بيروت- “القدس العربي”: بعد الأحداث الأليمة التي شهدتها طرابلس والمواجهات التي سُجلت بين المحتجين والقوى الأمنية وتخللها إحراق للبلدية وللمحكمة الشرعية ومحاولة اقتحام سرايا المدينة وجامعة العزم التابعة للرئيس نجيب ميقاتي وعدد من منازل النواب، أراد ثوار 17 تشرين/ أكتوبر التعبير عن تضامنهم مع طرابلس التي كانت استحقت لقب “عروس الثورة”، فتم تنفيذ وقفات تضامنية في عدد من المناطق بينها في بعلبك وساحة الشهداء.
وتوجهت مسيرة سيارة من بيروت إلى عاصمة الشمال مرورا بالمدفون حيث أوقفها حاجز الجيش اللبناني بهدف التدقيق في الهويات قبل السماح لها بمواصلة طريقها إلى ساحة النور التي شهدت تجمعا كبيرا للمواطنين الذين نددوا بأداء السلطة وأعربوا عن تضامنهم مع أهالي المدينة ووجعهم وواقعهم الاجتماعي والاقتصادي المتردي، في ظل انتشار واسع لوحدات الجيش.
وترافق هذا التحرك مع موقف لمنسقي “تيار المستقبل” في الشمال انتقدوا فيه العهد، وأكدوا أن “ما تعبر عنه طرابلس من وجع يختصر وجع اللبنانيين في كل المناطق، في ظل عهد قوي بالإنكار والتعطيل والهروب من تحمل مسؤولية توفير مقومات الصمود لشعبه، ولا سيما للعائلات الفقيرة، في ظل إجراءات الإقفال العام والحجر لمواجهة تفشي جائحة كورونا”.
ورأوا أن “التضامن الوطني الواسع مع طرابلس وأهلها من كل اللبنانيين، جاء ليقطع الطريق على مخططات استخدامها صندوق بريد لتوجيه رسائل سياسية، كما قطع الطريق على بعض الأجندات المشبوهة التي تصب الزيت على نار أي حادث أمني في المدينة، لتشويه صورتها وشيطنتها وكيل الاتهامات الباطلة والحاقدة بحق أهلها”. واعتبروا أن “عدم قيام رئيس الجمهورية بدعوة المجلس الأعلى للدفاع إلى الانعقاد بشكل طارئ للبحث في خطورة ما شهدته عاصمة لبنان الثانية، يطرح أكثر من علامة استفهام مقلقة إزاء أداء السلطة واستهتارها بحق طرابلس، وخصوصا أن المجلس الأعلى للدفاع ينعقد للبحث في أمور أقل خطورة من ذلك بكثير”.
وكان الرئيس نجيب ميقاتي حيا جهود الجيش لضبط الوضع في طرابلس بعد تصريح أثار الجدل عندما تحدث عن الأمن الذاتي بقوله “إذا لم يتمكن الجيش من ضبط الوضع في طرابلس فقد أحمل السلاح لحماية نفسي ومؤسساتي”، وعلق وزير الداخلية محمد فهمي الذي تفقد طرابلس ومبنى البلدية المحترق على كلامه فقال “لا أظن أنه قد يصل لهذا وإن حصل ذلك “فعلى الدنيا السلام”.
تزامنا، أبقى “التيار الوطني الحر” على مواقفه التصعيدية، فرأى أن “مأساة طرابلس تستدعي من رئيس الحكومة المكلف، الإسراع في تشكيل حكومة بالاتفاق والشراكة الكاملة مع رئيس الجمهورية، والاعتبار الوطني يحتم أن يتوجه فورا إلى القصر الجمهوري، ويقلع عن التلهي برمي الآخرين بما هو غارق فيه من مآزق وتشابكات سياسية محلية وإقليمية وانتظارات دولية، متلطيا في خبايا جبهات واهمة”. واستغرب التيار ما سماه “منطق تربيح الجميلة بالحرص على حقوق المسيحيين من جانب الذين رفضوا الاعتراف بشرعية الممثل الأكبر للمسيحيين، فعرقلوا انتخابه سنتين ونصف السنة، إلى أن فرضت حاجتهم لرئاسة الحكومة أن يوافقوا على ترشيحه”.
وردت هيئة شؤون الإعلام في “تيار المستقبل”، فأكدت أنه “كان الأجدى بالتيار الوطني الحر سؤال رئيسه السابق رئيس الجمهورية، لماذا لا يوقع على التشكيلة الحكومية الموجودة على مكتبه منذ أكثر من خمسين يوما بدلا من احتجازها، وهل من مصلحة المسيحيين أن يصبح رئيس الجمهورية اللبنانية، طرفا يمارس خلف المعايير السياسية والحكومية لجبران باسيل”.
إلى ذلك، وجه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي من جديد انتقادا لاذعا للمسؤولين، قائلا “من المحزن والمخزي حقا أن يكون الخلاف غير المبرر في تطبيق المادة 53/4 من الدستور سببا لتشنج العلاقة بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف إلى حد التخاطب بواسطة المكاتب الإعلامية والأحزاب الموالية ردا برد، كما من وراء متاريس تزيد من تشقق لحمة الوحدة الداخلية”، وأسف للقول “إن هذه ليست أصولَ العلاقة بين رئيس جمهورية يفترض أن يكون فوق الصراعات والأحزاب، وبين رئيس مكلَف يفترض أن يَستوعبَ الجميعَ ويَتحررَ من الجميع”، مؤكدا أن “الإمعان في التعطيل يتسبب بثورة الجياع وحرمانهم من أبسط حقوقهم ويدفع بالبلاد إلى الانهيار”.