ معهم. قالت زلوخ: “كان خائفا لدرجة أنه لم يكن يثق في أي شخص”. وقالت إن المرة الأولى التي رأته يبكي فيها كانت عندما دخلت المعارضة المدينة في 5 كانون الأول/ديسمبر، حيث أدرك أخيرا أن النظام على وشك السقوط. وقالت:”كان الأمر لا يصدق، لقد كان سعيدا للغاية. قال إنه كان يعتقد أن هناك سبع عجائب فقط في هذا العالم، لكن الآن أصبحت هذه العجائب أصبحت ثماني”.

وعلى مقعد في المنتزه ضحك حامد شعبان، 54 عاما وصديقه عند سؤالهما عن المرة الأولى التي تحدثا فيها عن مجزرة حماة قبل 42 عاما، وقالا معا “الآن”.

ومن المكان الذي جلسا فيه كان بإمكانهما رؤية الساحة العامة التي كانت تعج بالمتظاهرين في عام 2011، وهم يرقصون ويهتفون ويطالبون بالتغيير السياسي. وعندها فتحت قوات الأمن النار عليهم، ثم شكلت “لجان تحقيق” لاعتقال دائرة متزايدة الاتساع من المدنيين بتهمة التورط في الاحتجاجات، سواء كانت حقيقية أو متخيلة.

وقال شعبان: “كنت أشاهد من بعيد آنذاك. كنا نعرف ثمن الانتفاضة، وكنا خائفين جدا”.

 قبل ظهور سجن صيدنايا سيء السمعة، كان هناك سجن تدمر حيث سجن رجال حماة وأعدموا فيه ووصف أحد السجناء السابقين وهو شاعر ما جرى في السجن بأنه مملكة الموت والجنون

وفي حي الكيلانية، على الجانب الآخر من النهر ونواعيره الشهيرة، توقف المارة للاستماع بينما بدأ جيرانهم في مشاركة الذكريات التي احتفظوا بها لسنوات عديدة.

وكانت القوة التي أرسلها النظام في عام 1982 مكونة من 12,000 جنديا، بقيادة رفعت الأسد [قائد سرايا الدفاع]، الاخ الاصغر لحافظ الأسد.

وقد قصف جنوده أحياء بأكملها وحولوها إلى أنقاض. وكان الحصار المفروض على المدينة يعني أنه لم تكن هناك أي فرصة للهروب. ثم جاءت عمليات “التطهير”، كما قال السكان. وأشار أحدهم إلى المساحة الفارغة حيث كان منزل عائلته، وهو يروي كيف شاهد المسلحين يتنقلون من منزل إلى آخر. وأشار آخر إلى سطح قال إنه شاهد طفلا صغيرا أصيب برصاصة وهو يصرخ طلبا للطعام. وتحدث رجل، قال إنه لا يزال خائفا جدا الكشف عن اسمه: “من الصعب أن نصدق أن هذا يحدث، حتى أكون صادقا، لم نتخيل ذلك أبدا. كنا نعتقد أنهم بنوا نظاما سيستمر إلى الأبد”.

وحتى في داخل الأسر، كانت مناقشة المذبحة أمر خطير جد، لدرجة أن معظم الآباء حذروا أطفالهم من عدم التحدث عنها أبدا. وعليه، فعندما بدا عبد العزيز شمة، 57 عاما بالتقاط الصور من أجل إعادة بناء الأحياء في عام 2011، قرر ان يضعها على منصات التواصل الإجتماعي مستخدما اسما مستعارا. ومع مرور الوقت أتته الشجاعة وبدأ بمقابلة سكان المدينة ومعرفة ما حدث في عام 1982.

وفي 14 كانون الأول/ ديسمبر وبعد فرار الأسد، قرر شمة وضع فيديو لحماته فاطمة منتش والتي كانت ولأول مرة قادرة على حكاية ما رأته وعاشته بالكامل.

وقال شمة: “كانت تبدأ الحديث، لكنها لم تستطع الاستمرار. لم تكن قادرة على إنهاء حديثها”، وأضافت: “جاء الجنود إلى منزلها وأخذوا اثنين من أبنائها وواحدة من بناتها. وضربوا بقية أفراد الأسرة ونهبوا المنزل وسرقوا المال أثناء مغادرتهم. ولم تسمع أي شيء عن أطفالها المفقودين. وقالت إنها سعت للتنفيس عن حزنها من خلال الجلوس مع نساء أخريات من المدينة يشتركن معها بالألم وعندما كانت تصلي، لكنها لم تكن تعرف ما إذا كانت ستدعو للإفراج عن ولديها وابنتها راوة أو الدعوة لأرواحهم وراحتهم في موتهم”. وقالت: “كنت أبكي ليل نهار وأتمنى لو أستطيع أن أراهم. حتى لو كانوا موتى. أريد أن أراهم موتى”.

وقام شمة بالحديث أمام الكاميرا قائلا: لكل الأمهات اللاتي شاهدن قتل أولادهن، حتى ولو لم يكونوا يحملون أسلحة” و “لم يكونوا إرهابيين، كانوا أبناء الشام”، وأضاف “نريد نشر هذه القصص، فكل واحد لديه قصة”.

وتقول الصحيفة أن الكثيرين من الذين كانوا في سن النضج عندما دخلت قوات النظام المدينة عام 1982، هم في عداد الموتى الآن. وقال شمة إن عمته التي أعدم زوجها محمد وستة من أبنائها مصابة بمرض الزهايمر، وتمر عليها أيام جيدة وأياما صعبة.

وعندما زارتها الصحيفة بمنزل العائلة هذا الأسبوع، كانت أمينة برادة 88 عاما طريحة الفراش ومغطاة بأغطية ثقيلة لحمايتها من البرد. ولم تكن شبكة الكهرباء عاملة بعد سنوات من الفساد والأزمة الإقتصادية.

وفي ذهن برادة كان الأمر لا يزال وكأنه في سنوات الثمانينات. وكلما فتح الباب الأمامي، اعتقدت أنه ابنها الأصغر، مخلص الذي كان في سن 11 عاما وأنه قد عاد من المدرسة. وكانت تصرخ “أين هم”، وهي تنادي في الليل وتقول “لماذا لم يعودوا إلى المنزل”. واقترب شمة من السرير وانحنى وقبل خد عمته بينما لفت يديها حول خصره واحتضنته بقوة . وظل يقول لها “لا بأس” “يمكنك الإستراحة الآن”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول علي:

    لاحول ولا قوة الا بالله العلي العظيم…………

  2. يقول باسو الاطلسي:

    امر عجيب جدا لا يصدق ان المجتمع الدولي ترك الاسد الاب ينجوا بما فعله اعدامات خارج القانون ضد مدنيين
    حساب الاسد الاب عند ربه سيكون عسيرا
    اما الاب فلا محالة على سورية الجديدة ان تتابعه بالجنائية الدولية مع كل الدول التي ساندته في فعلته

اشترك في قائمتنا البريدية