قادتني منذ عدة أيام قدماي إلى سوق المنامة العتيقة، لأجد نفسي في أحد محلات الخياطة، التي تترتب فيها صنوف مستلزمات الخياطة بكل أنواعها وتفاصيلها المزدحمة، على الرغم من ضيق مساحتها وقِدم أرففها وأدراجها، التي تمتد من الأعلى إلى الأسفل.
تستشعر الجمال، بمجرد رؤية تلك الألوان، وتداخلها الساحر وحضورها العجيب، فتخلق فيك عالمًا بهيًا، ومشاهد لم تكن في الحسبان، تجعلك تعيد النظر تكرارًا ومرارًا، فتموج وترقص، وتطير بجناحيك كفراشة، بتأثير لا يزول من مساعي القلب والشعور. وقفت أمام أدراج خيوط التطريز تحديدًا، فاندهشت حقًا، لأرى تباين كل لون يسبقني أكثر من أي شيء آخر في درج صغير، كغرف صغيرة مستقلة أُعدت حتى يتم التعامل معها بكل حرص وحب كبيرين، تُهت أكثر، فسألت نفسي كيف ينعكس هذا اللون في الحياة؟ وكيف يخلق مضمونًا؟ وأين يمكنني أن أجده في حياتي؟
هذه الأدراج الصغيرة، كل واحدة منها هي بمثابة حياتنا التي تجمع أفكارنا، طموحنا، عاداتنا، تقاليدنا، أوطاننا، مذاقاتنا، عوائلنا، تعليمنا، أفراحنا، أحزاننا، وأيضًا أسرارنا التي نخفيها في بريق عيوننا، أي يعني، كل محصلة في حياتنا تخصنا وتحيط بنا.
هذا ليس ضربًا من الخيال أو الجنون، هذه حقيقة نحن نغفل عنها، لأسباب نجهلها أو قد نعرفها. الألوان هي مكون رئيسي في شخوصنا، فقد تتعرض إلى الإهمال والإخفاء أو النسيان، بسبب تراكم الأيام، وخيبات الظروف، فتظل حبيسة في مكانها، لسنوات مديدة، من دون الشعور بأهميتها، حينها يحتقرها الواقع الفكري الخاص بنا، لأننا وبكل بساطة لم نتقن كيف نسمعها، ونراها من زاوية أخرى، بطريقة تبرزها بانفعال شعوري وجمالي، تجعلنا نستيقظ من جديد. فاللون الأحمر مثلًا ليس دليلًا على العدوانية، بل هو لون التميز والتحفيز أيضا.
تعامل مع حياتك كلوحة فنية أنت مسؤول عنها، استخدم كل ألوانك بمتعة وافتتان، لا تخجل من لون قاتم أو فاتح، فهي أسلحتك، ما دمت تسعى في هذه الحياة.
٭ إعلامية وكاتبة من البحرين
مبدعة ومتألقة علياء الموسوي لكِ مني كل الإحترام والتقدير