في مصر: لعبة الكراسي الوزارية ما بين الثقافة والإبداع وتجديد الدماء!

حين تولت إيناس عبد الدايم منصب وزير الثقافة المصرية في عام 2018 تفاءل المثقفون خيراً بإسناد القيادة الثقافية لفنانة مُرهفة الحس، درست الموسيقى العربية دراسة أكاديمية، وتخصصت في العزف على آلة الفلوت، وبالفعل مارست الوزيرة دورها بمنطق الفنانة، فاهتمت بألوان الفنون والموسيقى، وركّزت بصفة خاصة على الفعاليات السينمائية والمسرحية، واعتنت بتطوير المهرجانات ودعمها دعماً لوجستياً ومادياً، باعتبارها واجهة حضارية تعكس ثقافة الشعب المصري وارتباطه بالإبداع والفنون، وفي الوقت نفسه تخلق صدى أوسع لحراك ثقافي براق.
ومضت المسيرة على هذا النحو بسلامة نية من جانب الوزيرة، إلى أن كثرت المهرجانات وتعاقبت المناسبات، فصارت الثقافة محض احتفال طويل على مدار السنة بالموسيقى والغناء والسينما والفن التشكيلي، تقطعه مناسبة سنوية يُمثل فيها الكتاب وحده دور البطولة في الفترة المحدودة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، حيث يتم الاتفاق مع دور النشر المصرية والعربية وتُنظم الندوات ويُدعى الكُتاب والشعراء والمُثقفون من كل حدب وصوب للمُشاركة والتفاعل وتقديم ما لديهم من جديد الإبداع والفكر، وفي نهاية العُرس الثقافي تخرج التوصيات كتقليد صوري شكلي، يُضاف إلى ما قبله من التوصيات المحفوظة في أدراج المكاتب والدواليب، وهلم جرا تتعدد الدورات ويبقى الحال على ما هو عليه.

ويمر العام تلو العام على المُشكلات المُزمنة دون حل، أو مجرد اقتراح لحلول منظورة، وعليه تتراكم المُشكلات ويزداد رصيد القضايا المؤجلة لحين انعقاد اللجان المُختصة، ويطول أمد التأجيل حتى تنعقد لجاناً أخرى أكثر اختصاصاً تُعنى بدراسة الأزمات وفحص المُقترحات المناسبة لكل مُشكلة داخل كل قطاع، وفي نهاية الأمر يُصرح مسؤولو الفروع والإدارات، بأن هناك عوائق مالية تحول دون إتمام الإصلاحات الثقافية وتُحال القضية برُمتها إلى الجهة الأعلى للبحث في الشأن المالي وزيادة ميزانية الثقافة ليتسنى للوزارة القيام بدورها على الوجه الأكمل!
وتُصرف الميزانيات الإضافية، وتُنتظر الحلول السحرية للمُشكلات محل الاهتمام، وتذهب قيادة وتأتي قيادة أخرى على الوضع القديم ذاته، فيُعاد تقييم الملف الثقافي من جديد وفق سياسة القيادة المقبل لتوها لديوان الوزارة، ويتفاءل المثقفون مُجدداً بتولي القيادة الفنية النسائية منصب وزير الثقافة، وتداعب أحلام النهوض والإصلاح النخبة المُثقفة على أمل أن يأتي التغيير الفعلي على يد الوزيرة الجديدة نيفين الكيلاني عميدة المعهد العالي للنقد الفني، التي تم اختيارها بمقاييس التفوق بوصفها من أهل البيت الثقافي والمُحيطة بجوانبه وأركانه وتفاصيله، لاسيما أنها عملت كرئيس لصندوق التنمية الثقافية، ولديها خبرة في إدارة النشاطات والمشروعات وكيفية تمويلها وتشغيلها بطريقة علمية وعملية دقيقة.

وهنا يضطلع أهل الثقة والخبرة في ديوان وزارة الثقافة بعرض الملف الثقافي كاملاً بلا نُقصان على الوزيرة، لتجهيز خُطة عاجلة لعلاج المُشكلات المُلحة والتعامل معها على وجه السرعة، لتحسين الأداء على أرض الواقع، فهناك مُشكلة منح التفرغ الذي يحصل عليه بعض العناصر منذ سنوات بلا استحقاق، وهناك مُشكلات دور العرض المُعطلة في القاهرة والمحافظات، ومُشكلة قصور الثقافة الكائنة في الأقاليم والمُلحق بها مسارح ومكتبات وقاعات عرض سينمائي، ومع ذلك لا يتم استغلالها للاستفادة منها في تثقيف المواطن الإقليمي. وكذلك لا بد من النظر لمُشكلات النشر في الهيئات الرسمية للدولة بعين الاعتبار، وتذليل معوقات النشر أمام الكُتاب والمُبدعين الشباب، كما تستوجب مشكلة النشر أيضاً التنسيق رسمياً مع دور النشر الخاصة، لضبط الإيقاع ومنع الاستغلال، والحد من النزاعات المُستمرة بين الكُتاب وبعض الناشرين المُستغلين والمُغالين في استقطاع تكلفة الطباعة والنشر من المؤلفين الكبار والصغار، وإهدار حقوقهم الأدبية والمادية. ومن الملفات التي تنتظر وزيرة الثقافة الجديدة ملف المسرح وقطاعاته بعيداً عن اقتصار الاهتمام فيه على المهرجانات والتكريمات الموسمية فقط، كما أن هناك ملف العلاقات الثقافية الخارجية مع الدول الشقيقة والصديقة وأبعاد التعاون والدراسات المعنية بتطوير هذا التعاون وأفقه ومجالاته النظرية والتطبيقية.
كل هذه مُعطيات ومقدمات لمهام أساسية تنتظر الوزيرة، وتحتاج لقرارات باتة وحاسمة لمنع تفاقم الأزمات، والتمكن من إحداث طفرات ملموسة ومؤثرة في غير الإطار الإعلاني والدعائي، الذي كان مُتبعاً طوال السنوات الماضية، والذي بفضله انكمش الدور الثقافي الإقليمي لمصر وبات الانطباع العام عن الثقافة المصرية هو الغناء والحفلات والمهرجانات التي تعددت وتزاحمت، وخرجت عن دائرة الاختصاص الطبيعي للمعنيين بها فشملت المستثمرين والهواة من مُدعي الثقافة ومُتعهدي الحفلات!

كاتب مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية