في سياق أزمة كبرى مع باريس.. تحركات في البرلمان الجزائري لصياغة قانون تجريم الاستعمار

حجم الخط
2

الجزائر ـ “القدس العربي”:

في وقت تشهد العلاقات بين البلدين أوج أزمتها، بدأت التحركات في البرلمان الجزائري لإعداد مشروع قانون تجريم الاستعمار الذي أعلن رئيس المجلس الشعبي الوطني إبراهيم بوغالي طرحه في الأيام الماضية، ردا على التحرشات الفرنسية ومحاولات تزوير التاريخ.

ووفق ما أفادت به مصادر إعلامية جزائرية، فإن هذه المبادرة التشريعية يشارك فيها عشرات النواب يمثلون تشكيلات سياسية مختلفة، يسعون إلى تشكيل لجنة برلمانية تتولى التنسيق مع المؤرخين والأسرة الثورية، خاصة الشهود على وحشية الاستعمار الفرنسي، من أجل إعداد مشروع القانون بشكل متكامل.

ويهدف المشروع إلى فضح الجرائم الاستعمارية أمام الرأي العام الوطني والدولي، بما في ذلك المجازر الجماعية والتفجيرات النووية التي لا تزال آثارها تنهك حياة السكان حتى اليوم. كما تسعى هذه المبادرة إلى المطالبة باعتذار رسمي من فرنسا وتعويضات عن الأضرار التي لحقت بالشعب الجزائري خلال الحقبة الاستعمارية، وسط قبول متزايد داخل البرلمان الجزائري لدعم هذا المشروع.

ومن الواضح أن البرلمان الجزائري قد تلقى الضوء الأخضر لطرح مشروع قانون تجريم الاستعمار، بعد عقود من الأخذ والرد حول هذا الملف الشائك. ويأتي هذا القانون في حال تم تبنيه فعليا، في سياق الرد الجزائري على الحملات العدائية التي تواجهها البلاد في الأشهر الأخيرة، خاصة من قبل تيار اليمين المتطرف الذي وصلت بعض وجوهه للحكم في فرنسا.

وكان رئيس المجلس الشعبي الوطني في الجزائر إبراهيم بوغالي، نهاية كانون الثاني/جانفي الماضي، قد ذكر في تصريحات لافتة  لقناة الشروق، أن الوقت حان للتخلي عن موقع الدفاع والمبادرة بالهجوم دفاعا عن الجزائر، من خلال طرح قانون تجريم الاستعمار، باسم الشعب الجزائري حصرا لا باسم حزب أو كتلة، وذلك في سياق حديثه عن الأزمة الدبلوماسية الراهنة بين الجزائر وفرنسا والتي أخذت أبعادا غير مسبوقة.

وأكد رئيس الغرفة الاولى للبرلمان، أنّ “الطريق بات مفتوحاً لصياغة قانون لتجريم الاستعمار، بعد رفع السلطة السياسية تحفظاتها بشأن مقترحات سابقة لصياغة القانون”، على حد قوله. وتحدث هنا، عن وجود توافق بين السياسة الخارجية التي يحدد معالمها رئيس الجمهورية وبين الدبلوماسية البرلمانية التي أكد أنها لا تخرج عن الإطار العام الذي يتبناه الرئيس، وهو ما تجمع عليه كل الأحزاب الممثلة في البرلمان، وفق تأكيده.

بعد سنوات من التردد من الواضح أن البرلمان الجزائري قد تلقى الضوء الأخضر لطرح مشروع قانون تجريم الاستعمار، بعد عقود من الأخذ والرد حول هذا الملف الشائك.

وعن مبررات طرح القانون، قال بوغالي “لا شكّ أنّ الحملات العدائية الفرنسية المتواصلة التي تهدف إلى تشويه صورة وسمعة الجزائر، تستوجب طرح هذا القانون”، مبرزا ضرورة “الكف من البقاء في وضع الدفاع، فقد حان وقت الهجوم”. وشدّد الرجل الذي ينتمي للأغلبية الرئاسية، على أنه لن يكون هناك أي تسامح مع أي جهة تحاول ضرب مصداقية الجزائر، قائلا “هذا البلد أمانة من الشهداء، ونحن مكلفون بالحفاظ عليه وصونه”.

واعتبر بوغالي أنّ الجزائر تمتلك كل الأدلة والأوراق اللازمة لإثبات جرائم فرنسا، مبرزا أنّ “فرنسا لم تكن صادقة، وحان الوقت لوضع الأمور في نصابها”، كما أشار إلى أنّ “وضع جماجم الشهداء في متحف الإنسان (بباريس) استفزاز للشعب”.

وسبق للبرلمان الجزائري وفق ما ذكر بوغالي،  أن طرح قانون تجريم الاستعمار سنة 2006، كرد على قانون تمجيد الاستعمار الذي أرادت فرنسا تبنيه سنة 2005 في ظل رئاسة جاك شيراك. لكن القانون الجزائري تم تعطيله بمبررات عدة، منها عدم الرغبة في الإضرار بالعلاقات مع فرنسا، وظل يستعمل من حين لآخر كورقة ضغط جزائرية كلما تأزمت العلاقات بين البلدين، لكن دون أي إرادة حقيقية في اعتماده.

وشهدت بدايات العهدة الأولى للرئيس عبد المجيد تبون، محاولات لإحياء المشروع لكن دون جدوى. ففي شباط/ فبراير 2020، اقترح 50 نائبا في المجلس الشعبي الوطني، مبادرة قانون لتجريم الاستعمار، تنص على “اعتراف فرنسا بجرائمها وأفعالها إبان احتلالها للجزائر من سنة 1930 إلى 1962 والاعتذار عنها حق مشروع للشعب الجزائري غير قابل للتنازل”. وأشار مقترح القانون إلى أن أشد الجرائم خطورة، هي الإبادة الجماعية ، جرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب”، مبرزا أن هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم.

واعتبر مقترح القانون أن مسؤولية الدولة الفرنسية قائمة عن كل الجرائم التي ارتكبتها جيوشها في حق الشعب الجزائري إبان فترة الاحتلال، ونص على أن “الشعب الجزائري تعرض إلى أبشع أنواع واخطر أنواع الجرائم خلال فترة الاحتلال،  مازالت أثارها وتأثيراتها إلى يومنا هذا”. واعتمد أصحاب المبادرة على اعترافات عن تلك الأفعال والممارسات وردت عن مجرمي حرب فرنسيين، كانوا “يتباهون ويتفاخرون بجرائم إبادة قبائل بأكملها وحرق قرى ومداشر برمتها والقضاء على عائلات بأكملها بنسائها وأطفالها وشيوخها في جميع أنحاء البلاد”.

لكن هذا المقترح الذي صاغه الإسلاميون لم ير النور. وذكر النائب ناصر حمدادوش، عن حركة مجتمع السلم، حينها على صفحته الرسمية أن ثمة من يقوم بعرقلة تمرير القانون، متسائلا عن الغاية من إجهاض المبادرة الأخيرة الخامسة في مساعي نواب البرلمان، على الرغم من استيفائها كل الشروط القانونية، وإيداعها لدى مكتب المجلس الشعبي الوطني.

وتلا ذلك سنة 2021 بعد انتخاب البرلمان الجديد، تقدم أكثر 100 نائب في المجلس الشعبي الوطني، بمقترح قانون لتجريم الاستعمار. وقام النائب بلخير زكريا بإيداع المشروع مندوبا عن أصحاب المبادرة، تزامنا مع ذكرى أول نوفمبر  وهو تاريخ انطلاق الثورة التحريرية ضد المستعمر الفرنسي سنة 1954، لكن هذا المشروع أيضا بقي حبيس الأدراج.

ولعلّ ما يجعل الوقت مناسبا اليوم لتبني القانون، وفق مراقبين، تكرار نفس مشهد سنة 2005 عندما حاول البرلمان الفرنسي اعتماد قانون تمجيد الاستعمار، ولو بظروف مختلفة. فاليمين المتطرف الذي أصبح قوة سياسية كبرى في فرنسا، يتحدث اليوم بنفس خطاب تمجيد الاستعمار وذكر “إنجازاته” المزعومة، مع الإنكار التام لكل الجرائم التي ارتكبها بحق الجزائريين.

وينظر الجزائريون في عمومهم باحتقار لتصريحات وجوه اليمين المتطرف التي تحاول اللعب على مغالطة تاريخية، فالاستعمار الفرنسي شيّد بنى تحتية لخدمة المعمرين وليس الجزائريين الذي كانوا يرزحون تحت الجهل والفقر المدقع. وكان الرئيس الجزائري قد صرح في أكثر من مناسبة بأن الجزائر قدمت 5 ملايين و630 ألف شهيد خلال كامل الفترة الاستعمارية التي دامت 132 سنة، مكررا مطالباته لفرنسا بالاعتراف بجرائمها في الجزائر كاملة لبناء علاقات طبيعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول فصل الخطاب:

    هه تأخروا كثيرا ولات حين مناص ☹️

  2. يقول ملاحظ...:

    جاء في المقال ما يلي:
    “…يهدف المشروع إلى… بما في ذلك المجازر الجماعية والتفجيرات النووية التي لا تزال آثارها تنهك حياة السكان حتى اليوم…”
    الغريب هو ان فرنسا تركت الجزائر سنة 1962 وليست البارحة ومادامت الجرائم هي الجرائم فلماذا عطلت حكومات الجزائر المتعاقبة هذا المشروع.
    من جهة اخرى، لماذا سمحت الجزائر وهي مستقلة وذات سيادة، لفرنسا بان تفجر قنابل نووية على ارضها.
    اعتقد ان ما يلوح به البرلمان الجزائري ليس سوى خبر للاستهلاك المحلي علما منه علم اليقين أن فرنسا تنصلت من مسؤولياتها بشكل مقنن عبر اتفاقية “ايفيان”، تلك الاتفاقية التي لا تتوفر الدولة الجزائرية حتى على نسخة منها كما ورد على لسان احد المسؤولين الجزائريين وبذلك وجب محاسبة الجزائر نفسها قبل فرنسا بسبب سماحها للمستعمر السابق

اشترك في قائمتنا البريدية