كان أسبوعاً مقلقاً للمخطوفين الإسرائيليين في غزة، علقت فيه المفاوضات في طريق مسدود، وإذا لم تطرأ انعطافة حادة سيتجمد الوضع ويبقى في يد القدر. أيام تبين فيها لكل من يفهم بأن قيادة حماس جدية في موقفها وأن تمترسها ينبع من صراع وجودي وليس مجرد مناورة في المفاوضات.
ما بقيت موازين القوى بين الطرفين على حالها، ولم يبدِ أي منهما مرونة، تقل الفرصة لصفقة واسعة. ربما تحتمل صفقة صغيرة، إنسانية، لبضعة أيام على الأكثر. كل واحد يتحرر نعمة، لكنه ليس تحريراً جارفا لهم، خصوصاً للجنود منهم.
الأحد مساء، قبل بضع ساعات من بدء صيام رمضان، ألقى رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، خطاباً لمؤيديه. تحدث 25 دقيقة، تناول فيه وقف النار الذي لم يتحقق. ومع أن هنية توجه للفلسطينيين فقد وجه أقواله لإسرائيل أيضاً. بلغته، قال: الحرب تدخل شهرها السادس، والأهداف التي أعلنتم عنها في بدايتها لم تحققوها (وقصد تحرير المخطوفين وتصفية حماس). نحن، من جهتنا، قال هنية، تلقينا ضربات شديدة، لكننا نصمد أمام التحدي ونواصل القتال. ومعظم المخطوفين ما زالوا بحوزتنا.
لهذا السبب، ودون أن نذكر كلمة صريحة، اقترح على إسرائيل حلاً وسطاً: نلتقي في المنتصف. توقفون الحرب، ونعطيكم المخطوفين. وعلى الورقة الصعبة إياها، وعد هنية بإبداء المرونة بشأن السجناء الأمنيين. وكلمة “مرونة” قالها مرتين. الاستنتاج الذي حاول أن ينقله إلى إسرائيل واضح. يمكنكم أن تقاتلوا خمسة أشهر أخرى، وتوقعون علينا المزيد من الهزائم، لكننا لن نعطيكم المخطوفين.
فصّل هنية خمسة مبادئ، بدونها سيرفضون مواصلة الحديث: وقف الحرب، وخروج الجيش الإسرائيلي من القطاع، وإعادة كل النازحين إلى بيوتهم في شمال القطاع، وبدء الإعمار الإنساني ومشروع المساعدات، وصفقة مخطوفين، مشرفة، على حد تعبيره. بمعنى صفقة تسمح للطرفين بالادعاء بالإنجاز. ليس صدفة، أنه وضع السجناء في المكان الأخير في القائمة. “تصرفنا بجدية ومسؤولية في كل جولات المحادثات”، قال هنية، “لكن العدو تملص من إعطاء ضمانات والتزامات واضحة”. وكشف بأن إسرائيل وافقت على البحث في الانسحاب، لكن بتدرج، وفي صيغة إعادة انتشار.
لا يوجد هنا الكثير من الأسرار. مواقف الطرفين في المفاوضات التي جرت في الأسابيع الأخيرة مكشوفة جداً. وللطرفين شرط مسبق غير مستعدين للتزحزح عنه. إسرائيل ترفض وقف الحرب. وحماس ترفض تحرير المخطوفين ما لم تتوقف إسرائيل وتخرج جنودها. لماذا تصر إسرائيل على رأيها، هذا يعرفه الجميع. لماذا تفعل حماس ذلك – لأن المخطوفين ورقتها الأخيرة، ويمكن القول إنها الوحيدة أيضاً. بواسطتها، يريدونه أن يحقق حاجتهم العليا هذه الأيام – إنقاذ أنفسهم. وعليه، فقد دحر السجناء الأمنيون جانباً. هم مستعدون للمساومة على عددهم وربما أيضاً على أسمائهم.
يستهدف وقف الحرب بالطبع إنقاذ حماس من الفناء، لكن بالمقابل سينقذ الرهائن الذين في أسرهم. وعليه، تطلق إلينا حماس رسائل شديدة الوضوح، بأنه كلما تأخرنا، سيفقد مخطوفون حياتهم. وهم يفعلون هذا من خلال أفلام عن مخطوفين توفوا، ورسائل تنشر في القطاع مرة كل حين.
وصلت إسرائيل إلى لحظة الحقيقة التي سعت إلى الفرار منها من بداية الحرب. القرار المصيري: ما هو الأهم: تحرير مخطوفين أم إبادة حماس. في هذه النقطة الزمنية، يتصادم الهدفان أكثر من أي وقت مضى
بعيداً عن الأضواء، وصلت إسرائيل إلى لحظة الحقيقة التي سعت إلى الفرار منها من بداية الحرب. القرار المصيري: ما هو الأهم: تحرير مخطوفين أم إبادة حماس. في هذه النقطة الزمنية، يتصادم الهدفان أكثر من أي وقت مضى. لن تتخلى حماس أو تلين. كل الضغوط التي قد يستخدمها عليهم الوسطاء وإسرائيل استخدمت، عسكرياً ومالياً وسياسياً واجتماعياً. بالنسبة لهم، وقف الحرب مسألة حياة أو موت. وعليه، فإذا كانت إسرائيل تريد أن تضمن عودة المخطوفين إلى الديار سليمين ومعافين في أقرب وقت ممكن، فعليها وقف الحرب. إذا كانت ترى أنها تريد مواصلتها، فإنها تدفع الثمن بحياتهم. حماس تخوض حرب وجود، وترى في ورقة المخطوفين هواء للتنفس. وعليه، فإن الضغط العسكري لا يدفعهم لان يحرروهم مقابل سجناء فقط أو مساعدات إنسانية، مهما كانت كثيرة.
الوسطاء المصريون والقطريون، ومن فوقهم الأمريكيون الذين يلعبون دوراً مركزياً في المفاوضات، يحاولون في هذه الأيام العمل على صفقة ما. ينبغي أن نحييهم على إصرارهم وجهودهم العليا في إطار الحديث المتعذر الذي حدده لهم الطرفان. لكن قد لا ينجحون في اقتحام شرط لحماس والفصائل الأساس لإنهاء الحرب قبل كل صفقة.
في بداية الأسبوع، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إن كلفة إعمار غزة تقدر بـ 90 مليار دولار. لم يقل من سيدفع المبلغ الشاهق، لكن قصده واضح. شركات مصرية، بالنسبة للقاهرة، بسبب وضعها الاقتصادي المهزوز وبدونه أيضاً، ترى في غزة فرصة تجارية. كل هذا، إذا لم تقع كارثة وتغرق جموع اللاجئين من رفح سيناء. عندها ستصبح غزة مشكلة وليست فرصة.
مسألة تمويل إعمار القطاع تبدو لنا كمشكلة الآخرين، لكن من الأفضل لنا أن نصحو من هذا. فإعمار غزة مصلحة إسرائيلية. إعمار اقتصادي وإنساني وبالطبع استقرار سياسي. وبغيابه، ستصبح غزة مدينة لجوء للمجرمين، وحيثما توجد جريمة، ينمو الإرهاب. سبق أن كتبت هنا في الماضي بأنه في التصرف غير المسؤول أو غير الحكيم ستشبه غزة العراق بعد صدام، وربما أيضاً منطقة نفوذ إيرانية. حتى اليوم، لم توضع خطة جدية وشاملة لإعمارها، لا عندنا ولا عند الآخرين. وحتى لو نفذت بشكل صحيح وواعد، فستستغرق مسيرة البناء المتجدد سنوات.
الدول المرشحة للمساعدة في خطة الإعمار إذا ما وعندما تنطلق على الدرب، لن توافق على تحرير الشيك بكل ثمن. حتى في أيام أخرى لم تسارع. فلماذا ستستثمر من مالها، وبعد ذلك يدمر كل شيء بحرب أخرى. هي ستساهم بعشرات المليارات فقط إذا ما اقتنعت بأن غزة ستسير إلى استقرار حقيقي. لضمان هذا، يجب عمل واحد من اثنين: إبادة حماس (والحرص على أن تحل محلها عصابات أسوأ منها)، أو إبقائها بحيث تكون جهة مجدية.
هذان أمران، إسرائيل بعيدة عن تحقيقهما. أما المخطوفون ففي متناول يدها.
جاكي خوجي
معاريف 15/3/2024
أصلا عصابة بنغفير وسموتريتش و على رأسهم الفاسد الكاذب المخادع قاتل الفلسطينيين النتن ياهو يا الياهو لا تكترث لأمر أسراهم وفق مبدأ هنبعل✌️😁✌️🇵🇸