في شهر أيّار التقينا..بكينا وغنينا!

ليالي الأنس في فينا! زرت فيينا ثلاث مرّات، كلها في شهر أيّار. هل يمكن لمثلي أن يزور فييناللسياحة والتمتع بفييناالجميلة العريقة، والغناء بهجة وطربا مع أسمهان: ليالي الأنس في فينا؟! في المرتين السابقتين دعيت للمشاركة في نشاطات فلسطينية ترتبط بحق العودة، في أيار 2005 و2009. في هذا الأيار دعاني الصديق المهندس المتقاعد الفلسطيني سعيد الخضرا، الذي يحمل الجنسية النمساوية منذ عقود، والذي درس الهندسة في النمسا، الناشط في أوساط الجاليات العربية، وفي لجنة الصداقة العربية النمساوية.
في لقاء بمقر رابطة الثقافة العربية، التي أسست بمبادرة من نشطاء الجالية المصرية، تكلمت بداية عن كتاب الصديق الإعلامي نضال حمد (في حضرة الحنين)، وأجبت عن أسئلة حول الثقافة الفلسطينية، ومأزق الوضع الفلسطيني بسبب الخلاف بين السلطتين.
في الأيام التي قضيتها في فيينا التقيت بكثيرين من الجاليات العربية، و..الفلسطينية، ولمست بحزن وأسى الشروخ في الجالية الفلسطينية، وهي من صنع فلسطينيين اعتادوا واستمرأوا (الهيمنة)، وما عادت تعنيهم آلام شعبنا، ومتاهات قضيتنا.
كان لا بد من زيارة بعض قصور فييناالعريقة، والتمتع ببعض جمال هذه المدنية الباهرة، ومتاحفها التي لا يمكن أن تفرغ من التردد إليها في أيام معدودات.
طيلة الوقت كنت أقارن بحسرة بين ما يتمتع به المواطن النمساوي من حقوق، والحقوق المنتهكة للإنسان العربي الممسوخ في ( كل دول ) العرب، ولا أقول بلادهم!
كل شيء في وطن النمساوي له، لراحته، لتمتعه، وهو بالمقابل يعطي للدولة التي تعطيه، وهكذا تمضي الحياة هنيئة كريمة..وهذا كان مبعث الغصة في القلب، فالعربي لا حقوق ولا كرامة له في ما يفترض أنها بلاده، والعربي لا وطن له في (وطنه)!
كثيرا ما تساءلت وأنا أتمشى في شوارع فيينا مع الصديق سعيد الخضرا: متى ستكون أوطاننا هكذا: نظيفة، ممتعة، جميلة، آمنة، يتوفر فيها كل ما يحتاجه المواطن؟!
هل أقول في ختام كلماتي القليلة عن فيينا التي قضيت فيها أياما ممتعة: لنا أصدقاء هناك؟ نعم: لنا أصدقاء تلتقيهم في الشارع، في النشاطات بمناسبة النكبة ـ يقاطعها فلسطينيون لا يطيب لهم أن ينشط أحد بعيدا عن هيمنتهم_ في لقاءات تتم صدفة أحيانا في المقهى..وفيينا مدينة المقاهي الجميلة، وبخاصة في ساحة أشتيفان، ساحة الكاتدرائية العريقة المبنية على الطراز الهندسي القوطي..والتي تتوسط فييناالجميلة، ومنها تتفرع الشوارع العريقة الباذخة، والتي عبرها يتوجه السائحون إلى أرجاء فيينا للتمتع بمدينة المتاحف، والقصور، والعراقة، والأناقة.
ملاحظة: المقاهي بدون شيش تلوث الجو…
لقاء مع الجالية في غوتنبرغ:
تلقيت من الجالية الفلسطينية في مدينة غوتنبرغ _ السويد دعوة للمشاركة في احتفالية أعدوا لها بمناسبة النكبة.
من فيينا توجهت إلى غوتنبرغ مع ابني فهد يوم 10 أيّار، وهناك التقيت بأصدقاء قدامى عرفتهم في سورية، تحديدا في مخيم اليرموك، وفي لبنان، أو عبر الهاتف، أو على الفيس بوك..وفي مقدمتهم الناشط صبري حجير.
في الفضاء الرصاصي هبطت بنا الطائرة في مطار المدينة، بعد أن عبرت بنا فوق بحيرات كثيرة متناثرة، وغابات ممتدة.
الطقس هنا قاتم، ثقيل، شمسه قليلة، ما أن تظهر حتى تختفي، ولكن دفء اللقاء أجج الذكريات التي عطرها استذكار رفاق رحلوا في ميادين المعارك ولا سيما في بيروت، وعلى أرض الجنوب.
التقيت بالصديق راضي الشعيبي الذي قدم من برشلونة، وهو رئيس الأمانة العامة لاتحاد الجاليات والفعاليات، والمؤسسات الفلسطينية في أوربه، ومن جديد بالصديق نضال حمد الذي بعد يوم واحد على عودته إلى أسرته في النرويج عاد بسيارته برا ليشارك في احتفالية الجالية في غوتنبرغ.
يوم 11 كان يوما حاشدا، فالمكان يضج بالأسر الفلسطينية التي حضرت مع أطفالها حاملة الأعلام الفلسطينية ـ لم أر علما لأي فصيل، أو شعارا لجهة ما ـ منشدة أغاني الثورة التي لا يريد تذكرها من تاهوا عن الطريق…
رقصت طفلات وأنشدن فاستنزفن الدموع من عيوننا، والأسئلة عن المستقبل.
تحدث ممثل الحزب الشيوعي السويدي فذكرنا بالخطاب الأصيل الذي يقول بعروبة فلسطين من نهرها لبحرها، وشدد الدكتور راضي على حق العودة، وضرورة تنظيم الصفوف في الشتات، وهو ما شدد عليه( أبوبسام) رئيس الجالية هناك…

دورتموند: حديث في الثقافة.
هبطت الطائرة بنا في مطار دوسلدورف، خرجنا من بوابة المطار فإذا بأحد الأخوة يلوّح لي. لم أكن قد عرفته من قبل، لكن ابتسامته طمأنتني أنا الذي تقلقني المطارات والحدود.
الأخ نعمان يوضح: كان الجو لطيفا لكنه انتكس..
توجهنا إلى السيارة التي تنتظر لتقلنا، وفيها الدكتور عمر، ثمّ بعد عناق تحركت السيارة، فإذا بنا نجابه بزحام سير، وهو ما أتاح لي أن أستمتع بمنظر الغابات الكثيفة التي تحف بالطريق الذي يأخذنا إلى مدينة دورتموند العريقة ..إحدى أهم مراكز الصناعة في ألمانيا.
عندما يلتقي الفلسطينيون فأنت لا تعرف من أين يبتدئ الكلام وإلى أين يمضي و يتشعب، وهو دائما مزيج من الحزن والألم والسخرية و..التأوهات!
تجول بنا الدكتور محمود في بعض أحياء دورتموند، فأدهشني طراز البناء وتشابهه من حيث المظهر الخارجي..وأناقته، واستقلاليته، فلا بنايات ضخمة، ولا صخب.
التقيت مساءً _ وأنا لم أعد اعرف متى يبدأ الصباح..وإلى متى يمتد النهار، _ بالدكتور هشام حماد رئيس الجالية في دورتموند، وتجولنا سيرا على الأقدام في وسط المدينة الجميلة الأنيقة، وامتد الحديث بيننا في أحد المقاهي، وقد حرصنا على الجلوس خارجا ليتمكن المدخنون من التدخين في (الهواء الطلق)، وبعد ساعتين تقريبا اقترح علينا أن ننال قسطا من الراحة استعدادا للقاء الجالية في الغد.
في اليوم التالي صباحا حضر الصديق نعمان واصطحبني أنا و(فهد) في جولة ابتدأت بوسط المدينة، ثمّ لنصعد على الجبل للتمتع بمشاهدة قلعة عريقة هناك، ولنطل على دورتموند ونهر الرور…
على جدران بعض البنايات ما زالت آثار الرصاص من الحرب العالمية الثانية، فهذه المدينة تعرضت لهجمات انتقامية تدميرية، لأنها كانت أحد أهم أماكن مراكز الصناعات العسكرية الهتلرية…
مصانع (كروب) التي زودت هتلر بكل أدوات الحرب ما زالت ترفع شارتها على واجهة بناء هائل. وجدتني أتمتم بمقطع من قصيدة (الأطفال والرصاص) للشاعر الكبير بدر شاكر السياب، وهي عن كروب والحرب:
ويبقى بعدنا كروب الجالب الموت والردى
ويبقى بعدنا كروب، تبقى المصانع
وها هي مصانع كروب..هاهو أحد عناوين الحرب العالمية الثانية التي كانت (الحاضنة) لولادة (إسرائيل) بفضل هتلر، الحليف (الحقيقي) للصهاينة بنعصريته ووحشيته.
مساء 17 أيّار التقيت مع الأخوة في الجالية، وجلهم أطباء ومهندسون، وكان الحديث في الثقافة الفلسطينية، ولذا أخذت راحتي في الكلام، فليس هناك ما نختلف عليه، فمن يتنكر لدور مبدعينا منذ مطلع القرن العشرين: شعراء، كتابا، فنانين ..وأهمية الثقافة في توحيد شعبنا بعيدا عن السياسات العقيمة التي مزّقت صفوف شعبنا، ومنحت الفرص للانتهازيين للعبث بقضيتنا.
في ختام اللقاء كان حوار مثمر وحميم، اختتمته بتقديم بعض أعمالي الروائية، فأعلن رئيس الجالية الدكتور هشام حماد وسط تصفيق الحضور عن تأسيس مكتبة للجالية بدءا بهذه الكتب…
في فيينا وغوتنبرغ ودورتموند ..التقيت بأهلي الثابتين على الإيمان بعروبة فلسطين من نهرها لبحرها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الجالية الفلسطينية في النمسا:

    الجالية الفلسطينية في النمسا لا تريد الإحتجاج لمعرفتنا ان الأخ المناضل الكاتب رشاد ابو شاور يملك المعلومة من جهة واحده وبهذا نحن ندعوا هذا المناضل رفيع الشأن الوطني الى النمسا على حسابنا الخاص للوقوف على الحقيقة والوقوف على الراي الاخر حتى يتم له صقل قناعاته بالشكل الذي يراه بعد وقوفه على الحقيقة
    دعوة رسمية
    رئيس الجالية الفلسطينية في النمسا
    منذر مرعي
    تلفون نقال
    00436504444405
    إيميل
    merai@ gmx.at

    1. يقول عبدربه خطاب:

      وكيف ياأستاذ منذر فاتك الالتقاء بالأخ المناضل أبو شاور اثناء زيارته للنمسا؟ لقد أشار ابوشاور الى وضع الجالية الفلسطينية في النمسا بقوله: ” ولمست بحزن وأسى الشروخ في الجالية الفلسطينية، وهي من صنع فلسطينيين اعتادوا واستمرأوا (الهيمنة)، وما عادت تعنيهم آلام شعبنا، ومتاهات قضيتنا.” وهذا هو حال كل الجاليات العربية في شتى انحاء العالم: صورة لوضعنا وحالتنا في اوطاننا!!.
      ان بامكان العرب في اوروبا تحقيق ما نصبو اليه من ثورة ربيعنا العربية من خلال جهد صادق ودؤوب في الأوساط الشعبية والاعلامية لتوضيح اهدافنا العادلة ورغبة شعوب امتنا في تحقيق التعاون الشامل على أساس تبادل المصالح وليس على أساس هيمنة طرف على آخر.

  2. يقول عبدربه خطاب:

    ابنك الكريم فهد وأحفاده ياأستاذ ابوشاور سينعمون بما أشرت اليه من جمال وامن وحضارة بعد انتصار ثورة الربيع العربية تماما كما كانت الشعوب الاوروبية تحلم بتحقيقه اثناء الحروب الدامية المهلكة خلال النصف الأول من القرن الماضي. وياليت تلك الشعوب تستيقظ من حالة التخدير الاقتصادي والفكري وتهب لنجدة امة تتعرّض للزوال. اصرارنا على مقاومة هيمنة حكامهم وعزمنا على تحقيق اهدافنا العادلة سوف يوقظهم من سباتهم ليعلموا ان امنهم واستقرار اقتصادهم لن يدم طويلا اذا ما استمر قادتهم في صلفهم وغرورهم.

  3. يقول رشاد ابوشاور:

    الأخ منذر مرعي المحترم
    تحياتي…
    اشكرك على دعوتي باسم الجالية الفلسطينية في النمسا للاطلاع على وجهة نظركم. في كل البلدان الوربية التي زرتها وجدت الجالية الفلسطينية ..ماذا اقول؟ بينها خلافات، و..غير موحدة الجهود.
    أنا حضرت باسمي ككاتب فلسطيني..ولم امثل اي طرف، ولكنني أنتمي لوطني فلسطين. بقيت اياما في فينا، ولم يتصل بي احد، حتى ولا ( السفارة) .زوانا أعرف السفير، وهو يعرفني..ولكن!
    كل ما أتمناه أن نعمل جميعا على توحيد جالياتنا في كل أوربة، وأن نرتقي بالعمل الجماعي لرعاية من يولدون في المنافين ولتقديم حقيقة الصراع مع عدونا الذي لم يبق لنا قدسا، او ارضا يمكن ان تبنى عليها دولة…
    اشكرك على الدعوة، ويسرني ان البيها في اي وقت..وأتمنى لكم جميعا يا اخوتي في جاليتنا في النمسا التوفيق في العمل معا..فيكفينا ما نعانيه من اشنقاق وانقسام وصراعات…
    أخوك/ رشاد ابوشاور

  4. يقول أحمد دغلس:

    ألأخ رشاد ابو شاور
    تحية وبعد
    من يحضر الى اي بلد هو يتصل بالسفارة فإذا السفارة والسفير لم يتجاوبوا يكون امر آخر حضرتكم لم يتصل وليس بالسفارة منجم
    اما بالقول انك لم ترى احدا ..الم يحضر لطرفكم د .جورج نقولا الرئيس الفخري للجالية الفلسطينية ..؟؟ الم يقم نقولا بالواجب الترحيبي وحتى الإنساني للجميع بطرفكم
    بهذا القدر اكتفي وإلى اللقاء في مقر الجالية الفلسطينية في النمسا

    أحمد دغلس

  5. يقول محمد محمود:

    انت همنا يااستاد رشاد انت اكبادنا التى تمشى فى الطرقات نحن نتخاطر الاكباد الطيبة الهم الدى يكسر الضهر الامل وسط بحار من من الدم مادا ابقينا الى انفسنا او مادا ابقينا الى الحجر والشجر لمادا التوهان لمادا غياب البوصلة انعدام الرؤية مادا ينقص الدى ينفص هو ادمية الانسان وهى لاتتحقق فى الاساس الا فى صندوق الانتخاب ونقيضها الاستعباد هدة هى المعادلة البوصلة متل بوصلة القدس لاغيرها يوجد صندوق انتخاب غير مزور انت حر يوجد صندوق مزور او لايوجد انت عبد ومستعبد ولو اتيت باالكعبة فى يدك تقطعت اكبادنا يااستاد رشاد فى كل مكان الا ان البوصلة واضحة وضوح الشمس القدس البوصلة وغيرها تكتيك هدا الاساس وايضا التورة السورية ودعمعا بكل قوة تحقيقا لصندوق الانتخاب هنا العدالة والحل الجدرى لكل امراض الامة التى التى لم تعد تتسع لها

  6. يقول abousad:

    وهكذا تمضي الحياة هنيئة كريمة..وهذا كان مبعث الغصة في القلب، فالعربي لا حقوق ولا كرامة له في ما يفترض أنها بلاده، والعربي لا وطن له في (وطنه)!

  7. يقول صلاح السكر:

    اخي ابو شاور ارجوا ان تتوسط لي لدخول النمسا للتمتع بالحياة فيها ومنلظرها الخلابة وانا اعدك بان اكون من اهلك الصابرين والثابتين على الحق والمؤمنين بعروبة فلسطين من النهر الى البحر ولن اتنازل عن موقفي قيد انمله في فيينا او دورتموند

  8. يقول كردي:

    أجمل الأماكن زواريب المخيمات الصابرة معامل الرجال الصامدين .شكرا.

  9. يقول جورج محمد علي:

    الأستاذ المحترم رشاد شاور…..
    مع كل المحبة لك ولكلماتك الجميلة… ولكن سؤالي هو لماذا غالبية الفلسطينين المهجرين في أوروبا وغيرها لا يعملون شيء تقريبآ لأجل فلسطين …أنا أذكر أنني في إسبانيا خرجت في مظاهرات كثيرة ضد العدوان الأسرائيلي ولكن للأسف بالكاد تجد بين المتظاهرين فلسطينيآ علمآ أن إسبانيا مليئة بهم وهذا الحال على ما أعتقد ينطبق على الفلسطينيين في كل دول العالم..وسؤالي الآخر هو أين الدعم المادي الذي يجمعونه لأهلم في الأراضي المحتلة…!!!ألا يجدر بهم أن يتعلموا من عدوهم إسرائيل كيف أن الجاليات اليهودية في جميع أنحاء العالم تعمل ليل نهار لإعلاء كلمة إسرائيل ولرفع مستواها في جميع المجالات .

  10. يقول بوران بشير:

    عندما اقرأ للاستاذ ابو شاور أشعر بأن فلسطين بخير, رغم الحزن والألم الذى يكتنف الكاتب القدير والخوف الذى يعتريه من فقدان هذا الوطن العزير على قلب كل فلسطيني وكل عربي شريف يؤمن بأنه حان الوقت لاسترداد هذه القطعة الغالية من الوطن العربي الكبير. فبعد مرور اكثر من 65 عاما على اغتصاب الصهاينة لفلسطين أشعر هذا العام بانني اقترب منها اكثر من اى وقت مضى,رغم المؤامرات التي تحاك ضد بعض الاقطار العربية لانهاك قواها والهائها في معارك جانبية لحرف بوصلتها عن المعركة الحقيقية “ام المعارك” لتحرير الوطن السليب.فما دام في هذا العالم اناس قلبهم على فلسطين,فلن تضيع ابدا .

اشترك في قائمتنا البريدية